جيش الكيان منقسم والتهديد «الوجودي» يتصاعد

جيش الكيان منقسم والتهديد «الوجودي» يتصاعد

يعاني الكيان الصهيوني من «أزمة وجودية» متعددة الأوجه، سياسياً واقتصادياً وأمنياً- عسكرياً، وبأبعاد خارجية مرتبطة بالتغيّرات الدولية وداخلية بالتوترات المتصاعدة. كان واحداً من تعبيرات الأزمة الأكثر خطورة على هذا «الوجود»، أو على الأقل «وحدة الكيان»، تمرّد وامتناع آلاف الضبّاط الاحتياط في «جيش الكيان الصهيوني» عن الالتحاق بتدريباتهم وتنفيذ الأوامر منذ أشهر اعتراضاً على خطة التعديلات القضائية التي تحاول حكومة نتنياهو تمريرها، مما أدى إلى إضعاف «جاهزية الجيش» وقلق واشنطن مما يجري على مصالحها في المنطقة.

تعمّ الكيان حركة احتجاجات وتظاهرات واسعة انطلقت منذ بداية العام الجاري ومستمرة حتى اليوم تنديداً بحكومة نتينياهو اليمينية، كانت شرارتها الإعلان عن خطة إصلاح قضائي تُضعف من صلاحيات المحكمة العليا، مما يتيح ويعطي صلاحيات أكبر وأوسع للحكومة والبرلمان على كافة المؤسسات بما فيها الاقتصاد والدفاع، وسيكون للكنيست سلطة لإبطال قرارات المحكمة العليا بأغلبية أصوات أعضائه، وتقلّص من إمكانية استجواب أو محاسبة الحكومة من قبل السلطة القضائية، الأمر الذي وصفه «الإسرائيليون» أنه إضرار بالـ «ديمقراطية» وتوجهٌ نحو سلطة «استبدادية» و«دكتاتورية» بقيادة حكومة يمينية متطرفة.

تمرّد ضباط الاحتياط

مع تصاعد حركة الاحتجاجات في الشارع أعلن عشرات ضباط الاحتياط لدى جيش الكيان في شهر آذار امتناعهم عن حضور تدريباتهم العسكرية الروتينية سواء الأسبوعية أو السنوية احتجاجاً على خطة التعديل القضائي وتأثيراتها على الكيان عموماً ومؤسسة الدفاع خصوصاً، وبمرور الوقت توسّع عدد الضباط الممتنعين وصولاً إلى أكثر من 10 آلاف من أفرع مختلفة، ضباط استخبارات، وقوات خاصة، وأهمها وأكثرها خطورة الطيّارون.

شكّل هذا التمرّد العسكري من ضباط الاحتياط صدمة لحكومة نتنياهو وللكيان ككل، ويعد تعبيراً فاضحاً عن مستوى الانقسام الحاد الجاري لدى الكيان الصهيوني، مما أدى إلى وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحدث بالـ «التهديد الوجودي» على الكيان، وبدوره قال رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي في رسالة موجهه إلى الجنود، «إذا لم نكن جيشاً قوياً ومتكتلاً، وإذا لم يخدم في الجيش الإسرائيلي الأفضل بين الشبان، فإنه لن نتمكن من الاستمرار بالوجود كدولة في المنطقة» متابعاً «أدعو جميع عناصر الاحتياط، وفي هذه الأيام المعقدة أيضاً، إلى الفصل بين الاحتجاج المدني والخدمة الأمنية والامتثال فيها. الدعوات إلى عدم الامتثال تضر بالجيش الإسرائيلي».

وقال رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان «إن ما لحق من أضرار حقيقية بسلاح الجو الإسرائيلي من قبل قوات الاحتياط، هو علامة خطر ربما لم تحدث من قبل»، بينما صرّح قائد سلاح الجو الصهيوني تومير بار أن كفاءة الجيش لن تعود كما كانت بل تشهد ضرراً بمرور الوقت قائلاً «الضرر داخل المنظومة العسكرية الإسرائيلية يزداد عمقاً ويزيد من ضعف كفاءة الجيش نفسه والتي لن تعود كما كانت... تلك الكفاءة لن تعود إلى سالف عهدها، على خلفية احتجاج ضباط الاحتياط، والذي يأتي نتيجة لاعتراضهم على التعديلات القضائية التي تحاول حكومة بنيامين نتنياهو تمريرها»، وقال وزير الدفاع يوآف غالانت أن ما يجري بمثابة «هدية لأعدائنا».

