العراق كغيره: حل الأزمات سياسيّ داخلي أولاً

العراق كغيره: حل الأزمات سياسيّ داخلي أولاً

يشارف العراق على دخوله أزمة اقتصادية حادة ستنتج بدورها أزمات سياسية تتراكب فوق الموجودة أساساً.

على الرغم من أن بيانات الواقع الاقتصادي للعراق تشير إلى وجود عجزٍ ماليّ كبير كان قد سبق على إثره تأخرٌ في صرف رواتب العمال والموظفين في العراق، وهبوط قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، وأن مشروع موازنة الحكومة العراقية للعام الجاري تعرض للانتقادات من كل حدب وصوب، حول عدم واقعيتها أو فعاليتها، وما ستنتجه من عجزٍ أعلى، فضلاً عن عدم توافق قوى المحاصصة عليها، وتحديداً فيما بين بغداد وأربيل حول توزيع واردات النفط وأرباحه، لا يجد العراقيون أية إشارة جدّية سواء من الحكومة، أو من القوى السياسية لحلّ أيّ جزء من هذه المشاكل الكبرى، بل وعلى العكس، حيث تدفع الخطوات والقرارات السياسية المتخذة بهذه الأزمة قدماً وتعمّقها أكثر.

إن واقع الحال العراقي، كغيره من دول المنطقة المتأزمة، يوضح جلياً عدم وجود أفقٍ بحلّ أي من مشكلاتها بالتعاون مع الغربيين والأمريكيين ووكلائهم في المنطقة (على افتراض وجود نيّة لدى هؤلاء الأخيرين بصياغة أي حلّ أساساً)، وأنّ الحلّ يكمن فقط بتعزيز التعاون والعلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية مع دول الشرق الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا ضمن سياسات وروح «العالم الجديد»، وهذا الطرح يُعد ضمن الإطار العام والإستراتيجي لأية دولة في واقع اليوم، في ظل الأزمة الرأسمالية العالمية، وأزمة مركزها الأمريكي خاصةً بتراجعه وتراجع الدولار والبترودلار وما تفرزه هذه العملية من كوارث على واشنطن وحلفائها، وكل من سيظل يدور بفلكها.
ضمن هذه الرؤية يمكن فرز أية قوة سياسية أو حكومية باصطفافها وموقعها، وبما تدفع بلادها ونفسها نحوه عبر قراءة خطواتها وقراراتها السياسية كتكتيكٍ يعبّر عن الإستراتيجية التي يمضون بها، وما إذا كانت هذه الخطوات السياسية ستؤدي إلى حلولٍ أم أزمات أكبر.

المصلحة السياسية فوق الاقتصادية

بالظرف العراقي، ليس مستغرباً إطلاقاً سلوك الحكومة الجاري بمحاولات تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الغربيين، وعبر وسطائهم ووكلائهم في الخليج والأردن ومصر، حيث جرى توقيع عددِ من الاتفاقيات أهمها: مسألتا استيراد الطاقة الكهربائية من الخليج، والربط الكهربائي مع الأردن ومصر، والذي جاء بهدف تخفيف استيراد العراق لطاقته الكهربائية من إيران، ويجري الحديث مؤخراً عن إتمام مشروع الربط مع الخليج بحلول عام 2022.
لا بدّ من التأكيد على بدهية أن لأية دولة حقها باختيار كيفية إدارة اقتصادها ومصادر استيراد مستلزماتها من سلع، إلا أنّ ما يحدد هذه العملية/الخطة هي الحاجة الاقتصادية/ المادية للدولة المعنية، ومصلحتها وفق أفضل الشروط المتوافرة بالمعنى الاقتصادي، والهدف في نهاية المطاف هو تحقيق نسب نمو أعلى.

