أمريكا عادت إلى العالم عبر الفيديو!

أمريكا عادت إلى العالم عبر الفيديو!

انطلقت أعمال مؤتمر ميونخ للأمن يوم الجمعة 19 شباط الجاري، وامتدت فعاليات الدورة 57 التي عقدت عبر تقنية الفيديو من المؤتمر ليوم 21 شباط. تعتبر هذه المناسبة الأولى للرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن للتحدث بشكل مباشر مع الدول الأوروبية، لذلك استغل الرئيس هذه المناسبة ليعلن وبشكلٍ واضحٍ هذه المرة عن سياسات بلاده اتجاه الدول الأوروبية.

يستغل الرئيس الأمريكي الفترة الأولى من ولايته في محاولة مستميتة لإثبات توجهات إدارته اتجاه جملة من القضايا، ويؤكد ضمنياً في كلامه على نهجه الذي يختلف عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لذلك حملت كلمته التي ألقاها في المؤتمر جملة من القضايا نورد فيما يلي بعضها:

أمريكا عادت!

ذكّر الرئيس الأمريكي فيما قاله في وقتٍ سابق، عندما شارك لآخر مرة في مؤتمر ميونخ، لا بصفة رسمية إنما كـ «مواطنٍ عاديّ»، حينها قال بايدن: «سنعود»، وأضاف أنه رجلٌ ملتزمٌ في وعوده، معتبراً أن وعده قد تحقق بمجرد وجوده في مؤتمر ميونخ، كما لو أن وعده كان المقصود منه المعنى الحرفي! فيكون في هذه الحال بايدن عاد فعلاً و«وفى بوعده». لكن ما يفهم من هذا «الوعد» هو أن تعود الولايات المتحدة مجدداً لتلعب دورها المعهود في العالم، فهذا أمرٌ يختلف كل الاختلاف عن أن «يعود» رئيسها ليشارك في مؤتمر عبر تقنية الفيديو، فلم يشغل بايدن نفسه في أن يقول للمشاركين: كيف «ستعود» الولايات المتحدة لتلعب هذا الدور؟ فـ «التحالف عبر الأطلسي» الذي قال بايدن أنه عاد أيضاً، كان ولا زال قائماً منذ نشأته، لكن ما يجري أن نفوذ الولايات المتحدة المتراجع بات يجعل من هذا التحالف حبراً على ورق، فالشراكة بين أوروبا والولايات المتحدة التي وصفها الرئيس الأمريكي بأنها «حجر الزاوية، ويجب أن تبقى كذلك» لم تعد قادرة على مقاومة التحديات الماثلة أمامها! وباتت أوروبا تشعر بأن تحالفها مع الولايات المتحدة لن يؤمن المخرج المطلوب. لا شك أن حديث بايدن هذا يختلف في بعض جوانب مضمونه عن حديث سلفه ترامب، لكن المشكلة أن لا مؤشرات لنتائج مختلفة في الأمد المنظور، فبايدن الذي يحاول أن «يمحو أي شكٍ باقٍ» مع الدول الأوروبية لا يملك الكثير ليقدمه.

الناتو والدفاع المشترك!