وأدى تمرد ضباط الاحتياط كذلك إلى تصعيد في الأزمة السياسية والحكومية في الكيان، حيث يتبادل رئيس الوزراء وقادة الجيش الاتهامات بالمسؤولية فيما يتعلق بإلحاق الضرر بالجيش واستعداده وجاهزيته.

خيارات صعبة

لا يعبّر أيّ من السياسيين الصهاينة أو صحافتهم حول درجة خطورة الوضع ودلالاته في الحقيقة، فتمرّد بهذا الحجم لا يتعلق بآلاف الضباط وحدهم، بل كذلك بتأثيرات الحدث على بقية الضباط والقادة، المؤيدين أو المعترضين على موقف ضباط الاحتياط، فتطور هذا الأمر يهدد بحدوث شقاق وانقسام داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية، ومن جهة ثانية، فإن هذا الحدث قد جعل الجيش نفسه أحد ميادين الصراع السياسي الداخلي.

ويضع هذا الحدث حكومة نتنياهو ومجمل منظومة الكيان بمأزق صعب من ثلاثة خيارات: الأول هو عدم تمرير خطة إصلاح القضاء في الكنيست مما يعني تنازلاً لصالح الضباط المتمردين، ويعطي الأخيرين وغيرهم موقفاً أعلى وأكثر إمكانية بالتدخل والتأثير على المجريات السياسية في الكيان. الثاني هو تمرير خطة الإصلاح مما سيولّد ردود فعل أوسع وأكبر سواء على المستوى المدني أو العسكري، وبذلك يكون الخيار الأفضل بالنسبة للحكومة والكنيست ما جرى حتى الآن من مماطلة بالأمر، بيد أن هذه المماطلة كذلك تؤدي إلى خسارة الوقت بالنسبة لحكومة نتنياهو أمام الاحتجاجات الجارية التي بحال توسعها ستفرض حلّ الحكومة والكنيست وإجراء انتخابات جديدة.

رغم ذلك، مرر الكنيست في 24 تموز الماضي جزءاً واحداً من خطة الإصلاح القضائي بموافقة غالبية أعضائه على مشروع قانون إلغاء ذريعة «المعقولية» الذي كان يتيح للمحكمة «الإسرائيلية» مراقبة ومراجعة القرارات الحكومية وإلغاءها إن تطلب الأمر، وبذلك بات القضاء الصهيوني غير مخوّل بإلغاء قرارات الحكومة أو وزاراتها بذريعة «عدم المعقولية».

قلق أمريكي وزيارة رفيعة مرتقبة

الأزمة الجارية لا تتعلق بالكيان وحده، وإنما بوظيفته الأساسية أصلاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وتحديداً كونه «قاعدة» عسكرية أمريكية متقدمة ورئيسية فيها، ومثل هذا الأمر من تراجع بجاهزية الجيش وضعفه يعني عملياً تراجعاً بقدرة حماية وتأثير هذه «القاعدة» على بقية القواعد الأمريكية وقواتها المنتشرة في المنطقة ككل، وتراجعاً بنفوذها الجيوسياسي الذي لعب الكيان تاريخياً دوراً في تدعيمه.

نتيجة لذلك أعلن أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي سيزور «إسرائيل» خلال الأسبوع الجاري لتقييم الأضرار الحاصلة في الجيش والتحقق من التقارير التي تفيد بأن جاهزية واستعداد جيش الدفاع للحرب قد تضررت بسبب رفض جنود الاحتياط تأدية مهامهم، بنفس الوقت تحاول وسائل الإعلام الغربية تغطية الهدف الحقيقي من الجولة وتصويرها «كجولة وداع قبل مغادرة ميلي لمنصبه في تشرين الأول المقبل».

تعكس زيارة رئيس الأركان الأمريكي القلق الجدّي الموجود لدى واشنطن جرّاء هذه الأحداث في الكيان الصهيوني، ومثل هذه الزيارة لن تكون بهدف «تقييم» أو «تحقيق» كما هو معلن، بقدر ما هي توجيهات وأوامر ونصائح ستعطى للنخبة الصهيونية بشكل حيّ ومباشر على لسان قائد الجيش الأمريكي نفسه بما يعنيه هذا التمثيل من جدّية بالتعاطي مع الحدث.

إنّ كل ما يجري داخل الكيان الصهيوني من أحداث سياسية واقتصادية وأمنية يعد مبشراً باقتراب تفككه النهائي، وما تمرّد ضباط الجيش والتظاهرات الواسعة الجارية والأزمات السياسية المتتالية فيه سوى غيض من فيض ما يجري من شقاق وانقسام وتفسخ في الكيان ككل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1136