متى تنتهي المعركة في أوكرانيا؟

متى تنتهي المعركة في أوكرانيا؟

مر عامٌ على انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا يوم 24 شباط 2022، ومنذ ذلك التاريخ، يشهد العالم توترات متصاعدة وسط فشل في مساعي المفاوضات والحل، ويبق السؤال حاضراً: متى تنتهي المعركة؟

اشترطت روسيا على الغربيين قبل وبعد بدء العملية العسكرية لها ضمان حياد أوكرانيا، وتحديداً فيما يتعلق بانضمامها إلى حلف الناتو، بالإضافة إلى نزع الأسلحة متوسطة وطويلة المدى التي تصل إلى الأراضي الروسية، دفاعاً عن مصالحها وأمنها القومي، وقد أوضحت موسكو ذلك بالمقترحات الأمنية التي قدمتها إلى كلاً من حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية.

كان رد الغربيين على المقترحات الأمنية مزيداً من التسليح والتمويل والتصعيد في أوكرانيا، عبر توريد أسلحة ومنظومات دفاع أكثر تطوراً وأبعد مدى، كما تشترط الولايات المتحدة عبر أوكرانيا انسحاب الجيش الروسي من الأراضي التي سيطر عليها، دون الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الأمنية الماثلة أمام روسيا، لتنتقل المعركة إثر ذلك إلى مستوى جديد أعلى من الصدام المسلح بين روسيا والنظام الأوكراني، الذي تقف خلفه الدول الغربية مجتمعةً.

أكد الجانب الروسي مراراً، بتصريحات من وزارتي الدفاع والخارجية سابقاً، ومؤخراً من الرئاسة: إن توريد أسلحة ذات مدى أكبر إلى أوكرانيا سيستدعي بالضرورة دفع الجيش الروسي للتقدم والسيطرة على مساحات أوسع من الأراضي الأوكرانية، لضمان عدم وصول مدى الأسلحة الجديدة إلى الأراضي الروسية، والتي بات إقليم دونباس واحداً منها عملياً، بالإضافة إلى القرم. حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطاب له أمام الجمعية الفيدرالية: «كلما زاد مدى الأسلحة التي يزود بها الغرب أوكرانيا، كلما سنقوم بدفع العدو بعيداً عن أراضيناً».

تدل هذه التطورات وما سبقها سياسياً وعسكرياً، بالتوازي مع غياب و/أو إفشال أية خطى تهدف لحل الأزمة سياسياً ودبلوماسياً، إلى أن المعركة لا تزال بعيدة جداً عن نهايتها، ولا يزال السؤال حاضراً بقسمه الثاني لدى الجميع: كيف ستنتهي الحرب في أوكرانيا إذاً؟

جزء من كل

في محاولة للإجابة عن السؤال، لا بد من التأكيد والتذكير بأن ما يجري في أوكرانيا لا يتعلق بحدودها الجغرافية فحسب، فالمواجهة الروسية الأوكرانية الجارية هي عملياً جزء من مواجهة شاملة تجري مع الغرب مجتمعاً، وبكافة الجوانب، ويمكن اختصارها وتكثيفها، بأن الدول الصاعدة الجديدة وعلى رأسها روسيا والصين تمضي باتجاه تغيير موازين القوى الدولية، ونسف الأحادية الأمريكية بكل ما يتخللها من تحالفات وسياسات تقوم على التبعية والهيمنة والنهب، وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تدمير هذه الدول الصاعدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى لإدامة سيطرتها وهيمنتها عالمياً.

ضمن هذا الخط من الصراع شرقاً وغرباً، نشأت وفتحت عدة نزاعات وأزمات، سواء تلك التي جرت وما تزال فاعلة في منطقتنا، أو ما جرى في هونغ كونغ وميانمار، ويجري الآن في تايوان، أو بضرب العلاقات الروسية-الأوروبية فيما يتعلق بالطاقة، ثم العقوبات، والصراع الجاري حول المنظمات الدولية، وأهمها: الأمم المتحدة، بإعادة هيكلتها، ومحاربة الهيمنة الأمريكية عليها، وضم دول جديدة إلى مجلس الأمن، واقتصادياً بمحاربة البترودولار والدولار عموماً، عبر الدفع نحو التجارة والتداول بالعملات الوطنية، أو بالأحاديث المتعلقة باعتماد عملات جديدة مشتركة بين عدة دول لا وجود للغربيين فيها، والكثير غيرها من الملفات والجوانب التي لا تقل أهمية عن الصراع في أوكرانيا، بل إن وزن بعضها يعد أكبر وأهم.

