تركيا الباحثة عن الأورو-آسيوية

تركيا الباحثة عن الأورو-آسيوية

بين أحلام الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وضرورات التمعّن جيداً في الفرص المتاحة شرقاً لتركيا، تحاول أنقرة ترتيب أولوياتها الخارجية، ضمن المعطيات التي يفرضها التوازن الدولي الجديد، في محاولة للحفاظ على دورها المحوري جيوسياسياً...

تركيا، التي كانت وما زالت جزءاً من منظومة واشنطن السياسية والاقتصادية والعسكرية، تجد نفسها مضطرة للاستدارة بفعل التراجع الأمريكي، لكن لهذه الاستدارة ثمنها، وهنا تعد محاولة الانقلاب الفاشلة، كبرى الامتحانات أمام أنقرة في تقييم علاقاتها الخارجية، وسلوك الأطراف الدولية والإقليمية أثناء ساعات الانقلاب وما بعده، إلى جانب ابتزاز الأوروبيين لها في مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. في المقابل تجد أنقرة حبل إنقاذ تمده لها روسيا، بحكم الموقع التركي الجيوسياسي المحوري، والضروري في منع توسع مشروع الفوضى الأمريكي.
دفع هذا أنقرة إلى توسيع العلاقات مع إيران إقليمياً، ومع روسيا دولياً، لكن مع صعوبة الانفكاك عن الغرب بحكم الارتباطات في الكثير من المفاصل، لذلك فهي تحاول تصدير نفسها في الاتجاهات كافة، فمن جهة توقع اتفاقية «S400» الروسية، خارج إطار علاقاتها العسكرية التقليدية مع حلف «الناتو»، وتستعّد لبناء أول محطة نووية بمساعدة روسية، وتدخل إلى جانب إيران وروسيا، كضامنين للحل السياسي ومحاربة الإرهاب في سورية، رغم انتماء تركيا إلى «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن.
تمر تركيا بحالة من الارتباك وانعدام الوزن، وهو ما يجعلها تحافظ على ضغوطها اتجاه مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رغم المشادات الكلامية المستمرة، وعالية النبرة بين الطرفين المتفاوضين، حتى أن المتتبع يمكنه التنبؤ بذهاب المفاوضات أدراج الرياح، نتيجة الأجواء العدائية بينهما، ومن جهة أخرى تحاول إعادة بناء علاقاتها مع أقرب جيرانها الأوروبيين، كاليونان التي يستعد الرئيس التركي، أردوغان، لزيارتها بعد 65 عاماً من انقطاع الزيارات الرسمية بين البلدين، وكذلك إرسال إشارات للاتحاد الأوروبي بنوايا إعادة التفاوض المعلّق بين الطرفين، حيث يؤكد وزير «شؤون الاتحاد الأوروبي» في الحكومة التركية، عمر جليك: أن انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي «هدف استراتيجي».
هنا يمكن القول: إن بقاء شكل الاتحاد الأوروبي الحالي نفسه، هو موضع شك، وخصوصاً بعد انسحاب بريطانيا منه، وظهور الحركات الانفصالية في أكثر من بقعة أوروبية، لكن بغض النظر عن إمكانية دخول تركيا للاتحاد الأوروبي، والذي يبدو بعيد المنال، تشير التحركات التركية إلى  نوايا الحفاظ على الفرص بكاملها في التواجد الدولي، والحفاظ على موقع مهم لها عالمياً، لكن ذلك مرهون بالقطع مع المنظومة القديمة، وإدراك أن مصلحتها الحقيقية إنما تكمن مع محور الشرق الصاعد.  

معلومات إضافية

العدد رقم:
838