«انتخابات البرازيل» لم تكن سوى مقدمة لصراع عنيف قادم!

جرت أحداث الشغب هذه بينما كان بولسونارو نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الأمر بالنسبة لوزير العدل في عهده أندرسون توريز، المتورط بفضيحة الورقة الانقلابية، والذي تم إلقاء القبض عليه في مطار برازيليا عقب عودته.. فما القصة خلف أعمال الشغب، وهل لواشنطن يد في الأمر؟

أعمال الشغب

اقتحم أنصار الرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو كل من مركز الكونغرس البرازيلي والقصر الرئاسي ومقر المحكمة العليا ومبنى المؤتمر الوطني في الثامن من الشهر الجاري، وخلال هذه الساعات أصدر الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا مرسوماً رئاسياً يفرض ما يشبه حالة الطوارئ في البلاد، سمي بـ «مرسوم التدخل الفيدرالي» مما يسمح بإقالة مسؤولي المدن ونشر قوات الأمن الفيدرالية وإنفاذ القانون، وكان أول إجراء اتخذ بعد صدور المرسوم بتعيين السكرتير ونائب رئيس وزارة العدل ريكاردو غارسيا كابيلي كرئيس جديد للأمن العام في العاصمة برازيليا... لتتمكن قوات الأمن بعد ذلك بساعات الليل من استعادة السيطرة على المباني السابقة وإعلان ذلك.
سبقت أعمال الشغب هذه تظاهرات متفرقة لأنصار بولسونارو يرفضون بها نتائج الانتخابات البرازيلية الأخيرة، إلا أن اقتحام المؤسسات الوطنية بهذا الشكل بعد أسبوع من ذهاب بولسونارو إلى الولايات المتحدة الأمريكية وضع العديد من إشارات الاستفهام حول هذه «المصادفة».

وثيقة انقلابية

في الـ 13 من الشهر نشرت صحيفة «فوليا دي ساو باولو» البرازيلية تقريراً ذكرت فيه عثور قوات الشرطة الفيدرالية- خلال مداهمتها منزل وزير العدل في حكومة بولسونارو، إثر الاشتباه بتورطه بالهجوم السابق- على وثيقة من 3 صفحات، تشكل مسودة بيان تتضمن تدابير طارئة لإلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة، ومن الوارد فيها إمكانية سيطرة الحكومة الفيدرالية على المحكمة العليا الانتخابية، وإنشاء «لجنة لتنظيم الانتخابات» تحل محل المحكمة العليا بأغلبية أعضاء من وزارة الدفاع، الأمر الذي اعتبره العديد من القانونيين في البرازيل أنها إجراءات مخالفة للدستور، ووفقاً للصحيفة، فإن هذه الوثيقة تعد دليلاً على أن تيار بولسونارو كان يعد للانقلاب في حال هزيمته بالانتخابات... وقد تم اعتقال توريس في 14 من الشهر بمطار برازيليا بعد عودته من الولايات المتحدة.

الجميع يُدين

أدان المجتمع الدولي أعمال الشغب التي جرت في برازيليا، وأكد دعمه للرئيس لولا دا سيلفا، من دول أمريكا اللاتينية مجتمعةً إلى روسيا مروراً بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وحتى جاير بولسونارو نفسه الذي نأى بنفسه عن أعمال الشغب، مؤكداً أنه ملتزم بدستور البلاد، إلا أنه لا يزال في الولايات المتحدة بسبب أزمة صحية معوية ويرقد بالمشفى حالياً.
كان من اللافت من بين الإدانات الدولية، وصف العديد منها لما جرى بالمحاولة الانقلابية أو بالهجوم الفاشي، علماً أن أول من وصف منفذي عملية الاقتحام بالفاشيين كان دا سيلفا نفسه، حيث وصف الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز أعمال الشغب بـ «محاولة انقلاب»، ووصف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو ما جرى بـ «الهجوم الفاشي»، ووصفهم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالـ «فاشيين الجدد».
وقال نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشيف: إن الاضطرابات التي جرت في البرازيل محاولة انقلابية فاشلة، وصرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن روسيا تدين بشدة هذه التصرفات، مشيرة إلى أهمية الحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد، بينما أكد المتحدث باسم الكرملين بتصريح صحفي دعم الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بالكامل.
في المقابل، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن هجوم أنصار بولسونارو بالـ «شائن» وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان: إن الولايات المتحدة تدين «أية محاولة لتقويض الديمقراطية في البرازيل» دون تحديدها، ونشر مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بياناً يدين أعمال العنف التي وقعت في البرازيل.

