توترات تونس تتصاعد واتحاد الشغل مستهدف
بدأت التوترات الداخلية التونسية تدخل مرحلة الذروة مؤخراً، وذلك بعد اعتبار رئيسها قيس اسعيّد خلال اجتماع أمني سابق، أن البلاد بحالة «معركة تحرير وطني» ليبدأ بعدها حملة ضد ما وصفه أنه تآمر على أمن الدولة، ليُعتقل عشرات السياسيين والمسؤولين في البلاد، وتنشأ ردود أفعال عدة إثر ذلك.
تصاعدت في الآونة الأخيرة الأزمة السياسية في تونس مع بروز دعوات لتنحية الرئيس التونسي من مختلف الأطراف السياسية المعارضة داخل البلاد، وذلك توازياً مع الانتخابات التشريعية التي تميزت بإقبال ضعيف جداً، وتدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
ورغم الخلافات التي جرت وبرزت بين الاتحاد العام التونسي للشغل والرئيس قيس اسعيّد، حول كيفية التعاطي مع الأزمة التونسية، خاصة بعد الاجتماع الأمني الحكومي السابق وما صدر عنه، أكد الاتحاد عبر بيان له: التمسك بالحوار كسبيل وحيد للخروج من الأزمة، وهو الطريق الذي كان يدفع به اتحاد الشغل مع مختلف الأطراف السياسية التونسية حكومةً ومعارضة.
إلا أن ردّ الحكومة تجاه جميع التطورات كان فتح قضية «مؤامرات على أمن الدولة»، ليجري اعتقال أكثر من 20 سياسياً وقيادياً ومسؤولاً في البلاد، ينتمون لجهات متعددة، منها حركة النهضة، مما أدى إلى ردود فعل سياسية عديدة تدين الحكومة التونسية.
صندوق النقد والولايات المتحدة
بالتوازي مع هذه التطورات الأمنية، أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا: أن السلطات التونسية أحزرت تقدماً جيداً، وأن «الدعم المالي للبلاد في الطريق [...] في الأسابيع القليلة المقبلة، وليس بعد أشهر، أتوقع أن نرى استكمالاً للإجراءات المتبقية، بحيث نطرح البرنامج على مجلس الإدارة»، وعقد لاحقاً لقاء بينها وبين رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن رمضان، حول مدى تقدم البرنامج الوطني للإصلاحات. لكن وبنفس الوقت، خرج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس بتصريح يتعلق بحملة الاعتقالات السابقة، قائلاً: «نشعر بقلق عميق إزاء التقارير عن توقيف عدة شخصيات سياسية ورجال أعمال وصحفيين»، مما يثير الشبهات تجاه النشاط الأمريكي في تونس، سواء الأخير المباشر بما يطمئن المعارضة المرتبطة بها، أو من خلف صندوق النقد الدولي مما يطمئن الحكومة، وتكون محصلة الأمرين دفع طرفي الصراع في تونس لتصعيد أكبر.
استهداف اتحاد الشغل؟
مع هذه التطورات خرج اتحاد الشغل التونسي بتظاهرة تضمنت عشرات الآلاف من أعضائه وأعضاء مختلف النقابات يوم السبت، في محافظة صفاقس وعدة مدن أخرى، تنديداً بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتعامل مع صندوق النقد الدولي بشعارات «تونس ليست للبيع» و«لا لغلاء الأسعار وضرب المقدرة الشرائية»، ونادى المتظاهرون بإطلاق سراح النقابي أنس الكعيبي الذي اعتقل مطلع الشهر الجاري، وخلال التظاهرة قال أحد القياديين من الاتحاد عثمان الجلولي: إن «الحكومة فشلت في وضع البلاد على سكة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ونجحت فقط في استهداف الاتحاد».
ويبدو أن استهداف الاتحاد الذي يجري الحديث عنه لا يتعلق بالحكومة التونسية وحدها، بل حتى من أطراف خارجية، حيث شاركت الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات- ايستر لانش- في التظاهرة السابقة، خلال تواجدها في تونس، وقالت في كلمة لها: «أتيت هنا لإيصال صوت تضامن 45 مليون نقابي ونقابية من أوروبا» واعتبرت أن «الحكومات الناجحة، هي الحكومات التي جلست إلى طاولة التفاوض والحوار مع النقابات».
بصرف النظر عن صدق نوايا لانش من عدمها، إلا أن هذه المشاركة والكلمة تعتبر تدخلاً بشؤون البلاد، وهو ما أعطى الذريعة للحكومة التونسية بالهجوم عليها، وعلى اتحاد الشغل، حيث أصدر الرئيس قيس اسعيّد بلاغاً يقضي بمغادرة استر لانش خلال 24 ساعة، واعتبارها شخصاً غير مرغوب فيه، وجاء في البلاغ أن علاقات اتحاد الشغل الخارجية «أمر يعنيه وحده، ولا مجال للسماح لأية جهة كانت من الخارج للاعتداء على سيادة الدولة وسيادة شعبها»، فيبدو أن مسار الحوار السياسي الذي يدفع نحوه اتحاد الشغل التونسي لا يرضي الأطراف التي تهدف مباشرة- أو لا مانع لديها- على الأقل بتوتير وتفجير الأوضاع داخل تونس.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1110