كوريا الديمقراطية واتجاهات الحرب

كوريا الديمقراطية واتجاهات الحرب

تتزايد الظروف السياسية والأمنية توتراً حول كوريا الديمقراطية، وذلك نتيجة للاستفزازات الأمريكية لها، وردود الفعل عليها، التي تدفع ببيونغ يانغ للقيام بمناورات وتجارب سلاح مستمرة ومتنوعة تعطي من خلالها رسائل بمستوى جدية موقفها واستعدادها بالدفاع عن نفسها، من الصواريخ الباليستية إلى التجارب النووية، وفي ظل التوترات الدولية المتصاعدة أساساً بين الشرق والغرب يصبح ملف كوريا وعلاقاتها مع واشنطن أكثر حساسية تجاه جميع الأطراف، وحتى تجاه السلم الدولي ككل، وسط مخاطر انفجار حرب عالمية جديدة بشكل «رسمي».

استفزازات جديدة

قامت بيونغ يانغ بتجربة صاروخية بالستية جديدة في بحر اليابان قبل أكثر من أسبوعين رداً على الاستفزازات السابقة لها، وبذريعة ذلك أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من إندونيسيا خلال لقائه وزراء خارجية اليابان وكوريا الجنوبية في 15 تموز: أن الولايات المتحدة ستعمل مع حلفائها لصدّ أي عدوان من كوريا الديمقراطية، وقال: «نحن متحدون في الدفاع المشترك، ونؤكد أننا نبذل كل ما في وسعنا للردع والدفاع عن أنفسنا ضد أي عدوان»، وجاء في البيان المشترك للوزراء الثلاثة «ستواصل البلدان الثلاثة العمل عن كثب مع المجتمع الدولي لمنع الإيرادات التي تحصل عليها جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بشكل غير مشروع من خلال العاملين في الخارج، وأعمال القرصنة السيبرانية لتمويل برنامج تسلحها»، وقال وزير الخارجي الكوري الجنوبي بارك جين: «آمل أن يعزز حوارنا الثلاثي اليوم عزمنا على الرد بحزم بشكل لا لبس فيه على الاستفزازات الكورية الشمالية المستمرة».

وبعد 3 أيام من الاجتماع المذكور آنفاً، وصلت الغواصة الأمريكية الباليستية النووية «يو إس إس كنتاكي» إلى القاعدة البحرية الرئيسية بوسان في كوريا الجنوبية، ليقول وزير الدفاع الكوري الجنوبي لي جونغ سوب: إن «نشر الغواصة النووية الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية يظهر أن الالتزام بالردع الأمريكي الموسع تجاه كوريا الجنوبية سيتم تنفيذه بحزم [...] هذا الأمر يظهر لكوريا الشمالية القدرات الهائلة للتحالف، ويؤكد الموقف الدفاعي القوي المشترك لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة»، ليعني هذا الحدث استفزازاً جديداً وأكثر خطراً بالنسبة لبيونغ يانغ، والذي ردّ عليه وزير الدفاع الكوري الديمقراطي كانغ سون نام بتصريحه: «لا يوجد سبب لدى الأمريكيين يسمح لهم بالاعتقاد بأنهم سيبقون سالمين بعد استخدام الأسلحة النووية ضدنا. إذا حاولت الولايات المتحدة استخدام قواتها ضدنا فستتعرض حتما لأزمة لم تتعرض لها بتاتا، ولا يمكنها حتى التفكير فيها».

ورقة الجندي الأمريكي

بالتوازي مع ذلك، صدرت أنباء عن احتجاز كوريا الديمقراطية للجندي الأمريكي ترافيس كينغ الذي كان قد عبر الحدود الكورية «عمداً ودون إذن» وفقاً للمتحدث باسم القوات الأمريكية الكولونيل إسحاق تيلور، وقالت قيادة الأمم المتحدة: إنها تعمل مع الجيش الكوري الديمقراطي «لحل هذا الحادث»، وبدأت الولايات المتحدة بمطالبة كوريا الديمقراطية بإعادة الجندي المحتجز حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: «نقلنا إلى كوريا الشمالية بيانا حول أن الجندي كينغ عبر الحدود دون إذن. ونحن نريد إعادته» ومطالباً بيونغ يانغ بالكشف عن الحالة الصحية للجندي.

ويذكر أن العسكري ترافيس كينغ كان معتقلاً في كوريا الجنوبية لمدة شهرين بتهمة الاعتداء، وأطلق سراحه في العاشر من تموز، وبحسب الأنباء فقد كان مقرراً نقل الجندي من كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة لاتخاذ «إجراءات تأديبية» بحقه.

