صراع روسيا والغرب يشتد… هل من مخارج آمنة؟

صراع روسيا والغرب يشتد… هل من مخارج آمنة؟

يكاد لا ينقطع الحديث عن احتمالات للتفاوض منذ إعلان روسيا عن بَدْء ما أسمته «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا، لكن تكرار هذا الحديث لم يحوله حتى اللحظة إلى واقع! بل إن مجمل التطورات والدلائل إنما تؤكد استمرار وتعاظم التصعيد في كافة الميادين، ما يضع جميع أطراف الصراع أمام خيارات مصيرية.

بعد أنباء عن مساعٍ تركية جديدة لتيسير مفاوضات بين أطراف الصراع في أوكرانيا، أعلن الممثل الرسمي للرئيس التركي إبراهيم قالين في يوم السبت 14 كانون الثاني: «أنه من الواجب التوصل إلى حل ليس فقط بين أوكرانيا وروسيا، وإنما بمشاركة أمريكية وأوروبية» وهو ما بات حقيقة واضحة للجميع. وأضاف المسؤول التركي: إن استمرار هذا الصراع المكلف سيكون «مرهقاً لأوروباً وسوف يطالب المواطنون بوقف الدعم لأوكرانيا». لكن بيت القصيد في تصريحات قالين، هو تأكيده عدم وجود رغبة جادة لدى المجتمع الدولي لتهيئة الظروف لهذه المفاوضات حتى الآن.
الشروط التي حددها ممثل الرئيس التركي لضمان جدوى أية مفاوضات قادمة، تتقاطع بشكلٍ واضح مع ما يردده المسؤولون الروس، إذ أشار إلى أن موسكو يجب أن ترى خطوات جدية من قبل الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، مثل: اقتراح بنية أمنية جديدة من شأنها حماية الغرب وأوروبا وروسيا وأوكرانيا، وتقديم ضمانات واضحة بأن هذه الأخيرة لن تنضم إلى الناتو مقابل ضمانات بعدم تعرّضها للاعتداء. وهو ما يعيدنا إلى نقطة البداية، وخصوصاً أمام رفض الغرب حتى الآن الدخول في مفاوضات على هذا المستوى.

خيارات الأطراف المتصارعة

قد يبدو الطرف الأوروبي أكثر الأطراف تخبطاً في هذا الظرف، وذلك لأن مواقف هذه الدول تبدو الأضعف، ففي الوقت الذي تنقسم الآراء في واشنطن حول الشكل الأمثل لإدارة الصراع، أو حجم التورط الأمريكي فيه، يدرك الجميع هناك أن إشعال حرب بهذا الحجم على حدود روسيا كان هدفاً أمريكياً لفترة طويلة، أما بالنسبة للدول الأوروبية، فقد وجدت نفسها ساحة لهذه المعركة التي بدأت تستنزف مواردها بشكلٍ حقيقي، لكنها ورغم ذلك لم تبد سعياً في اتجاه مختلف- إلا في بعض الحالات الخاصة- إذ قال وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم، الذي تترأس دولته الاتحاد الأوروبي: «بالرغْم من محاولات روسيا المستمرة لتفريقنا، الوحدة داخل الاتحاد الأوروبي وعبر المحيط الأطلسي قوية. الاتحاد الأوروبي مستعد لحرب طويلة، وسيواصل مساندة أوكرانيا بالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والإنساني مهما طال الأمر» فحتى مع الأزمة الاقتصادية والسياسية الداخلية الشديدة التي تعرضت لها الدول الأوروبية في السنة الماضية، إلا أنها وتحت الضغوط الأمريكية تتحضر لإرسال شحنات جديدة من الأسلحة للجيش الأوكراني، وذلك رغم الخلل الذي سينتج في بنية وتسليح جيوش بلدانها. فبالنسبة لواشنطن جرى إعداد جيوش الناتو لهذا الغرض بالتحديد، ولا ترى مشكلة في خسارة آلاف القطع والمعدات الحربية المتطورة، تلك التي أنفقت الدول الأوروبية جزءاً كبيراً من ميزانيتها لشرائها في معركة محسومة النتائج. فبحسب إريك واد مستشار أنجيلا ميركل للشؤون العسكرية، فإن تزويد الجيش الأوكراني بهذه القطع الحربية «لن يغير أي شي من الوضع في ساحات القتال هناك» وهو الرأي الذي كرره العديد من الخبراء العسكريين.