كان الرئيس السابق دونالد ترامب شديد الوضوح عند حديثه عن الناتو، فوضع شروطاً ليضمن التزام الولايات المتحدة في «هذا التحالف»، يمكن تكثيفها ببساطة في «أن يدفعوا»، أما بايدن فكانت كلماته أكثر لباقة فأكد من جهة التزام بلاده تجاه حلف الناتو، ورحّب «باستثمار أوروبا المتزايد في القدرات العسكرية التي تمكننا من الدفاع المشترك»، من جهة أخرى خالف بايدن تصريحات ترامب التي انتقد فيها المادة الخامسة في اتفاقية الناتو، والتي تنص على ضرورة الدفاع المشترك اتجاه كل الأخطار التي تواجه دول التحالف، وأعلن الرئيس عن تمسكه وإيمانه بهذه المادة تحديداً، معتبراً أنها ضمانة للجميع، «فالهجوم على أحدنا هو هجوم علينا جميعاً» حسب تعبيره لكن الأمثلة التي أوردها بايدن ليثبت فاعلية هذه المادة، هي تلك التي خضعت فيها دول الناتو لإرادة الولايات المتحدة، وتحمّلت معها تكاليف حروبها الخارجية، فذكّرهم بحرب أمريكا في أفغانستان، وقتالهم المشترك لداعش. ترامب كان يطرح الموضوع من جانبٍ مختلفٍ قليلاً، وهذا ما تجنبه بايدن في حديثه كلياً، فترامب التزم في المادة الخامسة تماماً كما فعل بايدن، لكنه قالها صراحة: إن بلاده لن تدافع عن بلدان أوروبا في حروبها الخاصة، إن لم تدفع ما عليها للحلف! ففي تصريحٍ له قال: إنه سيتدخل لحماية من يتعرض للخطر، ولكن فقط بعد أن يتأكد من أن هذه الدول «احترمت واجباتها حيال الولايات المتحدة»، وبايدن في حديثه لم يقل خلاف هذا، بل اكتفى بالإعلان عن تمسكه بالمادة الخامسة و«ترحيبه» بأن تسدد دول التحالف التزاماتها.

الصين وروسيا

جدد بايدن في كلمته موقف بلاده من الصين، ودعا دول الاتحاد الأوروبي للاستعداد لـ «منافسة إستراتيجية طويلة الأمد مع الصين»، وأكد على ضرورة العمل المشترك بين بلاده وأوروبا وآسيا في مواجهة «التجاوزات الاقتصادية والإكراه» التي ادّعى أن بكين تعتمدها في سياستها، مضيفاً: إن الصين بسياستها الحالية «تقوض أسس النظام الاقتصادي العالمي»، مؤكداً أن على الجميع أن «يلتزم في قواعد اللعبة» لكنه لم يحدد تماماً ما هي هذه القواعد! هل هذا يعني أن تفرض الولايات المتحدة على دول الاتحاد الأوروبي التبادل التجاري معها حصراً حتى لو كان مضراً في مصلحة أوروبا؟ وفي هذه النقطة تبدو الخلافات واضحة، فلأوروبا توجهات مختلفة، اتجاه الصين التي أصبحت الشريك التجاري الأكبر لأوروبا ووقع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً استثمارياً تاريخياً مع الصين في أواخر العام الماضي، وما يدعم هذا الرأي هي التصريحات الطريفة لفولفغانغ إيشينغر رئيس مجلس إدارة مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي قال: إن الرئيس بايدن لم يتلق أسئلة بعد كلمته هذه، وأشار أنه رغب لو استطاع أن يسأل الرئيس الأمريكي حول الصين، فحسب إيشينغر تعتبر الصين التحدي الأكبر للشراكة عبر الأطلسي، وأشار إلى أن مصالح أوروبا والولايات المتحدة حولها ليست متطابقة، مضيفاً: إن «لدى الولايات المتحدة التزامات أمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لا يلتزم بها الاتحاد الأوروبي، مما يسمح للاتحاد الأوروبي بالنظر إلى علاقته مع الصين على أنها علاقات تجارية إلى حد كبير». وأكد إيشينغر أن الفشل في التوافق حول رؤية مشتركة للصين سيفتح باباً لمشاكل غير منتهية بين الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى الرغم من أن مزاجاً معادياً لروسيا يسود أوروبا، وهذا ما تسعى إليه واشنطن، إلا أن هذا المزاج السلبي لم يكن كافياً لإيقاف مشروع السيل الشمالي، مما يعطي مؤشرات بأن تصادمات قد تحصل عند صياغة موقفٍ مشترك اتجاه روسيا أيضاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1006