ماذا تقول الكرة البلورية عن مستقبل دول الخليج؟
يُوحي العنوان للبعض، أنّ مضمون المقال يستند على بعض كلمات المشعوذين المكررة والتي يَصدِق بعضها بينما يخيب أغلبها، إلّا أنّ مستقبل دول الخليج لا يحتاج الكثير من الشعوذة والتنبؤات، بل يحتاج إلى قراءة بعض المعطيات التي تفرض على الجميع صياغة أسئلة كبرى حول المستقبل القريب لدول النفط الخليجية، التي تحتاج أنظمتها اليوم لا طرح الأسئلة وحسب، بل وجود برنامجٍ جاهز لتنفيذ خلال أيام، ولكن- إلى الآن - لا مؤشرات لوجود هذا البرنامج، ما يعني دفع فاتورة سياسية كبيرة!
تفرض علينا محاولة قراءة الأيام المقبلة تثبيت بعض الحقائق والمسلمات التي ستكون حجر الأساس في فهم السيناريوهات المطروحة على طاولة البحث، لذلك لابد لنا من سردٍ سريع يمهد لاستنتاجات لاحقة.
حقائق ومسلمات
تُعتبر المملكة العربية السعودية العنصر الأقوى في منطقة الخليج العربي، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وتشير الأرقام أن السعودية شكّلت منفردةً نسبة 46.3% من ناتج الخليج الإجمالي في عام 2017، لتليها الإمارات العربية المتحدة بنسبة 26.3% في المرتبة الثانية، ثم قطر بالمرتبة الثالثة بنسبة 15%. وفي 2019 شكّل تصدير النفط بالنسبة للسعودية 42% من ناتجها الإجمالي بينما يشغل حصة 87% من الموازنة العامة. تعتبر هذه الأرقام الأساس للفهم السائد بأن المملكة السعودية تعتمد بشكل أساسي على النفط، وعلى الرغم من سعة انتشار هذه الحقيقة لا بد لنا من إضافة بعض المعلومات لتوضيح الصورة بشكل أكبر.
بعد أن قامت الولايات المتحدة بإعلان «حرب النفط» منذ 2014 انخفضت أسعار النفط بما يقارب النصف، حيث وصل وسطي سعر البرميل إلى 53$ عام 2014 بمقابل 98$ في عام 2013، ونتائج هذه الحرب واضحة كان على رأسها إلحاق الضرر بالمنتجين الكبار الذين يعتمدون على عائدات تصدير النفط الخام، مثل: دول الخليج وروسيا، وشكلت أسعار النفط المنخفضة في السنوات السبع الماضية مشكلةً حقيقة في المملكة السعودية، التي ارتفع عجز موازنتها إلى 6% في 2019.
وتحتاج السعودية اليوم 76$ سعراً لبرميل النفط لتتجنب عجزاً في الميزانية، ومن هذه النقطة يمكن فهم حجم الأزمة في منطقة الخليج.
بسبب آثار فيروس كورونا المستجد انخفض الطلب على النفط بشكل كبير، وهذا الانخفاض يشكل ضرراً كبيراً على عائدات السعودية، ولكن انخفاض الطلب هذا ترافق مع زيادة في الإنتاج مما خفّض سعر برميل النفط إلى أقل من 20$، وعلى الرغم من أن مجموعة OPEC+ استطاعت التوصل لاتفاق جديد يقضي بخفض الإنتاج بشكل تدريجي مما يعني ارتفعاً في أسعار النفط، إلا أن الضرر قد حدث ولن يكون هذا الارتفاع التدريجي كافياً لسد عجز الميزانية السعودية والخليج.
