كوارث «صندوق النقد» تطال الأرجنتين

بينما كان الرئيس الأرجنتيني، ماوريسيو ماكري، يوم 25 أيلول الجاري في الولايات المتحدة، يقدم التنازلات لـ «صندوق النقد الدولي» في محاولة للحصول على المزيد من القروض، شهدت بلاده إضراباً عاماً، في مشهد دلّ على عظمة الطبقة العاملة في البلاد.
استطاع الإضراب، إيقاف وسائل النقل العامة عن العمل، وإغلاق المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والبنوك، كذلك توقفت الصناعة الخاصة عن العمل. وهو الإضراب العام الرابع ضد حكومة ماكري منذ وصوله إلى الحكم عام 2015. مما يدل على عُمق الأزمة الاقتصادية والغضب الشعبي ضد السياسات الاقتصادية المطبقة.

القروض المشروطة
مؤخراً، رفع صندوق النقد الدولي برنامجه لإقراض الأرجنتين، البالغ مدته ثلاثة أعوام، بمقدار سبعة مليارات دولار إلى 57 مليار دولار، وكما في دول عدة حول العالم أدت قروض «صندوق النقد الدولي» في الأرجنتين إلى تخفيضات هائلة في الميزانية في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الإنفاق الاجتماعي، ورفع تكلفة الكهرباء، بالإضافة إلى ما يسمى «إصلاح» نظام المعاشات التقاعدية، والتهديد بـ «إصلاح» قانون العمل، لتصبح هذه السياسيات الاقتصادية- الاجتماعية برمتها، موجهة ضد الطبقة العاملة.
حيث ارتفعت البطالة مع ارتفاع معدل الفائدة بنسبة 60%، ووصل معدل التضخم السنوي إلى 42%، وانخفضت قيمة العملة المحلية من 18 بيزو للدولار الأمريكي إلى 40 بيزو، كما ارتفعت ديون البلاد إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع زيادة القروض المقدمة من قبل «صندوق النقد الدولي» فإن التراجع الاقتصادي سيزداد خلال المرحلة القادمة.
تنازلات حكومية
الرئيس ماكري لم يحصل من «صندوق النقد» على كل ما يريده، قد حصل على زيادة بمقدار 7 مليارات دولار، بينما كانت الحكومة الأرجنتينية تتوقع الحصول على 20 مليار دولار. وقد أنفقت الحكومة حتى الآن حوالي 20% من احتياطي العملات الأجنبية في محاولة للحفاظ على قيمة البيزو، ووافق «صندوق النقد» أيضاً على أن بعض أموال الإنقاذ المقدمة يمكن استخدامها في الميزانية، بدلاً من الذهاب بالكامل نحو سداد الديون.
يقدم «صندوق النقد الدولي» دعماً واضحاً للحكومة الأرجنتينية ورئيسها، الهدف المعلن، هو: إنقاذ الاقتصاد الوطني، ولكن هذه المساعدة تأتي مرفقة مع قيود صارمة، فقد أجبر الصندوق الحكومة على إقالة كابوتو، محافظ البنك المركزي الأرجنتيني، وتعيين غيدو ساندليريس، وهو شخص أكثر منه تناغماً مع صندوق النقد الدولي، كما ألزم الرئيس ماكري بميزانية «متوازنة» لعام 2019، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التخفيضات الهائلة في الإنفاق العام، والتي ستتكدس مرة أخرى على أكتاف الطبقة العاملة والفقراء.
الاتفاق الأخير مع «صندوق النقد» سيفاقم من الأزمة، وسيؤدي حكماً إلى توليد انفجارات اجتماعية. يحاول اتحاد نقابات العمال المنقسم في الأرجنتين احتواء الاحتجاجات الشعبية، بينما تُعول المعارضة السياسية– التي تؤيد الحكومة فعلياً في البرلمان- على الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في 2019.
لكن الغضب الشعبي ينمو، ومن المرجح أن تستمر الإضرابات وتتصاعد، وتشهد قطاعات عدة تحركات احتجاجية مستمرة، فقد دعا عمال السكك الحديدية إلى إضرابٍ دفاعاً عن الأجور، واحتجاجاً على تآكلها بسبب التضخم، كما يحدث في قطاع التعليم والصحة وغيرها.
ولأن الحكومة تواجه معارضة شعبية متنامية فإنها تزيد من أوجه القمع، فقد تم اعتقال عدد من النقابيين والزعماء «اليساريين»، في محاولة للحفاظ على مواقعها من انفجار اجتماعي قادم. لكن طالما أن قروض «النقد الدولي» تغرق البلاد، وطالما أن الحكومة الأرجنتينية تذعن للصندوق وشروطه، وإذا كانت القيادات النقابية، والمعارضة الشكلية غير قادرة على الوقوف في وجه سياسات الصندوق وأذرعه في الداخل، فإن الأزمة ستتفاقم، وهو ما يحدث أينما حلّ «الصندوق الدولي» وقروضه.

آخر تعديل على الأحد, 30 أيلول/سبتمبر 2018 22:56