إنّ مشكلة العراق، والدول الشبيهة به في المنطقة، هي محاولات إرضاخ حكوماتها وقواها السياسية للمصالح الاقتصادية تحت المصالح السياسية الخاصة والضيقة، وهو الذي يعني بأن أزمات هذه الدول الاقتصادية تحتاج خطوات وحلولاً سياسية أولاً، فالمشكلة بالعراق- مثالاً- لم تكن بيوم من الأيام استيراده لطاقته الكهربائية من إيران بشكل أساسيّ، بل هي تحديداً «عدم إنتاجه الخاص لها» وعدم وجود أية خطة بهذا الاتجاه، ولن تُحلّ مشكلة الكهرباء عبر اتفاقيات مع موردين آخرين أياً كانوا، وإنما ستؤدي هذه الاتفاقيات، بحال استكمالها نحو خطوات عملية، بجعل الاقتصاد العراقي بجزئية الطاقة الكهربائية منه تحت سيطرة ونفوذ آخرين سياسياً (وهو أحد أهداف هذه العملية، وفق الرؤية الأمريكية، بتقليص النفوذ الإيراني)، وهذه العملية تعود بالنفع على قوى الفساد الداخلي في هذه الدول، التي تغتني عبر هذه العقود «المالية»، حيث إن المقابل لها بتعزيز الإنتاج الحقيقي، المادي، يحدّ من قدرة هؤلاء على النهب... وعلى سبيل المثال لا الحصر: يُطرح سؤالٌ مشروع: لم لا- على افتراض عدم قدرة العراق على إنشاء محطاته الكهربائية- تقوم الصين بذلك عبر اتفاقات توقّع فيما بينها وبين الدولة العراقية لإنشائها كقروض، طالما أن الحكومة العراقية تقترض من البنك الدولي أساساً، وبشروطٍ تعجيزية وفوائد هائلة «بعقلية استعمارية»، لدفع مستحقاتها المالية في عملية استيراد هذه الطاقة نفسها؟ إنها المصلحة السياسية، وفرص النهب.

اصطناع المبررات لاستمرار العلاقات السياسية

لتعزيز واستمرار سير هذه المصالح والعلاقات السياسية فيما بين الحكومة العراقية بقواها السياسية والغربيين، لا بدّ من اصطناع وإيجاد المبررات والمسوغات لذلك، وعلى رأسها الظرف الأمني، حيث تستمر- بعد كل التراجع الأمريكي السابق- محاولاتٍ مستميتة للحفاظ على ما تبقى منه والإطالة بعمره قدر الإمكان، لتنشط مجدداً الأداة الإرهابية «داعش» في العراق عبر قيامها بعمليات إرهابية متنوعة خلال الشهر الماضي، وقيام الجيش العراقي بالتعاون مع قوى التحالف الدولي بدورهم بعمليات عسكرية بمواجهة خلايا التنظيم ضمن معادلة مدروسة لا تُنهي، ولا تقضي على هذه الخلايا فعلياً، وإنما تُحرّكها ويجري استثمار هذه الأحداث عبر نفخ حجمها إعلامياً للإيحاء بوجود «تهديد إرهابي كبير» يتطلب استمرار وجود القوى الأجنبية والأمريكية على الأراضي العراقية «لحمايته»... ونضيف على ذلك الغياب التام عن ذكر القرار البرلماني الصادر في بداية العام الماضي والقاضي بإخراج جميع القوات الأجنبية والأمريكية من العراق، ومحاولة طيّه ومحوه.

المقاومة مستمرة

لكن وعلى أيّة حال فإن هذا الحديث السابق يدور ويعبّر عن «نوايا» و«مشاريع» هذه القوى، وما قد تنتجه لاحقاً، أما الحديث عن «إمكانية» نجاحهم هو أمرٌ آخر يخضع للواقع الموضوعي وتطوره سواء في الداخل العراقي أو على المستوى الدولي لحلفائهم، الأمر الذي نراه أفقاً مغلقاً تماماً أمامهم في نهاية المطاف، لكن وحتى ذلك الحين، أي: إلى أن تصل الأمور نحو نهايتها تماماً بالنسبة لهذه القوى والغربيين، يكون العراق عرضةً لأزمات أشدّ وأعنف مما سبقها، إن لم تجر تغييرات جذرية في البنية السياسية داخلياً، وبشكل لا يحتمل ترف الوقت والانتظار، وهو الأمر الذي يجد تعبيراته عبر تظاهرات الشعب العراقي التي لا تزال مستمرة رغم تقطعها وتباعد موجاتها زمنياً بسبب ما فرضته جائحة الوباء الفيروسي، أو عبر المقاومة الشعبية المستمرة بشكل شبه يومي أيضاً، بغية استمرار رسالتهم وتأكيدهم بإخراج القوات الأجنبية من أراضيهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1006