الكيان يخسر جولات جديدة...

الكيان يخسر جولات جديدة...

تطورات لافتة ومتسارعة تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، تشكّل مجتمعة عامل ضغط إضافي يوضع فوق ظهر الكيان الصهيوني، الذي يعيش أياماً عصيبة إقليمياً ودولياً. فالكيان ورغم التنسيق الأمني المستمر مع السلطة الفلسطينية من جهة، ومع «الأصدقاء المطبعين»، القدامى منهم والجدد، إلا أن النتائج الحالية تعد الأسوأ في تاريخ الكيان المحتل.


شهدت مدينة القدس في يوم الأحد 21 من شهر تشرين الثاني الجاري، عملية فدائية لا تزال تفاعلاتها جارية حتى اللحظة، لتكون ثاني عملية تنفذ في القدس خلال أسبوع واحد على الرغم كل الإجراءات الأمنية المشددة داخل الأراضي المحتلة، وفي القدس تحديداً. وترافقت هذه الأحداث مع اختراقين أمنيين كبيرين لتصبح حالة العار هذه غير قابلة للإخفاء.

دلالات تحركات القدس

نجح فادي أبو شخيدم، بفتح النار على شرطة الاحتلال بالقرب من باب السلسلة في محيط المسجد الأقصى، ليخلف عدداً من الإصابات، ويقتل واحداً من شرطة الاحتلال قبل أن يسقط أبو شخيدم شهيداً برصاص الاحتلال أثناء الاشتباك. العملية الفدائية نفذها الشهيد فادي أبو شخيدم مع شخصٍ آخر نجح بالابتعاد قبل إلقاء القبض عليه. العملية تشكّل نقطة فاصلة في عمل المقاومة الشعبية، إذ أن مجمل العمليات التي كانت تتم مؤخراً لم تستخدم الأسلحة النارية، وتحديداً في مواقع حساسة خاضعة لتشديد الأمني كمحيط المسجد الأقصى، لكن الفدائي أبو شخيدم نجح بعد أن تنكر بزي أحد المتدينين اليهود بحمل رشاش من نوع كارلو، وفتح النار باتجاه رجال الشرطة والمستوطنين الصهاينة، وحاول شاب الآخر طعن الجنود المصابين قبل أن يتوارى عن الأنظار في المدينة القديمة، مما دفع قوات الاحتلال للقيام بعمليات تمشيط واسعة بحثاً عنه. وتمت بشكلٍ متزامن مداهمة لمخيم شعفاط شرقي القدس، الذي كان يسكنه الشهيد فادي أبو شخيدم، واقتحمت قوات الأمن منزله واعتقلت شقيقه واقتادته إلى مكان مجهول.
هذه العملية كانت الثانية بعد عملية الطعن التي حدثت في القدس مساء يوم الأربعاء 17 من شهر تشرين الثاني الجاري بالقرب من جمعية «عطيرت كوهانيم»، المتخصصة بمصادرة بيوت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح وسلوان، وتهويد القدس المحتلة. وأسفرت العملية عن إصابة مجندة وزميلها. واستشهاد الشاب الفلسطيني منفذ العملية برصاص قوات الاحتلال فوراً.
لا يمكن تفسير العمليات المتزايدة في القدس إلا بوصفها رداً طبيعياً على ممارسات الاحتلال التي لم يعد بالإمكان احتمالها من قبل الفلسطينيين، ويشكّل التطور النوعي في عملية باب السلسلة باستخدام سلاح ناري كابوساً حقيقياً بالنسبة للكيان، فالتحول النوعي المذكور يعبّر عن تصاعد احتمال عودة المقاومة المسلحة إلى بعض الأراضي المحتلة، التي ظن الصهاينة أنها باتت تحت قبضتهم الأمنية.