محاولة انقلاب؟

إن ما جرى بالمعنى التقني من اقتحام لمباني الكونغرس والقصر الرئاسي دوناً عن غيرهما، يمكن وصفه بأنه محاولة انقلاب بكل تأكيد، وربط ذلك مع الوثيقة التي عٌثر عليها في منزل وزير العدل أندرسون توريز يؤكد رفض تيار بولسونارو للهزيمة الانتخابية، واستعداده لمثل هذه الخيارات، لكن بالمعنى الفعلي لا يُخيل لأحد أو يتوهم، ولا حتى بالنسبة لتيار بولسونارو، أن مثل هذه المجريات كانت لتنفذ انقلاباً حقيقياً وجاداً وناجحاً، ويعزا ذلك بالدرجة الأولى وقبل أي شيء إلى ضعف واشنطن نفسها، وفشلها المتتالي مؤخراً بتنفيذ مثل هذه السيناريوهات في أية دولة كانت، سواء في أمريكا اللاتينية أو غيرها. ليقف الأمر عند حدود الضغط والتهديد لحكومة لولا دا سيلفا وتياره، ودق إسفين توتر سياسي طويل الأمد في البلاد لإعاقته وعرقلته من تنفيذ مشروعه السياسي قدر الإمكان.

يدٌ خفية!

لا مجال للشك أنه وعلى الرغم من وجود انقسام سياسي حاد داخل البرازيل نفسها، إلا أن يداً أمريكية خفية تلعب دوراً في تأجيج هذا الانقسام وتقديم دعمٍ لأحد أطرافه، إن لم تكن المخطط لما يجري، وربما فشل هذه المحاولة قد فرض إدانتها حتى من قبل المتورطين فيها، كونها محاولة غير دستورية لقلب نتائج الانتخابات. فبالنسبة لواشنطن، يمكن أن يشكّل وصول تيار لولا إلى الحكم مشكلة جديدة تضاف إلى قائمة مشكلاتها الطويلة، فهذا التيار حتى وإن لم يكن يساراً جذرياً إلا أنه بدأ بإجراء خطوات مهمة، مثل: إلغاء خصخصة 8 شركات مملوكة للدولة، من بينها شركتي النفط والغاز بتروبراس، وكوريوس بوست، ما يعني تقليل منافذ الغرب وواشنطن للتحكم بالقرار السياسي، واقتصاد بلد مهم في أمريكيا اللاتينية مثل البرازيل، التي تلعب دوراً حقيقياً في التوازنات الجديدة، خاصة كونها عضواً أساسياً في مجموعة بريكس. التغيير الحالي في البرازيل يمكن أن يشكّل دافعة جديدة في أمريكا اللاتينية، وقد بدأنا نلحظ ملامح أوّلية له، مثل: اقتراح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على الجمعية الوطنية الفنزويلية عقب اتصال مع الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا والرئيسين الكولومبي والأرجنتيني تشكيل محور سياسي، يجمع حلفاء روسيا والصين في أمريكا اللاتينية.

فشل هذه المحاولة المقصود منها في حدودها الدنيا تأجيج الأوضاع داخلياً لا يعني أبداً عدم تكرارها، أو حتى إيجاد طرق جديدة لقلب النظام مجدداً! الأمر الواضح الآن هو أن الفترة المقبلة في البرازيل ستكون صعبة ومتوترة سياسياً، وإن كانت المعركة الانتخابية شاقة، فستكون مرحلة تثبيت نتائجها أشد صعوبة، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود أطراف خارجية جاهزة لتقديم العون، لتقويض أساسات الحكم بعد وصول تيار لولا.