توسيع محتمل لقائمة التطبيع… هل يُخرج الكيان من أزمته؟
ذكّرت تصريحات جديدة لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بالتحركات الكثيفة، التي تسعى من خلالها الولايات المتحدة والكيان لتوسيع مستنقع التطبيع، الذي انضمت له دولٌ عربية جديدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ويجري الحديث عن الرياض مجدداً، فكيف يمكن قراءة هذه التصريحات والتحركات التي رافقتها؟
زار السيناتور الجمهوري الأمريكي عن ولاية أركنساس، توم كوتون عاصمة المملكة السعودية الرياض في 22 شباط الجاري، والتقى هناك ولي العهد محمد بن سلمان، ورغم أنه لم يعلن رسمياً عن جدول أعمال هذا اللقاء، إلى أن الرياض كانت المحطة الأولى لسيناتور قبل أن يغادر بعدها إلى تل أبيب، ما يدل على طبيعة ما حمله المسؤول الأمريكي إلى بن سلمان، وخصوصاً أنه تمنى في ختام زيارته «أن تكون هناك المزيد من الرحلات بين السعودية والكيان في المستقبل».
تصريحات وبيانات تهنئة!
في مؤتمر أمني في تل أبيب، أشار رئيس الوزراء- الذي يعاني من تداعيات أزمة سياسية طاحنة- إلى رغبته في توسيع «اتفاقيات ابراهايم» التي تضم حتى اللحظة كلاً من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وقال نتنياهو: إن التطبيع بين «إسرائيل» والسعودية ممكن، ومن «شأنه أن ينهي النزاع في الشرق الأوسط بشكل عام، ويحل القضية الفلسطينية» حسب ادعائه. بعد أن أكد في تصريحات سابقة أن هذه المسألة باتت بأيدي حكام السعودية، ثم قامت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» بتهنئة السعودية بيوم تأسيسها، الخطوة التي تجاهلتها الأخيرة ولم تعلق عليها. فنشرت الوزارة على موقع «تويتر»: «نبعث بخالص التهاني وأطيب التمنيات للمملكة العربية السعودية، ملكاً وحكومة وشعباً، في ذكرى قيامها، ونتمنى أن يكون هناك جو من السلام والتعاون وحسن الجوار يخدم شعوب المنطقة».
ما الذي يريده نتنياهو من هذه الخطوة؟
نقلت الصحف الصهيونية بعض ما يجري تداوله حول هذه المسألة، وأشارت إلى أن المطلوب بالنسبة للكيان هو نقل العلاقات «القائمة بالفعل إلى دائرة الضوء» ونقلت تقارير إعلامية تصريحات لنتنياهو قال فيها: «أقدّر أنه يمكننا تحقيق انفراجة في مسار التطبيع إذا قررت القيادة السعودية ذلك، صحيح أنها تريد أن يكون هذا رسمياً، لكنهم بطريقة غير رسمية جزء بالفعل من العملية، وأعتقد أن السعي لتحقيق السلام والتطبيع يقوم على المصالح المشتركة، واستخدام القوة العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية والاقتصادية «الإسرائيلية» التي يمكن أن تستند إليها اتفاقيات التطبيع مع جيراننا». وفي السياق نفسه نقلت مراسلة صحيفة معاريف عن مارتن إنديك المبعوث الأمريكي الخاص السابق «لإسرائيل» زمن إدارة الرئيس باراك أوباما، أن السعودية كانت على استعداد لتطبيع العلاقات مع الكيان في ظل شروط تتعلق بالضمانات الأمنية الأمريكية، ولا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، في محاولة منه للتشكيك بالموقف الرسمي المعلن من السعودية، التي رهنت فيه إنجاز هذه الاتفاقية بتنفيذ القرارات العربية والدولية بما يخص القضية الفلسطينية.
