الإقليم يتحرك وأمريكا تتفرّج!
خلال السنوات الست الماضية، نشأت توافقات عدة، ناتجة عن أحدث معينة، كـ«التحالف العربي» في اليمن، و«السعودي- المصري» في وجه الإخوان، و«المصري- الجزائري- التونسي» بخصوص الأزمة الليبية، الخ..
هذه «التحالفات»، أو بالأحرى، التوافقات بين الدول بشأن موضوع بعينه، تحمل سمات خاصة، ومستجدة نسبياً في المنطقة، وهي جديرة في البحث عن طريق فهم التغيرات الحاصلة في موازين القوى الدولية، وضمناً الإقليمية.
سمات مرحلية
السمة الأولى: تتمثل باستقلالية نسبية، أوسع إلى حد ما، عما كانت عليه في عهد الهيمنة الأمريكية، هنا نرى التنسيق الإيراني_ التركي في سورية، بعيداً عن أعين الإدارة الأمريكية، والتنسيق المصري_ الجزائري في الملف الليبي كدور أساس يعلو فوق الاعتبارات الغربية في الكثير من الأحيان، كذلك بالنسبة للتعاون القطري_ الإيراني اقتصادياً وسياسياً، الخ ...
هذا الهامش من الاستقلالية، يتسع نتيجة لأمرين، الأول، هو: تراجع واشنطن وأدواتها، عن دور الريادة في شرق المتوسط وشمال أفريقيا، والثاني، هو: ضرورات الدول ذاتها، وتحديداً قضايا الأمن القومي، في ظل «عاصفة الأزمات» التي تهدد الجميع، كما في سورية والعراق وليبيا، وأيضاً محاولات التفجير، التي لم تصل إلى نهاياتها في تركيا ولبنان مؤخراً.
السمة الثانية، هي: محاولات الفصل الواضح بين الأزمات بالنسبة لدول المنطقة، أي أن ملفات التنسيق لا تعبّر عن علاقات متعدية، فالتنسيق «السعودي_ المصري» بعد سقوط الإخوان في مصر، لم يشفع معه تحسن في العلاقات «المصرية_ التركية» بوساطة سعودية العام الماضي، هذه الحالة تكررت أيضاً في الفصل بين التنسيق «السعودي_ المصري» في الأزمة الخليجية، ومواقف كلا الطرفين المتعارضة من الأزمة السورية حتى الأمس القريب، وذلك في المرحلة التي سبقت التحاق السعودية بركب الدول الراضخة لحقيقة وحدانية الحل السياسي للأزمة السورية.
عن الإرادة والإمكانيات
تسارع الأحداث مع بداية العقد الثاني من القرن الحالي، وربما مع انفجار الأزمة في سورية كنقطة علام، أحدث حالة إقليمية خارجة عن المنطق التقليدي لإدارة الأزمات الدولية، نتيجة وقوف أطراف دولية صاعدة بقناعاتها الاستراتيجية كاملة، ومخاطر المجابهة الدولية مع الغرب، في وجه الطريقة القديمة التي كانت تدار بها العلاقات الدولية بوصاية واشنطن.
هذه الحالة الدولية باستمرارها وتأكيدها بالوقائع اليومية، تنسحب بنتائجها وتصعيدها على الأجواء الإقليمية، وهي التي أنتجت السمات آنفة الذكر، لتبدأ مرحلة جديدة تشهد تحول موسكو كعرّاب المحور الصاعد سياسياً وعسكرياً، إلى مركز نشط للتنسيق وحل الأزمات الإقليمية، إضافة إلى وجود تجارب تثبت إمكانية التفلّت من نمط العلاقات المفروضة أمريكياً في السابق، كالتنسيق الروسي_ المصري في مجال التسليح والطاقة النووية، وكذلك مؤخراً طلب الرئيس السوداني عمر البشير من روسيا «حماية بلاده من أمريكا»، وتنسيق روسيا_ إيران_ تركيا في مسألة مكافحة الإرهاب على أعلى المستويات السياسية وبشكل مستمر، هذه الأمثلة قد تبدو بسيطة، لكن هل كان لأحد أن يتخيل المواقف ذاتها، بعد غزو العراق أو أفغانستان، وبهذه الكثافة من التغيرات؟
الأجواء الإقليمية بما تتضمنه من تغيرات لغير مصلحة واشنطن، لا تنفي مطلقاً وجود التأثير الأمريكي، أو الركون الأمريكي_ الغربي لهذه التغيرات، لكن على الأقل بدأ يتضح جلياً، أن السياسات الأمريكية لم تعد كما السابق قادرة على قلب المعادلات، وإحداث التغيرات النوعية في مسار الأزمات، إلا بما يتلازم مع ضرورات موازين القوى الدولية، هنا مثالاً: طريقة التعاطي الأمريكي مؤخراً مع الملف السوري، ورفع مستوى التنسيق الروسي_ الأمريكي لوضع حد للحرب هناك.
عدا ذلك تبقى سياسات واشنطن العدوانية في إطار الإشغال، ومحاولات قلب موازين القوى، وتعقيد الملفات المأزومة، وربطها مع بعضها البعض، والأزمة السياسية في لبنان، هي مثال على تلك المحاولات بأدوات سعودية. في هذا الصدد يتأكد مجدداً أنه حتى في النقاط الإقليمية الأكثر هشاشة بالمعنى الداخلي كلبنان، يوجد اليوم إمكانية أكبر لمواجهة الكوارث، وبآجال زمنية قصيرة، هنا نرى السمات الإقليمية تفعل فعلها مجدداً.
أولاً: بالاستقلالية المحدودة موضوعياً لكن الكافية لدرء الأزمة حتى الآن، وهو ما ظهر في مواقف القوى السياسية على عمومها، والسمة الثانية: هي في الفصل الإقليمي لأزمة لبنان عن باقي الأزمات، هنا يبدو الموقف المصري الرسمي الرافض لإقحام مصر في صدام سياسي مع قوى لبنانية، عبر بوابة العقوبات المطلوبة سعودياً، وهي حادثة مكررة بالنسبة لمصر، التي هي من جهة على تنسيق كامل مع السعودية فيما يخص الأزمة الخليجية، لكنها رفضت التماهي مع المواقف السعودية فيما يخص سورية العام الماضي، وأيضاً لبنان في الأيام القليلة الماضية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 838