الكيان الصهيوني يغرق بكل تأكيد ولا مجال لإنقاذه!
تفشل كل المحاولات الصهيونية في فرض سيطرة الكيان على الأراضي المحتلة، فعلى الرغم من كل الاحتياطات التي يجري تنفيذها، وبعد تفكير معمق من قبل مراكز اتخاذ القرار في الكيان، إلا أن النتائج تؤكد استحالة نجاح محاولات الاحتواء هذه، وتنبئ بأن تأثير ما يجري في الأراضي المحتلة أوسع بكثير من حدودها.
التخبط الصهيوني لا يزال سيد المشهد، فالانقسام السياسي يشتد، مما يجعل القدرة على اتخاذ القرار أصعب، وإلى جانب الظروف الدولية الجديدة غير المواتية للكيان، تزيد حالة النهوض الشعبي الفلسطيني المستمرة من الضغط بشكلٍ ملحوظ، وهو ما يُحوّل الأرض التي تخطو عليها «إسرائيل» إلى أرض مليئة بالألغام.
«المركب الغارق» يعود للأذهان
الظروف الحاسمة التي يعيشها الكيان في هذه الأيام، أعادت إلى الأذهان الصرخة التي أطلقها الكاتب الصهيوني آري شبيت منذ سنوات، والذي قالها في مقالٍ نشر في جريدة هآرتس: إن هناك احتمالاً بأن تغرق «إسرائيل» وأضاف وقتها الكاتب المعروف: إن السيناريو الأفضل بالنسبة للمستوطنين في هذه الحالة هو مراقبة مشهد الغرق هذا من بعيد، وخصوصاً أن معظمهم يمتلك بالفعل جنسية أخرى، ويرتبط حتى ثقافياً بمكانٍ آخر، ورأى الصحفي، أن هذا الاحتمال بات موضوعاً على الطاولة، وخصوصاً بعد ما فقد الكثيرون الإحساس بجدوى العيش في هذا الكيان المأزوم، وفقدوا الأمل في محاولات «إصلاحه».
في سياق شبيه، ومنذ أيام قليلة، كتب جدعون ليفي مقالاً في زاويته في «هآرتس» أثار الكثير من الجدل في الأوساط الصهيونية، فليفي الذي عنون مقاله «كل الإسرائيليين متورطين في الاحتلال» ذهب إلى الحد الأقصى في انتقاد الخطوة الاستفزازية التي قام بها المستوطنون الصهاينة في قرية برقة في محافظة نابلس في الضفة الغربية. حيث تجمع الآلاف من المستوطنين في سياق المحاولات المستمرة لإحياء مستوطنة «حومش» التي جرى إخلاؤها منذ العام 2005. بعد أن تمت حماية هذه التجمعات من قبل جيش الاحتلال، الذي دخل في مواجهات مع الفلسطينيين الذين حاولوا منع المستوطنين من الدخول إلى المنطقة. قال الكاتب جدعون ليفي في مقاله: إن «الإسرائيليين» جميعهم شاركوا في هذه الخطوات الاستفزازية دون استثناء، واستنكر أنه وعلى الرغم من أن الكثير منهم يرى أن هذه هي مجرد أفعال يقوم بها بعض المتطرفين، إلا أن ليفي يرى أن كلّ «الإسرائيليين» كانوا حاضرين بشكلٍ من الأشكال في هذه المسيرات. وأضاف ليفي: إن أسماء الجميع كانت على الأعلام التي رفعت في الحرم القدسي وفي «حومش».