خطوة أبعد
الأرقام التي ذُكرت لا تضيف أيّ جديد، لكن التذكير بها ضروريٌ دائماً، وعلى الرغم من هذه التطورات في سوق الطاقة تجري منذ بضع سنوات إلا أنّ فيروس covid-19 سرّع هذه العملية بشكلٍ لم يكن في الحسبان. فالخليج اليوم يشهد أزمة لن تنفرج قريباً، وعلى الرغم من كل محاولات السعودية لزيادة مواردها غير النفطية إلاّ أنها لم تستطع الوصول إلى عتبة النجاة، هذا يعني أن المملكة التي قادت دول الخليج في هذه الطريق الوعرة طوال العقود الماضية باتت اليوم بأمس الحاجة إلى برنامج سياسي جديد يكون متناسباً مع انخفاض وزنها الإقليمي من جهة، ومع توازن القوى الدولي من جهة أخرى، فالمملكة تعتبر في البداية حجر الأساس في نظام البيترودولار الذي بدأ يتثبت في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من أن هذا النظام كان يتلقى ضربات في السنوات الماضية إلى أنه يترقب ضربةً قاضية في آخر معاقله المؤثرة. التزام السعودية ومن خلفها دول أوبك بتسعير النفط بالدولار كان نتيجة ضغط وامتيازات قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه كان قبل كل شيء وليد توازنات دولية. والانهيارات التي يشهدها قطاع النفط الصخري الأمريكي وارتداداتها على قطاع المال العالمي سيشكل خللاً لا في مركز الولايات المتحدة في انتاج النفط عالمياً فحسب، بل سيصيب عصب اقتصادها وهو الدولار، مما سيضعف قدرته عالمياً، وبالتالي يسهل عملية استبداله على النطاق العالمي في سوق النفط تحديداً وخصوصاً أن البدائل باتت متوفرة.
تبدو حلقة التأثير هذه لا نهائية، فما يجري يؤثر على الاقتصاد الأمريكي والدولار، وهو ما يؤثر بدوره على كل شيء آخر من جديد، لن تدور هذه الحلقة إلى الأبد بل ستصل إلى لحظة الانفجار، وحدوث إنفجارٍ عالمي بهذا الحجم يفرض تبديل البرامج السياسية لدول العالم ، أو تسريع عملية التبديل هذه إن كانت قد بدأت في بعض الأماكن، ومن هذه النقطة يكون السؤال قد أصبح واضحاً: ما هو برنامج دول الخليج الجديد؟ هل تستطيع الأنظمة القائمة هناك صياغة هذا البرنامج أو تنفيذه؟
التحولات القادمة
ما يجري في الخليج اليوم سينتج خفضاً محلياً للإنفاق، يعني احتمالية مرتفعة جداً للاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، ويعني أيضاً خفضاً في «الإنفاق الإقليمي»، إي أن قدرة السعودية على تغطية نفقات حربها باليمن، وتكاليف تثبيت دور ها الاقليمي في المنطقة لن يعود ممكناً، فإذا كانت السعودية تقوم بخطوات خجولة مترددة لوقف حربها في الخليج بات إنهاؤها اليوم ضرورة ملحةٌ. وإذا كان التصعيد مع إيران أولوية أمريكية فهو ليس أولوية خليجية وخصوصاً أن ساحة هذا التصعيد هي أراضيها والأموال التي ستنفق فيها هي أموالها!.
يحتاج الخليج التأقلم مع وزنه الجديد، ويحتاج إيجاد البدائل عن النفط الذي حتى لو وصل سعره إلى السعر التعادلي المطلوب، فنحن نشهد العقد الأخير من عمره، فبغض النظر عن بدائل الطاقة التي ستعوض نضوب النفط، لن تؤمن السعودية 20% من احتياجات السوق الجديد، لذلك سيحتاج الخليج إلى استثمار ما تبقى من أمواله المدفونة بشكل مختلف، وهذا ما يجعله أقرب لقرع أبواب الصين وصون علاقات الجوار التي دآبت دول الخليج على تدنيسها سواء علاقتها مع إيران وتركيا أو حتى مع روسيا. الأهم هو :أن نتوقع تغيرات كبيرة جداً، إذ قد تكون إمكانات مصر التي تتكئ على مساعدات السعودية اليوم أكبر وأوفر من هذه الأخيرة في العقود القادمة.
الضربات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي لم تستثنِ أحداً، لكنها لم تترك الكدمات نفسها في كل مكان، فقد تخرج بعض الدول بخسائر أقل بكثير من غيرها، وهذا يردنا إلى نقطة البداية تقريباً. اهتزاز سوق النفط وما يسببه من تهديد حقيقي للبرتودولار يعني حرمان الولايات المتحدة من أقوى أسلحتها «الدولار» الذي جرى استخدامه كالعصى لقيادة «قطعانٍ» من الأنظمة التابعة، وانفكاك هذه الأنظمة السريع عن الولايات المتحدة وما يرافقه من آثار الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية يعني بضرورة تحوّل كبير جداً في المنطقة والعالم، سيكون في مصلحة أقل المتضررين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 963