وعليه، فإن مد أوكرانيا بأسلحة جديدة أكثر تطوراً وأبعد مدى من جانب الغربيين يشكل بجزء منه- أساساً- رداً على تطورات المواجهة بملفات أخرى، لا تستطيع الولايات المتحدة فعل شيء حيالها سوى المزيد من التوتير والحرب.

معركة طويلة

إن الطروحات المتعلقة بالنصر العسكري سواء لصالح روسيا أو لصالح أوكرانيا ومن خلفها واشنطن، والتي تختلف الموازين بها والآراء حولها إعلامياً بشكل شبه يومي، مع كل تقدم أو تراجع لأيّ من الطرفين، تبدو مخطئة وغير علمية، والحقيقة، أن الواقع بالجانب العسكري هو ما يجري حتى الآن من عدم قدرة أي من الطرفين على الحسم عسكرياً، ولأسباب ليست عسكرية بالمطلق.. كما أن هكذا طرح أساساً، النصر أو الحسم بالجانب العسكري وحده، لا يمكن أن يوجد بمثل هكذا صراع بين قوى عظمى، دون استخدام الأسلحة النووية في العصر الراهن، الأمر الذي يشكل بدوره ردعاً عسكرياً لمختلف الأطراف حتى الآن.

وبذلك، فمن غير الممكن مناقشة الملف الأوكراني بالجانب العسكري وحده وضمن الحدود الجغرافية له فقط، دون ربطه مع بقية الملفات المشتعلة دولياً بمختلف الصعد، ومن ناحية أخرى ينبغي تذكّر أن المعركة الأوكرانية نشأت نتيجةً لصراع وأزمة أوسع منها على المستوى الدولي، لا العكس، وانتهاؤها مرتبط بتطورات هذا الصراع نفسه.

بناء على ما سبق، تدل كافة المؤشرات أنها حرب طويلة الأمد، ولا يمكن رصد نهاية لها على المدى المنظور، وما يمكن قوله هو: إن نهايتها ترتبط إما بانتصار المصلحة الغربية عبر تدمير روسيا والصين، أو بانتصار مصلحة الأخيرتين، عبر نسف الهيمنة الغربية والأحادية الأمريكية، وحدوث تغيير كبير على النطاق العالمي... تغيير يطال المنظومة بأكملها.

يستدعي هذا التغيير الدولي تغييرات داخلية لدى مختلف البلدان المتصارعة أولاً بالضرورة، فالمرحلة الأولى من هذا المسار شارفت أن تصل ذروتها، والتي تتمثل بإعاقة وتعطيل المشاريع الغربية ومنع الولايات المتحدة وحلفائها من تنفيذ أجنداتهم دولياً، أي السلوك الإمبريالي، فلا هم قادرون على إدامة الصراعات المسلحة في منطقتنا مثالاً، ولا بإخراج روسيا من أوكرانيا، ولا نشر المزيد من «الديمقراطية»، ولا منع الدول المختلفة من التبادل بعملاتها الوطنية، كما وصلت أداة العقوبات الأمريكية نهايتها، وبدأت تفقد مفاعيلها عملياً، وليس بإمكانهم دخول أو إفشال التحالفات الجديدة، كمثل بريكس أو شانغهاي أو أستانا، والعديد غيرها من الأمثلة، إلا أن كل ذلك لا يزال عرضة للخطر، ويهدد بمزيد من الأزمات الأشد، ما لم تبدأ المرحلة الثانية عبر الانتقال من مجرد الدفاع إلى الهجوم والإجهاز على ما تبقى من هيمنة الغربيين وسياساتهم، وهي تغييرات لا تتعلق بالدول الصاعدة أو بالحكومات وحدها، وإنما كشعوب بالدرجة الأولى، شرقاً وغرباً، بإطار المواجهة مع المنظومة الرأسمالية عالمياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111