الملف الفلسطيني في 2022: تمهيدٌ لعواصف قادمة
شهد الملف الفلسطيني تطورات كبرى خلال عام 2022، سواء على مستوى المقاومة الشعبية والمسلحة التي تميزت بـ «تحولات نوعية» فضلاً عن كمّها، والتي كانت لأشهر متتالية شبه يومية، والتصدي للمحاولات الصهيونية في شق الصفوف، أو حتى تطورات أزمة الحكم الصهيونية، وبالتوازي مع ذلك، يمكن القول بأن تطورات العام الماضي قد هزّت أسس سلطة أوسلو/ التنسيق الأمني سياسياً وشعبياً تماماً، ودخلت مرحلة لن تنتهي إلا بنهاية هذه السلطة.
عمليات المقاومة والتحركات الشعبية
استقبل الكيان الصهيوني عام 2022 بعملية حومش في الضفة الغربية عشية ليلة رأس السنة، وتحديداً قبل أسبوعين منها، حيث قام شابان فلسطينيان بإطلاق الرصاص على سيارة تقل مجموعة من المستوطنين المنتمين لجماعة دينية متطرفة، على الطريق بين نابلس وجنين، مما أدى إلى مقتل أحد المستوطنين، وفرضت على قوات الاحتلال الاستنفار ونشر 3 كتائب مشاة، وعدد من الوحدات الخاصة، للتعامل مع الظرف الأمني، وتوالت بعدها عمليات عديدة بشكل متواتر، ففي 23 من الشهر الأول أطلق مقاومون النار تجاه مستوطنة في جبل صبيح، وفي 27 منه أطلقوا النار تجاه مستوطنة جلبون شرقي جنين، ثم بدأ شهر شباط مع إطلاق المقاومين النار تجاه قوة من جيش الاحتلال اقتحمت طوباس جنوب شرقي جنين، وأحرقوا آلية تابعه له.
كما شهد شباط نفسه- في 8 و9 و11 و23 منه- عمليات إطلاق نار نفذتها المقاومة الفلسطينية على جيش الاحتلال والمستوطنات في عدة مناطق من جنين ورام الله.
وشهد شهر آذار عملية النقب في الـ 22 منه، حيث نفذ الشهيد محمد غالب أبو القيعان عملية طعن بطولية في بئر السبع أدت إلى مقتل 4 مستوطنين وإصابة آخرين، ثم جاءت عملية الخضيرة في الـ 27 والتي نفذها إبراهيم وأيمن اغبارية، اللذان فتحا النار على قوات الاحتلال في مدينة الخضيرة قتل خلالها 2 وأصيب 12 آخرين، واختتم الشهر بعملية بني براك- تل أبيب في الـ 29 منه، حيث قام الأسير المحرر ضياء حمارشة بإطلاق النار على مستوطنين قتل على إثرها 5 منهم.
وشهد شهر نيسان ثلاث عمليات نوعية، الأولى: عملية رعد في تل أبيب، نسبة إلى منفذها رعد حازم، حيث أطلق النار على قوات الاحتلال قتل خلالها 2 وأصيب 9 آخرون، وفي 28 أجريت عمليتا إطلاق نار، واحدة في مستوطنة قرب طولكرم، والثانية على حاجز للاحتلال قرب مستوطنة آرئيل في الضفة الغربية، قتل خلالها عنصر حرس المستوطنة، وانسحب المنفذون بسلام من العمليتين.
وبدأ أيار بعملية إلعاد في تل أبيب في الـ 5 منه، نفذها فلسطينيان أسفرت عن مقتل 3 مستوطنين وإصابة 6 آخرين، وانسحبا بسلام أيضاً، كما شهد هذا الشهر اغتيال الشهيدة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة خلال تغطيتها مجريات اقتحام قوات العدو الصهيوني لمخيم جنين.
تتالت عمليات المقاومة ضمن الوتيرة نفسها خلال الأشهر اللاحقة، وصولاً لنهاية العام، نذكر منها عمليتي التميمي في القدس المحتل، وعملية كريات أربع، وبروز مجموعة المقاومة الجديدة «عرين الأسود».
ووفقاً لإحصائيات من مصادر متنوعة فقد شهد عام 2022 أكثر من 10 آلاف عمل فلسطيني مقاوم في مناطق مختلفة، منها قرابة 700 عملية إطلاق نار و40 عملية طعن، أو محاولة طعن.
وتميزت عمليات المقاومة هذا العام بتحولات نوعية، ويقصد بها كيفية تنفيذ العملية ومكانها وزمانها، حيث كللت أغلبية العمليات بالنجاح، سواء بالتنفيذ أو بما تلاه من انسحاب أو استشهاد دون أسر، وأماكن استهداف في عمق سيطرة الاحتلال، وتحت غطائه الأمني وصولاً إلى تل أبيب.