خلال مؤتمر صحفي لنائب رئيس قيادة الأمم المتحدة الجنرال أندرو هاريسون في كوريا الجنوبية، رفض تقديم أية تفاصيل حول استجابة الجيش الكوري الديمقراطي، أو الحديث عن أيّ تقدم في ملف الجندي الأمريكي المحتجز، وقال: «المحادثة بدأت مع الجيش الكوري من خلال آليات اتفاقية الهدنة.. لكن لن أقول ولا يمكنني قول أي شيء يمكن أن يضر بهذه العملية [...] من الواضح أن هناك سلامة شخص ما على المحك، ونحن في وضع معقد وصعب للغاية [...] لا أحد منا يعرف إلى أين سينتهي هذا الملف»، وأكد لاحقاً: أن قيادة الأمم المتحدة علّقت جولاتها في المنطقة الأمنية المشتركة بين الكوريتين، مشيراً إلى «المخاطر التي يتعرض لها الأفراد الموجودون في المنطقة منزوعة السلاح».
يُعد هذا الحدث، قيام أحد عساكر الجيش الأمريكي بهذا الفعل، غريباً بشكل مريب، لكن وبعيداً عن أي تسرّع أو تطرق للمؤامرات، ما هو واضح حتى الآن أن الحدث يجري استخدامه للتصعيد والاستفزاز على بيونغ يانغ، ويُعد حديث هاريسون الغامض تمهيداً أوسع لذلك، ويمنح الحدث ككل لواشنطن ذريعة للقيام بإجراءات تصعيدية جديدة أخرى تجاه كوريا الديمقراطية.

زيارة وفود دفاعية صينية وروسية لبيونغ يانغ

دعت كوريا الديمقراطية كلاً من الصين وروسيا لحضور العرض العسكري الضخم الذي قامت به بمناسبة الذكرى السبعين لعيد الانتصار في حرب التحرير الوطنية الكورية 1950– 1953، لتعطي هذه الدعوة وهذا الحدث برمزيته فرصة لموسكو وبيونغ يانغ لتعزيز علاقاتهما وإصدار جملة من الرسائل السياسية، حيث زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو برفقة وفد عسكري رفيع العاصمة الكورية الديمقراطية بيونغ يانغ، التقى خلالها كلاً من نظيره الكوري والرئييس كيم جونغ أون، وأشارت وزارة الدفاع الروسية، أن هذه الزيارة جاءت بإطار تعزيز العلاقات الدفاعية والعسكرية وتعزيز التعاون بين البلدين، وكان شويغو قد أشاد بالتفاعل بين البلدين في فترة التي تلت حرب 1950، مؤكداً: أن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تُعد شريكاً مهماً لروسيا، وقال: إن لبلديهما «حدوداً مشتركة، وتاريخاً ثرياً من التعاون»، معتبراً أن زيارته ولقاءه المسؤولين الكوريين الديمقراطيين «ستساعد في تعزيز التعاون بين وزارتي الدفاع».

وجاء ضمن برقية تهنئة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره الكوري الديمقراطية بمناسبة الذكرى السبعين لحرب التحرير الوطنية: «الدعم الثابت للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا من قبل كوريا الشمالية، والتضامن مع روسيا حول القضايا الدولية الرئيسية، يؤكدان على اهتمامنا المشترك وعزمنا على التصدي لسياسة الغرب الذي يعرقل إحلال نظام عالمي ذي تعددية الأقطاب الحقيقية، مبنيّ على أولوية القانون الدولي والأمن غير القابل للتجزئة واحترام سيادة الدول ومصالحها الوطنية».
تؤكد هذه الزيارة وقوف موسكو مع بيونغ يانغ ودعمها بشكل أكبر خلال التطورات الأخيرة، إلا أنها وبنفس الوقت تهدف لتهدئة الظروف المتوترة المحيطة بشبه الجزيرة، فهي من جهة بما تتضمنه من رسائل دعم دولية تعطي ردعاً ما عن قيام الغربيين بأية إجراءات خطيرة تجاه بيونغ يانغ، ومن جهة أخرى تهدئ كوريا الديمقراطية وتثنيها عن القيام بأية ردّ قد يستخدم ذريعة بحقها كإجراء بتجربة نووية جديدة مثلاً، بينما صدرت أنباء غير رسمية بعد تشير إلى أن موسكو قد تزوّد بيونغ يانغ بمنظومات دفاع جوي.

تسعى واشنطن بشكل متهور لجرّ كوريا الديمقراطية لصراع مع جارتها الجنوبية واليابان، وتوريطهما بصدام مباشر يؤدي لتوتير كامل المنطقة، وتحديداً مما يحمله من تأثيرات على الصين وروسيا، بينما تحاول الأخيرتان تأريض هذا الاحتمال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1133