التصعيد يستدعي التصعيد

إذا كانت دول المعسكر الغربي تحضر شحنات جديدة من الأسلحة، مثل: منظومة باتريوت الدفاعية ودبابات، مثل: تشالنجر-2 البريطانية وليوبارد الألمانية وAMX-10 RC الفرنسية وغيرها الكثير من ناقلات الجند المدرعة والمدافع المتطورة، فهذا كله لن يبقى دون رد من قبل روسيا، التي ستجد نفسها مضطرة للاعتماد أكثر فأكثر على الأجيال الحديثة من معداتها القتالية، وتطوير ذلك الجزء من قواتها المسلحة المشارك في هذه المعارك كماً ونوعاً. والأخطر من ذلك، هو أن تصعيداً من هذا النوع سيتجاوز العتاد العسكري، ليشمل دخول أطراف جديدة بشكل مباشر في هذه المعركة، وفي كلا المعسكرين، وكان اجتماع دول مثلث لوبلين (مجموعة إقليمية تضم ليتوانيا وبولندا وأوكرانيا) مؤشراً شديد الْخَطَر في هذا السياق! فعلى الرغم من أن اجتماع الدول الثلاث في مدينة لفيف في شهر كانون الثاني الجاري لم يخرج بأية قرارات أو نتائج صادمة، إلا أنه بدأ يرسم ملامح هذا المثلث ويحضّره للمرحلة التالية. إذ قد لا تكون أوكرانيا وحدها كافية لإدامة الاشتباك المطلوب أمريكياً، ولذلك يمكن أن تُدفع بلدان أخرى للانخراط بشكل مباشر في المعركة.

في روسيا تحديات حقيقية أيضاً!

مع أنّ روسيا لا تزل في موقع أفضل استراتيجياً إلا أن بعض المسائل لا تبدو محسومة بعد، فقد قالت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالنتينا ماتفينكو، في آخر تصريحات لها: إن «هناك حقيقة لا جدال فيها، وهي أنه حتى في ظل الظروف الحالية الاقتصادية والسياسية والأمنية الحالية، والضغوط الإعلامية الشديدة علينا من الغرب، فإن المجتمع الروسي ووحدة البلاد لا تواجه أي تهديد» هذه التصريحات ورغم أنها لا تُعبر بالطبع عن وجهة نظر كامل جهاز الدولة في روسيا الاتحادية، لكنها تُعبّر بالطبع عن مزاج موجود لا يرى حتى اللحظة حجم التهديد، ولا تلك التحولات التي ينبغي الإسراع في إنجازها. فحتى لو كان الغرض من تصريحات ماتفينكو رفع المعنويات، إلا أن الظرف الخطير الذي تعيشه روسيا يفرض توجيه ضربات كبرى لكل أذرع الغرب وتجلياته في الداخل، سواء في شكل النظام الاقتصادي والاجتماعي، وما نتج عنه من خلل هائل في توزيع الثروة، أو الإسراع في تصفية حوامل هذا التيار في جهاز الدولة.

عصر التغيرات الكبرى!

العالم يعيش فترة مخاض ربما تطول، وجميع الأطراف التي وجدت نفسها في قلب الزوبعة تقف أمام أسئلة وجودية صعبة، فبالنسبة لأوروبا ينبغي لها- حسب كلمات رئيسة هنغاريا كاتالين نوفاك- «التفكير في بقائها»، فالهيمنة الأمريكية سوف تقودهم إلى التهلكة لا محالة.
الأزمة الأمريكية تشتد وتتجلى يوماً بعد يوم، وتدفع واضعي السياسات في واشنطن للاعتقاد بأن ضرب كل المنافسين الدوليين وإحراقهم يمكن أن يتحوّل إلى مخرجٍ من أزمتهم، وهو ما يعني أن شكل إدارة روسيا والاتحاد الأوروبي للصراع الحالي سوف يكون محدداً في بقائهم موحدين. انقياد الدول الأوروبية خلف واشنطن وبعيداً عن مصالح شعوبهم لن يكون خطراً على الاتحاد الأوروبي فحسب، بل على وحدة واستقرار بلدان الاتحاد نفسه، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا الاتحادية، فعلى الرغم من أن قدراتها العسكرية كبيرة وتملك من الموارد ما يؤهلها لخوض صراع طويل مع الغرب، إلا أن تأمين هذه الموارد وحشد المجتمع في هذه المواجهة يحتاج تغييرات حقيقية داخل روسيا، ما يسمح لها بالخروج موحدة فعلاً بعد هذه المواجهة الطويلة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1105