محمد العبد اللـه محمد العبد اللـه

أزمة التسميات المتداولة... كل الحكومات مسلوبة السيادة !

التفاؤل الذي خيم على الساحة السياسية الفلسطينية، مع صدور بيان التهدئة بين حركتي فتح وحماس بمدينة غزة قبل يومين، تلاشى سريعاً مع انتشار دخان الإطارات المحروقة التي أشعلها

أفراد الأجهزة الأمنية، التي من المفترض قانونياً، أن تكون المسؤولة عن إطفاء حرائق الأزمات.
ويبدو أن انعدام الحوار بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، كما تكرر خلال الأيام الأخيرة _ رفض أبو مازن الإجتماع برئيس الوزراء أو بأي من الوزراء في مدينة غزة التي زارها أكثر من مرة_
قد أعاد أجواء التوتر السياسي، وأفضى بالعقول الحامية إلى إعادة تلقيم ذخيرتها الإعلامية لتهيئة البنادق مجدداً للتقاتل العبثي المجرم.
    جاءت مفردات المؤتمر الصحفي لرئيس السلطة في رام الله مؤخراً، بتوصيفها للأزمة المستحكمة بالوضع السياسي / الإقتصادي والأمني_ ولو بشكل مجتزأ ومنقوص _ لتعيد إنتاج خطاب فئوي، لايمتلك وضع مخرج للوضع الصعب، بمقدار مايساهم بإعادة المخاوف من المقترحات التي قدمتها مؤسسة الرئاسة، عبر العبارات المتداولة، ومن خلال المنصة التي ظهر فيها أبو مازن محاطاً برمزين، أقل مايقال فيهما، أنهما عنوان للإستفزاز وللكراهية. وإذا كانت الإستعصاءات التي تحيط بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ماتزال قائمة بالرغم من الجهود العربية
المباشرة "المصرية تحديداً"، فإن الهروب لتشكيل حكومة الكفاءات المهنية "التكنوقراط" لن تكون العصا السحرية للخروج من الأزمة، خاصة وأن الحديث عن شبكة الأمان لها، لايعدو كونه محاولة أخرى للإلتفاف على أسس التوافق الوطني، من حيث التمسك بوهم الخلاص على أيدي حكومة تصريف أعمال، لايعرف المواطن طريقة تكوينها _ وهل تكفي الكفاءة والشهادة والخبرة المهنية فقط _ ولا البرنامج السياسي / الإقتصادي / الإجتماعي الذي يحكم عملها. وفي هذا الإتجاه تأتي الحركة التي تندفع فيها مجموعة "نداء من أجل فلسطين" التي تنادت لتشكيلها قوى وشخصيات تدور بشكل أو بآخر في فلك مؤسسة الرئاسة. إن الردود الرافضة والحاسمة التي قدمها هنية والزهار وبعض رموز حماس لتشكيل حكومة الكفاءات، تشير إلى تمسك الحركة بالموقف المحدد والقائم على "نحن باقون بالوضع الراهن، طالما فشلت كل الجهود لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بناء على وثيقة الوفاق والمحددات والإستدراكات".
    إن كل التسميات المتداولة حول السلطة والحكومة، تحمل من التضليل السياسي الشيء الكثير،
لأن مافرضه إتفاق أوسلو المجحف، يسحب كل أشكال السيادة عن كل المؤسسات التي قامت على أساسه، ويُحَوّل الجميع في الرئاسة والحكومة إلى هياكل مفرغة من المضمون الحقيقي، فالجميع يتحرك في إطار حكم ذاتي محدود، يغلب على موظفيه _ مع احتفاظهم بألقابهم الفخمة _ تصريف أعمال الخدمات للمواطنين، بحدود ماقرره الطرف الآخر في الإتفاق، وهو العدو. ولهذا فإن البعض يسعى من أجل إغراق الحالة الوطنية الفلسطينية في بحر الأوضاع اليومية الصعبة للمواطن، التي كان وسيبقى الإحتلال والبرنامج المحلي المتوافق معه مسبباها الأول والأخير.
    لقد استغل العدو الحالة الراهنة ليقوم بتوسيع دائرة إعتداءاته وجرائمه، فما بين أمطار الصيف ورجل المطر، تتدحرج كرة الموت الجهنمية في كل محافظات القطاع والضفة، حاصدة أرواح المئات من الشهداء والجرحى، بالإضافة إلى خطوات تسمين مستعمراتها في الضفة والقدس والغور. وفي ظل كل التراشق الخطابي بين الحركتين، تستمر كتائب وسرايا المقاومة بتنفيذ عملياتها، التي لايتردد البعض من الإساءة العلنية لها!
    أمام الوضع المأزوم والقابل للإنفجار، يجب على قوى الشعب الفلسطيني السياسية والأهلية التدخل المباشر للتوصل لإقرار برنامج خلاص وطني، يُلزم جميع الأطراف بحلول تستند إلى  مساهمات الشعب أولاً، لأنه المعني مباشرة بالنتائج المدمرة لهذا الوضع، فلا الحلول الثنائية قادرة على الوصول للمخرج، ولا بقاء القوى على مقاعد المتفرجين تارة، أو القابلين بدور "الحكم / الوسيط" تارة أخرى، سيساهم بتنفيس الإحتقان، وتأمين عوامل المواجهة مع العدو، وتمتين الصمود في وجه مخططاته.
  إن برنامج الخلاص يتطلب أولاً، التحلي بالشجاعة للإعتراف بفشل الرهان على أية مكاسب كان البعض يعتقد _ نفترض حسن النوايا فيها _ أنها ستبني سلطة أو تقود إلى دولة!

22 / 10 / 2006

معلومات إضافية

العدد رقم:
284