الأحد الأسود ... دماء على طاولة الحوار
دخل يوم الأحد الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول التاريخ الفلسطيني بصفته رمزاً لبؤس العمل الحزبي، بدلالاته الفئوية/السلطوية، وكتعبير مكثف عن ثنائية الاستقطاب الإقصائي الذي أدى إلى/ونتج عنه، اللجوء إلى أعمال العنف والتخريب المادي والمعنوي، وصولاً إلى الرصاص، كأسلوب وحيد لجأ إليه «المتحاورون» لحسم الصراع على «السلطة» الواقعة شكلاً ومضموناً في قبضة الاحتلال المباشر. لقد شكل الأحد الدامي نقطةً سوداء في التاريخ الكفاحي المشرف للشعب الفلسطيني، ولهذا تأخذ الخطوات التنفيذية المباشرة، في إعادة ثقافة الحوار وتقبل الآخر، على قاعدة التزام جميع الأطراف بالموقف الوطني المعادي للاحتلال، المتمسك بالحق التاريخي للشعب في أرضه، أهمية استثنائية راهنة من أجل أن تتحول لغة المنطق والعقل التي يجب أن يتخاطب بها الفرقاء، كأسلوب وحيد للوصول للاتفاق العام.
الدم الفلسطيني الذي سال بيد «الأخوة ... الأعداء!» حرّك غضباً شعبياً واسعاً، وألحق الأذى بالنضال الوطني للشعب، لكنه بذات الوقت، أدى لحراك سياسي واسع، أفضى على الفور إلى كبح جماح الاندفاع المشبوه، الذي فيما لو استمر، سيقود الشعب للهاوية والقضية إلى غياهب الظلام. إن النداءات والقرارات التي اتخذتها مؤسستا «الرئاسة» و«الحكومة» أدت لسحب فتيل الأزمة، وصبت الماء البارد ليس على البنادق الملتهبة، بل وعلى الرؤوس الحامية، ولو لفترة قصيرة. ولهذا، وحتى لايضيع ماحصل في ذلك اليوم المشؤوم، بتبريرات تضليلية تربطه بالسلوك الانفعالي "الآني" الذي أدى للموت المجاني والعاهات الدائمة للعشرات من المواطنين المدنيين، فإن حملة شعبية واسعة يجب أن تتأسس للمطالبة بمحاكمة كل المسؤولين عن خلق الأجواء التي وفرت لأدوات التخريب المنظمة، إعطاء تعليماتها لبعض الأيدي المشبوهة لتنفذ أوامر تدمير الممتلكات العامة والخاصة، وإطلاق الرصاص على المواطنين. وإذا كان الشعب قد استبشر خيراً بالجهود المبذولة من أجل التهدئة الداخلية، فإن العديد من الجهات قد أعادت للخطاب الإعلامي المتداول لغة "حربية" انفعالية، ظن العديد من المراقبين والحريصين على وحدة المجتمع، أنها أصبحت من الماضي. فقد استحوذت كلمة هنية في مهرجان يوم الجمعة الفائت على النصيب الأكبر من الهجوم الفتحاوي «تصريحات عزام الأحمد، أحمد عبد الرحمن» والتي تصدت لها حماس باتهامات للطرف الآخر بالاستعداد للتجهيز لصدامات قريبة، استناداً إلى ما أعلنته صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام عن (وجود خطة أمريكية لزيادة عدد قوات الحرس الرئاسي الفلسطيني من 3500 إلى 6000 عنصر، بتكلفة مالية تصل إلى ستة وعشرين مليون دولار) والعمل على تجهيز منطقة محددة قرب مدينة أريحا كمعسكر تدريب وتجميع لهذه القوات. لكن أخطر ماحملته عبارات المواجهات الإعلامية، هو ما لجأ إليه بعض قادة فتح حينما أدخلوا مصطلحات خطيرة ومرعبة في اللغة السياسية / الإعلامية، فللمرة الأولى، وقبل بضعة أيام، دخلت عبارة "الحرب الأهلية" الخطاب الإعلامي. نبيل شعث عضو اللجنة المركزية يقول (لم يبق أمامنا سوى خيارين لإنهاء الأزمة الحالية، إما تأليف حكومة وحدة وطنية أو الحرب الأهلية) وهو ماعبر عنه توفيق الطيراوي مدير المخابرات في الضفة في حديثه المنشور في صحيفة صاندي تايمز البريطانية أثناء تقييمه للتطورات الراهنة (الوضع يشير إلى بداية حرب أهلية).
