اليمن: نجدة الحلفاء ليست بمقدور واشنطن!

اليمن: نجدة الحلفاء ليست بمقدور واشنطن!

تطوي الأزمة اليمنية عامها الثالث بمعاناة إنسانية كبيرة، ونتائج عسكرية لم تغيِّر الكثير من موازين القوى على الأرض، رغم تصاعد حدة الاشتباكات واتساع رقعتها بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، وسط جمود سياسي يصرُّ عليه اليوم «التحالف العربي» بقيادة السعودية، بانتظار موقف واضح من الإدارة الأمريكية الجديدة.

أكثر ما يرجوه «التحالف العربي» اليوم هو: لو كان بالإمكان توسيع قاعدة الاشتباك في اليمن ضمن معطيات جديدة، يدخل على أساسها الحلفاء الغربيون- وتحديداً الولايات المتحدة- في صلب المعركة على الأراضي اليمنية، إلا أن الحسابات السعودية هذه ليست مطابقةً تماماً لداعميها في واشنطن، على الرغم ما يبدو أنه محاولات أمريكية خجولة لجس النبض حول هذا الخيار...

الميدان يعقّد حسابات واشنطن

انتهت فترة الانتظار السعودي لما يمكن أن تقدمه واشنطن في الحرب على اليمن، والممارسة العملية لواشنطن في اليمن في الآونة الأخيرة، تؤكد: أنه على السعوديين أن يقلعوا شوكهم بأيديهم إذا أرادوا الحفاظ على ماء الوجه في اليمن، وهنا، يمكن الإشارة عملياً إلى التردد الأمريكي في اتخاذ خطوات تصعيدية كبيرة في الميدان اليمني...

منذ بداية العام الحالي، تحاول الولايات المتحدة- بذريعة محاربة «القاعدة» في اليمن- اختبار قدرتها العسكرية على إحداث ضربات خاطفة تساهم في تغيير موازين القوى على الأرض، ذلك عن طريق الضربات والإنزالات الجوية، على مناطق تقع تحت سيطرة «القاعدة»، لكن مع محاولة التعمية الإعلامية عن الضربات الأمريكية، كونها «اختبارات» أمريكية لا تريد واشنطن تسجيلها كإخفاقات عسكرية، تضرُّ بسمعتها العسكرية المهزوزة أصلاً في المنطقة في حال فشلها، ولا تمثل من جهة أخرى إعلاناً نهائياً عن دخولها الحرب اليمنية، وهو ما يؤكده تضارب الأنباء في نهاية كانون الثاني الماضي، حول فشل القوات الأمريكية في عملية إنزال بمنطقة «يكلا» التابعة لـ«البيضاء» وسط اليمن، حيث أشارت تقارير استخباراتية إلى: فشل العملية وسقوط ما يقارب العشرين مدنياً بينهم أطفال ضحايا، إضافةً إلى مقتل جندي أمريكي نتيجةً  لهذه العملية، بينما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية بطريقة غير مباشرة نجاح العملية عن طريق «تسريبات»، لصحفيين، بأن العملية قد نجحت وحصلت بموجبها القوات الأمريكية على أجهزة محمولة فيها «كنز» من المعلومات متعلقة بتنظيم «القاعدة»، في اليمن.

لكن في وقت سابق من شهر آذار الحالي، رئيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي، جوزيف فوتيل، في جلسة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي التابع للكونغرس الأمريكي، اعترف بفشل العملية العسكرية التي جرت في أواخر كانون الثاني من هذا العام، قائلاً: «توصلنا إلى استنتاج قائم على أساس أوثق المعلومات المتوفرة لدينا، مفاده أن عمليتنا في اليمن تسببت في مقتل من 4 إلى 12 شخصاً». وفي السياق نفسه قامت القوات الأمريكية  بإنزال جوي في محافظة «أبين» بداية هذا الشهر، والتي لم يصدر بشأنها أي بيان من الجانب الأمريكي، إلا أن بياناً صدر عن تنظيم «القاعدة» الإرهابي، أكده وأعلن عن فشله.

واشنطن لا تريد الانزلاق

وفي سياق الحديث عن التحركات الأمريكية العسكرية في اليمن، ذكر موقع «ديلي بيست» عن مسؤولين أميركيين: إن البيت الأبيض يدرس تفويض المزيد من الصلاحيات إلى وزارة الدفاع لاستخدام الضوء الأخضر في عمليات «محاربة الإرهاب»، وأضاف الموقع: إن الرئيس دونالد ترامب، أشار إلى أنه يريد أن يحظى وزير الدفاع جيمس ماتيس، بحرية تنفيذ «هجمات حساسة بسرعة».

