اغتيال فيلافيسينسو في الإكوادور صراع عصابات أم سياسة؟
حمزة طحان حمزة طحان

اغتيال فيلافيسينسو في الإكوادور صراع عصابات أم سياسة؟

شكّل اغتيال المرشح الرئاسي الإكوادوري فيرناندو فيلافيسينسيو مساء الأربعاء الماضي من قبل 6 كولومبيين صدمة أمنية وسياسية كبيرة في البلاد قبيل الانتخابات المزمع عقدها في الـ 20 من الشهر الجاري، ورغم أن تهديدات سبقت تنفيذ عملية الاغتيال وقبل تبنّيها من قبل إحدى عصابات الجريمة المنظمة المنتشرة في البلاد، إلا أنّ المسألة تعد أعقد من مجرد «حرب عصابات» بشكلها، وتنطوي على جوانب سياسية رئيسية.

تنتشر الجريمة المنظمة في «الحديقة الخلفية» للولايات المتحدة منذ عقود طويلة وبشكل كبير، من مافيات وعصابات وكارتيلات مخدرات وإتجار بالبشر، وتقوم بتنفيذ اغتيالات أمنية وسياسية وغيرها من العمليات الإجرامية والإرهابية ضمن قواعد وحدود غير رسمية تجري المناورة ضمنها وتحديدها كل حين، سواء بالصراعات ما بين العصابات نفسها، أو بالنزاعات ما بينها وبين الحكومات اللاتينية أو والأهم من ذلك تحريك هذه العصابات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

ما هو واضحُ وثابت ولا يمكن التغافل عنه ضمن أي تحليل لمثل هكذا أحداث، أن هذه الكارتيلات باقتصاداتها الكبرى وعملياتها التجارية وما تدرّه من أرباح ضخمة تعد جزءاً وتعبيراً مباشراً عن رأس المال المالي الإجرامي عالمياً والمرتبط بمركزه الأمريكي، كما أنّ هذه العصابات تؤدي دوراً تاريخياً بتوتير المنطقة اللاتينية ككل اجتماعياً وسياسياً وأمنياً، وتستنزف طاقة البلاد بحكوماتها وشعوبها، وأعطت على طول الخط ذرائع سواء داخلية لقمع أية تحركات شعبية أو سياسية لا ترضي أطرافاً محددة، أو خارجية عبر تدخل الولايات المتحدة أمنياً وعسكرياً بحجّة مكافحة الجريمة والإرهاب.

وعلى الرغم من عشرات آلاف المهمات القاضية بمكافحة الجريمة المنظمة بأمريكا اللاتينية والدعم المفترض المالي والأمني المقدم من واشنطن، لم تؤدِّ بنتيجتها سوى إلى زيادة انتشار هذا المرض في المنطقة وارتفاع مستوى إجرامه وخاصة خلال السنين القليلة السابقة، ليشكل هذا النشاط برمته خطّ إنتاج واحد من حلقة تجارة المخدرات والسلاح والبشر والتدمير، يدر أرباحاً لجميع الأطراف ويخدم مصالحها السياسية بحسب الحاجة في كل لحظة.

ضمن هذا الإطار، فإن أي طرح جدّي وحقيقي بمكافحة الجريمة المنظمة من قبل أي تيار سياسي يقابل بالترهيب بمثل هذه الاغتيالات المباشرة عند الضرورة، لكن وبنفس الوقت، لا يخفى على أحد أنّ من يقدم مثل هذه الطروحات الجدية تأتي ضمن سلّة من القضايا الأخرى ضمن البرنامج السياسي للتيار، بمكافحة الفساد وحلّ مسائل الفقر وتوزيع الثروة والمشكلات الاقتصادية والسياسية ككل، سواء أكان يتسم شكلياً باليسار أو اليمين، فيكون قمعه قد خدم بنفس الوقت تلك التيارات النيوليبرالية الموجودة في البلاد وارتباطاتها الخارجية.

بحالة الإكوادور التي تعاني الأمرّين من الجريمة المنظمة وأنشطتها الإرهابية المتزايدة والمتعاظمة في البلاد خلال السنين السابقة، لا يمكن لأي تيار سياسي المرور دون الحديث عن هذه المشكلة الرئيسية في البلاد، بيد أن الطرح الجدّي بها هو ما يشكل تهديداً على هذه العصابات ومن له مصلحة بها، وكان يعرف عن فيلافيسينسيو نفسه أو تياره «حركة بناء الإكوادور» - وهو تيار وسط- تاريخياً هذا الأمر، وعلى الرغم من أنّ توقعات الانتخابات لم تكن لصالحه أمام منافسته لويزا كونزاليس، إلا أنّ عملية الاغتيال كانت خلفها رسالة سياسية واضحة، وهي قمع وترهيب أي تحرك سياسي قد يمتلك برنامجاً تغييرياً، وسيتضح خلال الأسابيع التالية الدوافع السياسية الحقيقية لهذا الاغتيال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1135