لقد أشاعت هذه التصريحات جواً ملبداً بالغيوم، يُنذر بوقوع "المحظور"، بددته ولو جزئياً، الزيارة التي قام بها محمود عباس للدوحة، والتي جاءت على خلفية وجود مبادرة قطرية من ستة نقاط (أكدت المصادر الصحفية إطلاع واشنطن عليها قبل طرحها للتداول) والتي أعقبتها زيارة وزير الخارجية القطري لدمشق للقاء قادة حماس، كتمهيد لزيارته غزة للقاء عباس وهنية، من أجل إعادة الجميع لطاولة الحوار استناداً إلى نقاط المبادرة، التي اعتقد البعض أنها ستعيد الطرفين إلى طاولة الحوار بعد «المحددات»، وما أعقبها من «استدراكات» عَبَّرَ عنها هنية انطلاقاً من الموقف القيادي الجماعي لحركة حماس «مجلس الشورى» وخاصة في تلك القضايا غير القابلة للإجتهاد كـ«الاعتراف بكيان العدو». وقد جاءت نتائج اللقاءات التي أجراها وزير خارجية قطر مع كل من عباس وهنية على إنفراد، لتشير إلى فشل المبادرة القطرية، وبروز عقبة أساسية لم تكن يوماً شكلية أو مرتبطة بالصياغة، فالوزير القطري تحدث أمام الصحفيين بعد اللقاءات قائلاً (إنها عقبة حقيقية، لكنها ليست فلسطينية، بل مع الأطراف الدولية، من أجل إعادة صياغتها _ المقصود بنود المبادرة _ ليعترف العالم بالحكومة الفلسطينية).
إن الإدارة الأمريكية وتوابعها تريد صياغة العالم، ومنها منطقتنا وفي القلب منها القضية الفلسطينية، حسب الرؤية والمصلحة الصهيونية/الاستعمارية فقط، ولهذا يبدو من المجحف حقاً، أن يتم التنازل عن حق الشعب بوطنه وحريته واستقلاله، مقابل التوسع الاحتلالي القائم على القتل والطرد لصاحب الأرض. إن جهوداً عربية ودولية، تستند إلى موقف وطني موحد لقوى العمل السياسي الداخلي، وتنطلق من تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، ولاتكيل بمكيالين، وتشير إلى أن سبب الكارثة الراهنة هو الاحتلال والحصار، يمكن لها أن تثمر في إشاعة الهدوء _ ولو المؤقت _ بالمنطقة.
إن العمل من أجل تخفيف التوتر، وتنفيس أجواء الاحتقان بين القطبين، من خلال إشراك أوسع للقوى السياسية والشعبية في الحوار الدائر، يمكن أن يساهم في توفير أفضل الشروط للخروج من المأزق. إن لغة التهديد التي لجأ إليها ياسر عبد ربه بعد فشل لقاءات غزة التي حضرها برفقة عباس، لن تساهم بتهدئة الأجواء، بمقدار ماتساهم بزيادة التوترات، فالحديث عن نهاية الجهود السياسية_ المقصود المبادرة القطرية _ لن يكون نهاية المطاف. إن تصريحات عبد ربه تدل على توجه خاطئ يريد أن يسير باتجاهه الشعب (المبادرة آخر جهد سياسي يُبذل، ويجب اغتنامه، وإذا فشلت المبادرة، علينا الذهاب لانتخابات مبكرة). لقد أكد العديد من الخبراء القانونيين، أن النظام الأساسي للسلطة لايتضمن إجراء مثل هذه الانتخابات، ولهذا يبدو الحديث المتكرر عن ذلك، محاولة أخرى للابتزاز.
إن الخروج بالحوار من ثنائية القطبين إلى مشاركة الجميع بالنقاشات الدائرة، سيوفر الخطوة الأولى على طريق حلحلة الأزمة، والإسراع بتوفير الأمن المجتمعي للمواطنين، وسيساهم بوضع الأسس لأية مبادرة عربية أو دولية تعمل لرفع الظلم والحصار عن الشعب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 283