واشنطن تشارك حكومة البيرو قمع الاحتجاجات
لا تزال الاحتجاجات الشعبية قائمة وثابتة في البيرو وإن بشكل متقطع ووتيرة أخفّ، احتجاجات انطلقت بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس اليساري السابق بيدرو كاستيو وسجنه أواخر العام الماضي، واستلام الرئيسة الحالية دينا بولوراتي رئاسة البلاد بحكومتها اليمينية.
ومع المخاوف الغربية المتزايدة من الموجة اليسارية الجديدة في أمريكا اللاتينية، تسعى التيارات اليمينية بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى تثبيت مواقعها قدر الإمكان.
تعدّ البيرو أحد الكنوز الغنية بالموارد والثروات وعلى رأسها المعدنية من ذهب وفضة ونحاس وغيرها، ما يضعها كنقطة تجاذب رئيسية بين الاقتصادات الكبرى العالمية فضلاً عن الجوانب والأبعاد الجيوسياسية الأخرى، فكانت واحدة من النقاط القاتلة بالنسبة لواشنطن والتي استدعت تدخلات وإجراءات سريعة ما طرحه الرئيس البيروفي السابق كاستيو خلال فترة رئاسته من مساعٍ لتأميم شركات التنقيب عن المعادن ومناجم الذهب في البلاد.
بالنسبة لواشنطن، يعد الاقتصاد البيروفي هاماً لجانبين، الأول، من خلال سيطرتها عليه وتحقيق الأرباح منه، وثانياً، قطع الطريق أمام قوى أخرى مثل روسيا والصين يمكن لها أن تدخل باستثمارات في البلاد ما يزيد من حضورها الإستراتيجي في أمريكا اللاتينية، وهو ما جعل موقف واشنطن ثابتاً من أي حكومة يسارية جدية.
يعود هذا التدخل الأمريكي ومساعي السيطرة على الاقتصاد البيروفي لعقود طويلة خلت، وكان جزءاً أساسياً منه التواجد العسكري الأمريكي المباشر في أراضي البيرو منذ النصف الأول من القرن الماضي، باستثناء فترة حكومة خوان ألفارادو اليسارية في السبعينات، وذلك لحماية مصالحها، وتثبيت التيارات اليمينية، وإعاقة أي تعاون تجاري مع دول أخرى ثالثة لا توافق عليها واشنطن.
مع عودة صعود التيارات اليسارية في أمريكا اللاتينية خلال السنوات القريبة السابقة وحتى الآن، بالتوازي مع التغيرات الدولية عموماً وتأثيراتها من تراجع غربي مزمن، عادت معها التخوفات الأمريكية من فقدانها لمصالحها «ولحديقتها الخلفية» ككل، فكان الانقلاب السياسي في البيرو على بيدرو كاستيو وحكومته الخطوة الأولى باتجاه «احتلال عسكري» أمريكي غير مباشر للبلاد، تجري تغطيته بتشريعات برلمانية واتفاقات أمنية بين الحكومتين البيروفية والأمريكية، حيث وافق كونغرس البيرو في منتصف شهر أيار الماضي على مشروع قانون يأذن بدخول قوات بحرية وأفراد عسكريين أجانب بسلاحهم إلى البلاد، وتبع ذلك في أواخر الشهر نفسه قرار تشريعي جديد يتيح مجيء ودخول القوات العسكرية الأمريكية بحراً وجواً إلى البلاد، كانت نتيجته خلال الشهرين الماضيين قدوم قوات أمريكية بحرية وجوية وفضائية وخاصة إلى البيرو ومكوثها ضمن القواعد العسكرية البيروفية، وذلك فضلاً عن المساعدات المالية والمادية المقدمة من واشنطن لليما.
مجيء هذه القوى العسكرية، والدعم المستمر للحكومات اليمينية، رغم عدم وجود أي تهديد أمني خارجي على البلاد، سواء بالشكل المباشر أو غير المباشر، يعني بالضبط مواجهة التهديدات الداخلية وعلى رأسها الحركة الشعبية المنتشرة بكافة أرجاء البلاد، فهو من جهة يمنح وزناً سياسياً لحكومة بولوراتي الحالية، بمواجهة الاحتجاجات المطالبة باستقالتها وإطلاق سراح كاستيو وحلّ الكونغرس البيروفي نحو انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، ومن جهة أخرى يعطيها الدعم اللازم مالياً ومادياً وعسكريا لقمع الاحتجاجات بحال تطورها وذلك بذرائع عدّة بدأت بالصدور منها مكافحة العصابات والكارتيلات والإرهاب، ومن جهة ثالثة يحمي الشركات الخاصة المحلية والأجنبية من أية محاولات شعبية سلمية أو مسلحة للتعرض لها. هذا بالإضافة إلى أن وجود القوات الأمريكية في البيرو يمكن أن يمكّن واشنطن من التحرك وأداء مهام متعددة في دول مختلفة في القارة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1135