ما الذي يريده ليفي وغيره؟
من يقرأ مقالات الصحفيين الصهاينة- والتي باتت أكثر كثافة في الآونة الأخيرة- يدرك على الفور المغزى الذي يحاول هؤلاء الوصول إليه، فيعبر الكُتّاب عن رأي ذلك التيار داخل الكيان، والذي يرى في استفزاز الفلسطينيين مسألة خطرة لما يشكله الغضب الفلسطيني من تهديد على «أمن إسرائيل» ويذهب هؤلاء إلى ضرورة إعادة بعض الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني أملاً في تخفيف شدة المقاومة، لكن هؤلاء الكُتّاب- والآراء السياسية التي يعبرون عنها- يغفلون حقيقة بسيطة، وهي أن هامش المناورة بات ضيقاً. فليفي في مقاله وفي محاولة لتوجيه الرأي العام الصهيوني يقول: «كل الإسرائيليين مستوطنين» والجميع يتحمل المسؤولية، حتى لو كان يشرب القهوة في شقته في تل أبيب، ولم تطأ قدمه «حومش»، وهذا هو الحال بالفعل، فالفلسطينيون يرون القاسم المشترك الأساسي بين المستوطنين المتطرفين وأولئك الذين «يحتسون حليب الصويا» في شرفات تل أبيب، وهو أنهم مستوطنون، وبالتالي، لن يكون هناك فرق بالنسبة للفلسطينيين الذين اختاروا المقاومة الشاملة لاستعادة أرضهم وحقوقهم.
المقالات التي تعج بها الصحف الصهيونية مؤخراً لكتاب أمثال جدعون ليفي وآري شبيت، وإذا ما جرى وضعها في سياق مختلف عن السياق «الإصلاحي» الذي يبتغيه كتابها، ستكشف بوضوح حجم المأزق الذي يعيشه الكيان الصهيوني، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو: مستوطنة «حومش» التي بنيت على أراضي قرية برقة، فالكيان الصهيوني حاول- في الـ 2005 عبر ما عرف بـ «خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية» وعبر إعادة بعض الحقوق المسلوبة- أن يثبت أقدام الكيان، لكن هذه الخطة لم تنجح في «تأمين إسرائيل» وذلك لسبب بسيط! وهو أن الشعب الفلسطيني لا يسعى للحصول على جزء من حقوقه، بل يسعى لاستعادتها كاملة، ولذلك فإن ما تُروج له بعض «قوى اليسار الإسرائيلية» هي خطط قد جرى تجربتها من قبل، ولكنها لم تعطِ النتائج المرجوة بالنسبة للكيان، وإعادة طرح هذه الأفكار اليوم، يؤكد أن «الحلول الصهيونية» قد جرى استنفادها بالفعل، ولم يعد سياسيو الكيان قادرين على تقديم أي مخرج من المستنقع الذي يغرقون فيه تماماً، كما تنبأ آري شبيت منذ سنين.
كلمة إضافية حول التطبيع
تماماً كما حدث بشكلٍ متزامن مع معركة سيف القدس، والتي اندلعت في العام الماضي، وجد المطبعون- مع الكيان الصهيوني- أنفسهم في مأزق مجدداً. ففي الوقت الذي انخفض صوت الانتقاد الرسمي للتطبيع مع الاحتلال من قبل الأنظمة الرسمية حتى لم يعد يسمع، بات الشارع الفلسطيني قادراً على فرض هذه المسألة على طاولة البحث والمراجعة، ففي خطوة ملحوظة ألغت الإمارات العربية المتحدة مشاركة شركات الطيران الإماراتية في «عيد الاستقلال الإسرائيلي» واستدعت ريم بنت إبراهيم الهاشمي- وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتي- السفير الصهيوني للاحتجاج على الانتهاكات التي تحصل في الأراضي المحتلة. لا شك أن الإمارات لم تتفاجأ في سلوك الاحتلال، فـ «الانتهاكات» هذه هي إحدى السمات الأساسية للكيان الصهيوني، لكن التصعيد الجاري اليوم يضع المطبعين في حرج لا مع ضمائرهم بكل تأكيد! بل أمام شعوبهم التي لا يمكن فصلها عن القضية الفلسطينية. فقرارات التطبيع مع الكيان وعلى الرغم من كل الأموال التي صرفت بهدف تبريرها لا تزال مرفوضة من قبل شعوب المنطقة، وهو ما يُذكّر مجدداً بأن الأنظمة لا تملك القدرة على تغيير هذا الموقف، فهي إما تعبر عنه أو تخالفه فتواجه طوفان الشعب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1067