وعلى المستوى الشعبي شهد العام عدة تظاهرات واعتصامات وإضرابات، نذكر منها مثالاً: إضراب الخليل التجاري الشامل في 20 آذار، والتي كانت تضغط على حكومة أوسلو بالدرجة الأولى، كما قام الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال بعدة تحركات منسقة، شملت إغلاق كافة الأقسام في شهر آذار، ولاحقاً بدأوا إضراباً عن الطعام لتحقيق جملة من المطالب.
سلطة أوسلو تهتز
تميز العام الماضي بمواجهات جدية ما بين الشعب الفلسطيني وقوات حكومة التنسيق الأمني، لدرجة أن مظاهر وأشكال المواجهات المصوّرة لا تختلف كثيراً عن العدو نفسه، كما طالب فلسطينيون،- بدرجة أوسع وأكبر- بإنهاء اتفاق التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، وهو الأساس الذي تقوم عليه الحكومة الفلسطينية المأزومة، وازداد السخط الفلسطيني عليها إثر تعاونها وخنوعها بشكل تام لقوات العدو، سواء بمطاردة واعتقال المقاومين الفلسطينيين، أو بتسهيل دخول قوات جيش العدو إلى المخيمات، وتفيد جميع المؤشرات على أن سلطة أوسلو قاب قوسين أو أدنى من الانهيار جدياً.
وحدة الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام
ما تزال حالة الانقسام ما بين مختلف الفصائل الفلسطينية تسود المشهد عموماً، إلا أن العام الماضي شهد عدة خطوات جدّية في إطار حل المشكلة، تضمنت عدة اجتماعات مشتركة للفصائل في روسيا أو مصر، إلا أن الأهم من الاجتماعات نفسها، هي عمليات المقاومة الشعبية والضغط الشعبي الموحد والمتناسق ما بين مختلف المناطق، في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي الداخل، أو ما يعرف بأراضي 48، مما يفرض على الفصائل إيجاد حلولٍ لحالة الانقسام، أو أن الفلسطينيين سيتجاوزونهم بفعل الضرورة، وتبرز مجموعات مقاومة جديدة كان منها عرين الأسود على سبيل المثال.
يتلمس الكيان الصهيوني جدية وخطورة هذا الأمر، وعليه حاول مراراً العمل على فوالق الانقسام وتأجيجها دون جدوى، منها ادعاؤه مراراً باستهداف فصيلٍ دون آخر خلال عملياته الحربية في القطاع، وتحديداً ما بين «الجهاد الإسلامي» و«حماس»، وهو ما يُعد مؤشراً آخر على جدية عمل الفصائل ومحاولتها حل الخلافات.
أزمة حكم صهيونية
بمقابل الصعود الشعبي الفلسطيني وتطور عمله المقاوم، والمؤشرات السياسية الجيدة، فيما يتعلق بوحدة الفصائل وإنهاء التنسيق الأمني، عانى كيان العدو من أزمة حكم غير مسبوقة في تاريخه، حيث فشل لخمس مرات متتالية في تشكيل الحكومة على مدى عام ونصف، قبل أن يتمخض عن حكومة أخيرة برئاسة نتنياهو تتميز بالهشاشة كسابقتها، وبالعمق منه، تعزى الأزمة السياسية إلى انسداد الأفق أمام الكيان الصهيوني وراعيه الأمريكي تحديداً، وتخبّط قواه السياسية حول كيفية التعامل مع التطورات، وسط أزمة دولية حادة يتراجع الغربيون فيها باضطراد، لتتزايد الأصوات «الإسرائيلية» الاستخباراتية المحذرة من إمكانيات استمرار «وجود» الكيان الصهيوني نفسه مستقبلاً.
وجاءت هذه التطورات بعد سلسلة اتفاقات أبراهام، التي لم تنجِ الكيان من أي شيء محلياً أو دولياً، ولم تعط أطرافها «المُطبعة» أية امتيازات أو فوائد عملية وُعدوا بها، كالإمارات والمغرب والبحرين والسودان، ليخفت الضجيج حولها وتتوقف الموجة دون أدنى قيمة حقيقية لها.
كان عام 2022 فلسطينياً بامتياز، وعلى كافة الصعد، بمقابل كيان الاحتلال وأزماته العديدة، وهو بذلك إن دل على شيء فيدل على أن العام الجديد سيقوم على مواجهات وتطورات أوسع وأكبر، ميدانياً وسياسياً، محلياً ودولياً، لصالح الفلسطينيين، وجميع عمليات المقاومة التي شهدت تحولات نوعية خلال العام الماضي بأشكالها المنفردة والمتفرقة، لن يتوقف تطورها بطبيعة الحال، ولن يكون مستغرباً ظهور تطورات نوعية جديدة مستقبلاً، قد تتعلق أولاً باستمرار العمليات بوصفها منفردة ومتفرقة، أو منسقة وبآنٍ واحد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1103