إيران والخليج... بوادر التهدئة؟
ما تزال آثارُ حرب الناقلات تفعلُ فعلها في تحفيز جملة من التغييرات على الصعيد الإقليمي، وعلى رأسها التطورات الأخيرة في رفع درجة علنية العلاقات بين جزء من دول الخليج وإيران، أو ما سُمّي بـ«التقارب الإيراني الخليجي».
وعلى الرغم من أنّه قد يبدو من التسرع بمكان القول: إنّ تقارباً شاملاً يجري بين الطرفين، أو أنّ التقارب الجاري- أياً كانت درجته وسرعته- قد جاء كنتيجة لحرب الناقلات وحدها، إلّا أنّ هذه الحرب لها ما يُميزها عن مختلف نقاط الكباش الإيراني الخليجي؛ أي: أنها لا تشكل مجرد إضافة كميّة لجملة الأزمات والمشكلات السابقة، العالقة بين الطرفين، والتي رغم خطورتها كانت تبدو دائماً ضمن النطاق المتحكم به.
حرب الناقلات، التي اتّخذت من مياه الخليج أحد مسارحها، ظهرت حرباً بين إيران من جهة، وبين بريطانيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وبدت معها دول الخليج ثانوية، تلعب دور المترقّب الحَذِر، الذي يزداد حذراً وخوفاً، كلّما ظهر له هزال الموقف الغربي ضمن هذه الحرب.
عند هذه النقطة، بات يمكن التكهّن بأنّ دول الخليج بدأت تُعيد حساباتها جِدّياً، وبدأت تميل راضية أو مرغمة باتجاه أشكال أكثر عقلانية من التعاطي مع الأزمة المستمرة منذ 1979...
فهل سيكون الحفاظ على أمن المياه الخليجية، ومن ورائها التجارة البحرية على العموم، وتجارة النفط خصوصاً، منطلقاً لتجاوز الخلافات بين إيران والخليج؟
في الحقيقة، إنّ عدد التصريحات التي تتحدث بشكلٍ مباشر عن حدوث تقارب، قليل جداً. ولكن بالمقابل، هنالك العديد من المعطيات التي تشي بحدوث تفاهمات أولية أساسها المصلحة الإقليمية المشتركة في الحفاظ على أمن المنطقة، وهذا ما عبّر عنه أحد المسؤولين الإيرانيين بقوله: «إن إيران تعطي دائماً بالغ الأهمية للأمن في الخليج، وهو ما يحتاج إلى تعاون كل دول الخليج» وعلى هذا الأساس حصلت مجموعة من المبادرات، كانت من بينها زيارة الوفد الإماراتي إلى طهران، وبحثه التعاون الحدودي بين البلدين، بالإضافة إلى إعطاء السعودية بعض الإشارات حول تقبّلها فكرة الحوار مع إيران.
مصلحة السعودية... مع من؟
يبدو حجم التشابك بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية كبيراً لدرجة يصعب معها تخيل انفكاك حقيقي للرياض عن واشنطن، وخاصة مع النمط الاقتصادي الريعي السائد في السعودية، والذي يُضعف إنْ لم نقل يقضي على احتماليات سلوك مستقل، وهذا بالضبط ما يجعل من القرار السعودي بالتخلّي عن الولايات المتحدة أو الاستدارة نحو الشرق وبعيداً عن الإملاءات الغربية، قراراً شديد الصعوبة.
رغم ذلك، فإن منطق الأزمة الأمريكية، يدفع واشنطن إلى رفع درجات ضغطها وبلطجتها على حلفائها التقليديين بشكل يومي. والسعودية «حظيت» بشكل خاص، بنصيبٍ جيّد من هذه البلطجة، فمن حرب النفط التي أجبرت فيها السعودية على إنتاج مضاعف للنفط في ظل أسعار عالمية منخفضة، إلى ما سمّي بـ «عاصفة الحزم» في اليمن والتي تتباين المصادر حول حجم خسائر السعودية خلالها، لكنها تجمع على كونها مهولة، إلى التصريحات المباشرة والوقحة التي وُصفت فيها السعودية بـ «البقرة الحلوب» بعد صفقة الـ 450 مليار دولار، وغير ذلك من الأحداث التي تشكّل أرضية خصبة لابتعادٍ على المدى الإستراتيجي، عن الولايات المتحدة، بالتزامن مع حدوث تقارب سعودي إيراني مستقبلاً، وإن كان ذلك سيأخذ وقته ومداه.
تصعيد أمريكي جديد دون نتائج
تزامناً مع الإشارات الأولية جداً عن التقارب الخليجي الإيراني، تزداد حدّة التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ فبعد عزم الأخيرة على القيام بتشكيل تحالف دولي من أجل تأمين الملاحة في مضيق هرمز، ورفض معظم الدول- أهمّها ألمانيا- لهذه الخطوة، وكذلك رسائل التقارب والتمرد الفرنسي التي بعث بها ماكرون لروحاني، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تتضمن تجميد أصوله في الولايات المتحدة، وتقييد تنقله داخل الأراضي الأمريكية، وكان ظريف قد نفى وجود أية ممتلكات له في الولايات المتحدة، واعتبر العقوبات ضده دليلاً على عدم رغبة واشنطن بالحوار، وقد اعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخروفا أنّ الولايات المتحدة باتباعها سياسة العقوبات «تحشر نفسها في الزاوية».
وهذا بالفعل ما تحصده الولايات المتحدة من كلّ محاولات التوتير والتصعيد التي تفتعلها في المنطقة؛ فحربُ الناقلات التي كانت تهدف بشكل أساسي إلى التضييق على حركة التجارة العالمية الجديدة القادمة من الشرق، لم تؤدِّ إلّا إلى المزيد من العزلة الأمريكية والمزيد من التقاربات الإقليمية في المنطقة، والتي وإنْ لم تكن ناجزة حتى اللحظة بالقدر الكافي، إلّا أنها تشكل فاتحة لطريق التهدئة، خصوصاً أنها تحدث في وضعٍ عالمي تميل به التوازنات نحو الحلول السياسية السلمية، بعيداً عن منطق الحروب وإشعال الحرائق.
إنّ ما هو مؤكد في شأن إشارات التقارب الخليجي الإيراني، هو أنها إشارات أولية لا يجوز تضخيمها كما لا يجوز إهمالها. ولكن الأكثر تأكيداً أنّ الخط العام الذي توحي به هذه الإشارات، والذي يستند موضوعياً إلى التراجع والانكفاء الغربي الشامل والتدريجي عن مجمل المنطقة، هو الخط الأكثر ثباتاً، والذي لن يكون ممكناً دونه فهم المتغيرات الإقليمية، ليس ضمن مجالات زمنية بطول سنوات قادمة فحسب، بل وحتى على مستوى التكتيكات اليومية والإشارات السياسية الصغيرة التي تظهر على السطح من يوم إلى آخر...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 926