هذه الهجمات الحساسة السريعة، كما نقلها الموقع، تؤكد مخاوف الإدارة الأمريكية من الانزلاق بشكل كامل في المستنقع اليمني الذي يحمل من التعقيدات ما لا يمكن للإدارة الأمريكية حسابه بدقة، وتجارب التدخل العسكري الجوي الأمريكي «الخجولة»، والتي تثير لغطاً إعلامياً بين الحين والآخر، تشير إلى ذلك التردد الأمريكي، لكن ما البديل المطروح أمريكياً في ظل هذه اللوحة المعقدة يمنياً؟

تستأنف واشنطن توريدات الأسلحة إلى السعودية، رغم استنكار المنظمات الدولية لنتائج العمليات العسكرية التي يقوم به «التحالف العربي» بقيادتها، وتجهز السعودية في المرحلة الحالية لموجة تصعيد جديدة على جبهة صنعاء، رغم فشلها السابق في تحقيق هذا الهدف بالدخول إلى العاصمة اليمنية، ويأتي هذا التجهيز السعودي بعد انحسار العملية التي قام بها «التحالف العربي» بزخم إماراتي كبير، إلى جانب القوات الموالية للرئيس هادي، على الساحل الغربي لليمن للسيطرة على ميناء الحديدة وقطع طرق الإمداد الوحيدة باتجاه العاصمة صنعاء، بعد الضربة التي تلقاها «اللواء الأول- حزم»، التابع للتحالف والممول إماراتياً، مما أدى إلى انسحاب اللواء، والاكتفاء بعشرات الغارات الجوية على جبهة المخا ومعسكر خالد الذي يتحكم بباب المندب.

هذه الإعلانات المستمرة عن المعارك الكبرى والحاسمة التي تطلقها السعودية، باتجاه صنعاء للمرة الثانية، وقبلها بأيام عملية «الرمح الذهبي» على السواحل الغربية لليمن، بإدارةٍ إماراتية، تؤكد أن موازين القوى العسكرية في اليمن عصية الكسر، رغم رفع درجة الاستنزاف إلى أقصى حدودها، كخيار سعودي- إماراتي يفرضه الانكفاء الأمريكي عن الدخول إلى جانب حلفائه الإقليميين في هذه المعركة، ودون جدوى حقيقية للخروج بأقل الخسائر من الحرب على اليمن، كهدف ضمني يدرك السعوديون أن خسارة الحرب ونتائجها اللاحقة، قد حقت عليهم في ظل التعقيدات العسكرية والسياسية التي أوصلوا إليها الأزمة اليمنية، والتي تعززها الأوضاع الإنسانية الكارثية هناك.

المعاناة في تصاعد

يشار إلى أن نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، قدّم تقديرات جديدة خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي في 10/آذار الحالي، واصفاً فظاعة الوضع في اليمن في ظل العمليات العسكرية التي تشهدها البلاد.

كما أن بياناً للخارجية الروسية استند إلى تقرير أوبراين، أكد أن المعارك بين الأطراف اليمنية التي تجري بمشاركة مباشرة من قبل «التحالف»، الذي تقوده السعودية أسفر على أقل تقدير عن مقتل ما لا يقل عن 7500 شخص وإصابة 400 ألف شخص آخرين، بينما يحتاج 19 مليون يمني إلى المساعدات الإنسانية، ويعاني 7 ملايين من نقص التغذية، غالبيتهم من الأطفال.

وفي سياق البيان نفسه، وصفت وزارة الخارجية الروسية الغارات التي نفذها «التحالف» على سوق الخضار في مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، في 10/آذار الجاري، والتي أدت إلى مقتل عشرات المدنيين بـ«مقطع دموي جديد».

وبالنتيجة، فإن التعنت السعودي اتجاه عدم القبول بالوقائع الميدانية الحالية، ومآلاتها السياسية اللاحقة، قد يؤدي إلى انفلات الملف من أيدي «الرباعية الدولية» المعنية بالأزمة اليمنية «الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات»، من حيث نتائجه السياسية اللاحقة، والتي من المؤكد أنها ستؤثر على السعودية بشكل مباشر، كونها تتصدر وتصر على إطالة أمد الأزمة.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
802