ماذا عن الاختراقات الأمنية؟

العمليات البطولية التي حدثت في القدس- وما رافقها من احتجاجات في نابلس واستمرت لعدة أيام- ليست وحدها ما جعل حالة التشاؤم تسود في أوساط الصهاينة. فحدوث خرقين أمنيين فاقم الوضع بالنسبة للكيان المأزوم، كان أولهما: خروج أنباء تفيد بإلقاء القبض على عامل نظافة يعمل في بيت وزير الحرب «الإسرائيلي» بيني غانتس بتهمة التجسس لصالح إيران، عامل النظافة الموقوف مستوطن يهودي من أصحاب السوابق، وعلى الرغم من محاكمته وتورطه بمجموعة من الجرائم السابقة إلا أنه عمل منذ عامين في مكان يعتبر شديد الحساسية، وتشير المعلومات إلى أن المستوطن- الجاسوس أرسل صوراً من داخل منزل غانتس إلى جهات إيرانية. الحادثة لا تزال محاطة بالغموض، وسيجري استثمارها بالضبط ضمن الانقسام السياسي الذي يعتبر غانتس أبرز أطرافه، لكنها كسرت حالة الحصانة الأمنية الوهمية التي يروجها الكيان عن نفسه.
وفي اختراق أمني آخر سُرقت سيارة زوجة رئيس جهاز المخابرات العسكرية «الإسرائيلية» من مرآب العمارة التي يسكنها المسؤول الأمني الرفيع، وتم ذلك على الرغم من الحراسة الأمنية المشددة التي تضمن أمن رئيس المخابرات العسكرية، الحادثة التي حاول الكيان التقليل من شأنها تعتبر هي الأخرى اختراقاً أمنياً مخجلاً حتى لو سلمنا بأن من سرق السيارة هم مجرد لصوص لا يعرفون مالكها، أو سكان هذه العمارة الخاضعة للحراسة.

سفينة الكيان ورياح الواقع

الظروف السيئة التي يعيشها الكيان، والتي يرغب سياسيوه في توصيفها بأنها مجردُ تحديات أمنية عابرة، هي تعبير عن حالة الاستعصاء الداخلية والخارجية التي بات يواجهها، وعلى الرغم من أن عمليات المقاومة لا تعتبر حدثاً طارئاً في تاريخ الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين، ولكنها وإلى جانب الأزمة السياسية الداخلية القائمة والمناخ الدولي والإقليمي تشكّل صورة متناقضة تماماً لما روّج له مهندسو صفقات التطبيع الأخيرة. فالثمار التي استطاع الكيان الفوز بها بعد تطبيع العلاقات مع مصر في سبعينيات القرن الماضي شكّلت ضمن الظرف السائد في تلك الفترة أيام الكيان الذهبية، والتي حاول البعض القول: إن صفقات تطبيع جديدة سيكون من شأنها إعادة إنعاش الكيان المتآكل بما يناقض حركة التاريخ، التي أثبتت أنها أقوى مما يروج له الكيان والدول المطبعة.

النووي الإيراني نموذجاً

شكّل ملف البرنامج النووي الإيراني أبرز خيبات الكيان في الآونة الأخيرة، وباتت صفحات الصحف الصهيونية تسلّم في الحقيقة التي تقول بأن الولايات المتحدة التي بذلت الكثير لدعم الكيان سابقاً مستعدةٌ اليوم لتقديم «تنازلات كبيرة لبرنامج إيران النووي على حساب أمن إسرائيل»، فالصهاينة اليوم يخشون من أن واشنطن عازمة على توقيع أي اتفاق مع إيران، حتى لو لم تتم معالجة كميات اليورانيوم عالي التخصيب التي راكمتها إيران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الخبراء قرأوا تصريحات هيئة الطاقة الذرية الإيرانية التي أعلنت فيها أن إيران باتت تملك «25 كغ من اليورانيوم المخضب بنسبة 60%» هي إعلان غير مباشر عن امتلاك إيران ما يكفي لإنتاج السلاح النووي، والذي يعتبر ورقة ضغط إيرانية كبيرة في المفاوضات القادمة، ستسمح لها بإحراز اتفاق أفضل من اتفاق 2015، وقد بدأت إيران بالفعل تلوح ببعض ما قد تطرحه على طاولة المفاوضات، وجاء ذلك على لسان المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روان، الذي أشار إلى برنامج «إسرائيل النووي» وإلى ضرورة توقيع الكيان على معاهدة الحد من الانتشار النووي، مما يعني عزم إيران مدعومة بروسيا والصين إلغاء الامتياز الصهيوني في المنطقة، وما سينتج عن ذلك من تغيير سريع في شكل خارطة القوى في الإقليم بغير مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1045
آخر تعديل على الإثنين, 22 تشرين2/نوفمبر 2021 17:16