هل تحسم السعودية المسألة؟
ادعاءات نتنياهو بأن السعودية جزء غير رسمي من عمليات التطبيع، وكل ما سبق تداوله بهذا الخصوص، لا يجيب على جملة من المسائل الأساسية، أولها: ما الذي يريده الكيان من انضمام السعودية بشكلٍ معلن إلى اتفاقيات التطبيع السوداء؟ وهنا يبدو واضحاً أن الكيان لا يزال يراهن على أن إيجاد إطار يجمعه مع الدول العربية في المنطقة، من شأنه أن يشكّل عاملاً مؤثراً في حلحلة الأزمة السياسية العميقة في البلاد، بالإضافة إلى أن اتفاقيات من هذا النمط من شأنها تصوير الكيان كعنصر طبيعي ومألوف في المنطقة، ويرتبط مع دولها بنوع ما من الشراكات والعلاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى أن ذلك ينسجم مع آمال الولايات المتحدة بحشد كل قوى المنطقة لمواجه إيران، بعد محاولة تصويرها «كعدو أساسي للشعوب العربية» وتسطيح الصراع التاريخي لشعوب المنطقة مع الكيان العنصري التوسعي، وتقديمه بوصفه قضية شكلية ثانوية يمكن القفز فوقها.
من جهة أخرى، حاول نتنياهو في تصريحاته الأخيرة خلط الحقائق، وتحديداً، حين اعتبر أن تطبيع العلاقات من السعودية يمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى «إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي» فنتنياهو يستند إلى أن للسعودية وزناً مؤثراً في المنطقة، هذا بالإضافة إلى إمكانيات كبيرة بالمعنى الاقتصادي والعسكري، والأهم من ذلك أنها كانت صاحبة المبادرة العربية للسلام، التي أطلقها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، والتي تبناها اجتماع الجامعة العربية في بيروت عام 2002 وأصبحت جزءاً أساسياً من الموقف الرسمي العربي لحل القضية الفلسطينية، القائم على جملة من المسائل، مثل: ضرورة انسحاب الكيان من كافة الأراضي التي احتلها في عدوان 1967، وتطبيق القرارات الدولية بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، هذا بالإضافة إلى ضمان قيام دولة فلسطين المستقلة على الأراضي المحتلة منذ عدوان حزيران، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس. رغم أن السعودية لعبت هذا الدور وتملك بالفعل وزناً نوعياً في الإقليم، إلا أن انضمامها إلى اتفاقيات التطبيع- إن حصل- لا يمكن أن يكون ضمانة لإنهاء «الصراع العربي- الصهيوني» الذي يخشى نتنياهو منه، فمجمل القرارات التي تبنتها الجامعة العربية، كانت تعبيراً عن موقف موجود بالفعل لدى الشعوب العربية، والتي هبّت منذ تأسيس جيش الإنقاذ لمواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة، دون توجيه من الأنظمة العربية، بل لعبت بعض هذه الأنظمة دوراً لصالح الكيان وداعميه! والأهم من ذلك: أن الشعب الفلسطيني لا يربط نشاطه المقاوم بقرارات الأنظمة العربية، لا بل إن إلقاء نظرة سريعة على السنوات الماضية كفيلة بإثبات أن اتفاقات التطبيع التي جرى توقيعها حتى اللحظة، لم تترافق مع أي نوع من أنواع التهدئة في الداخل الفلسطيني، بل العكس تماماً، أصبح الكيان مضطراً للتعامل مع نمط جديد مركب من المقاومة لم يألفها من قبل، وهو ما ولّد شعوراً بالأمل لدى الفلسطينيين بأن كل الأطر البالية الرسمية لن تكون قادرة على فرض واقع مغاير لمصالحهم.
من جهة ثانية، لا تملك أهداف الكيان الأخرى من توسيع هذه الاتفاقات حظوظاً جيدة، فالأزمة السياسية الداخلية تعتبر أزمة غير مسبوقة، وتفاقمت أكثر حتى مع وجود قائمة من الدول المطبّعة، ولا يمكن أن يساهم انضمام السعودية أو غيرها في تغيير جدي في الواقع الصهيوني القاتم، بالإضافة إلى أن المساعي لتكوين جبهة «عربية- صهيونية» لمواجهة إيران باتت تبدو فكرة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وخصوصاً أن الدول العربية تنخرط في مفاوضات جدّية مع إيران، بهدف الوصول إلى تفاهمات ملموسة، وهو ما نلاحظه في العلاقات السعودية- الإيرانية مؤخراً، والتي بدأت تترجم إلى اتفاقيات موقّعة بعد أن كانت مشاورات استكشافية لفترة من الوقت.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1111