هل ستصنف بعض الأنظمة العربية فنزويلا ورئيسها تشافيز في خانة الجهات المعادية؟
لقد جال هذا السؤال في خاطري عندما قررت فنزويلا منذ فترة إقامة علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية الأمر الذي يعتبر بمثابة الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة.
وجاء ذلك بعد الموقف الحازم والمشرف الذي أخذه الرئيس تشافيز خلال العدوان الصهيوني على غزة، والمتمثل بطرده السفير الإسرائيلي من فنزويلا ثم قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وأتبع ذلك بتصريح قال فيه: «إن إعادة العلاقات غير واردة مع كيان قام بعدوان وحشي على غزة وقتل المئات من المدنيين غالبيتهم من الأطفال مستعملاً أفتك الأسلحة المحرّمة دولياً».
قد يتوقع المراقب العادي أن تقابل الأنظمة العربية هذا التصرف بالشكر والامتنان لفنزويلا ورئيسها تشافيز.
إلا أن العودة قليلاً لمجريات الأحداث في المنطقة تشير إلى إمكانية اتخاذ بعض الأنظمة العربية موقفاً مخالفاً لهذا التوقع. فإثر إطاحة الشعب الإيراني بنظام الشاه، الصديق الحميم للكيان الصهيوني، فإن من أول الإجراءات التي اتخذتها القيادة الإيرانية الجديدة هو طرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وإقامة علاقات دبلوماسية مع منظمة التحرير الفلسطينية وتسليمها مبنى السفارة الإسرائيلية لتمارس منها مهامها الدبلوماسية.
فماذا كان رد فعل بعض (دول الاعتدال العربي) على هذا الموقف النبيل والأخوي؟ كان الرد بأن شجعت هذه الدول الرئيس السابق صدام حسين على غزو إيران دون أي مبرر. وأغدقت عليه المال والسلاح وبذلت كل إمكاناتها ليتمكن من إسقاط النظام الإيراني الجديد. وبعد فشل الغزو العراقي لإيران لم تتوقف بعض الأنظمة العربية عن الكيد للنظام الإيراني وإلصاق شتى الاتهامات الباطلة به، محاولة زعزعة أمنه والعمل على إسقاطه. ولعل المهزلة المفتعلة التي سماها النظام المصري (قضية خلية حزب الله) أحد الأمثلة على هذه المحاولات والتي حُوّل فيها دعم حزب الله للمقاومة الفلسطينية البطلة في غزة في مواجهتها للغزو الوحشي الإسرائيلي، إلى مؤامرة إيرانية على الأمن المصري ينفذها حزب الله، ورافق ذلك ضجة إعلامية معادية.
جوهر الموضوع يتلخص في أن هذه الأنظمة العربية منضوية تحت المظلة الإمبريالية الأمريكية وتابعه لها وتنفذ رغباتها. لقد كانت إيران الشاه تمثل إلى جانب الكيان الصهيوني القاعدة الأساسية للإمبريالية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة إضافة لأن الإمبريالية كانت تسيطر على الثروة النفطية الكبرى الإيرانية. وبعد نجاح الثورة الإيرانية أعاد الشعب الإيراني ملكيته على ثروته النفطية وتحولت إيران إلى كيان مناهض لمخططات الهمجية الإمبريالية الأمريكية الصهيونية على المنطقة، ومتحالفة مع الأنظمة المتصدية لهذه المخططات، ومساعدة لحركات المقاومة المناضلة ضدها. فلن تكف هذه الإمبريالية والأنظمة التابعة لها عن عدائها للنظام الإيراني والكيد له، والتآمر عليه لإسقاطه، إلا إذا عادت إيران إلى حظيرتها وأصبح النفط الإيراني تحت سيطرتها.
لا يختلف وضع فنزويلا عن مثيله الإيراني من وجهة نظر الإمبريالية الأمريكية والأنظمة السائدة في ركابها. فقد استطاعت الثورة البوليفارية في فنزويلا إزاحة الهيمنة الأمريكية عن بلادها واستعادت امتلاكها لثرواتها النفطية وغيرها، كما أنها تحالفت مع كوبا البطلة الصامدة، حيث دعم هذا التحالف نضال شعوب أمريكا اللاتينية للتحرر من السيطرة الأمريكية وأدى ذلك إلى تغيرات هامة لمصلحة شعوب المنطقة.
لذلك لا يمكن أن تقبل الإمبريالية الأمريكية بهذه الأوضاع فراحت تحيك المؤامرات المتتالية للقضاء على الثورة البوليفارية وجميع المتحالفين معها وإعادة الأوضاع لما كانت عليه تحت الهيمنة الإمبريالية الأمريكية.
إن المقاربة بين موقف بعض الأنظمة العربية المرتبطة بالإمبريالية الأمريكية من الثورة الإيرانية وموقفها من الثورة البوليفارية، ليس نوعاً من جموح الخيال، بل للتأكيد على أن المخططات الإمبريالية الهادفة للهيمنة على مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها وأساليب تنفيذ هذه المخططات هي متشابهة في كل أنحاء العالم.
كما أن تصدي الشعوب لهذه الهيمنة للحفاظ على استقلالها وصون ثرواتها متشابه أيضاً، وإن انتصار أي شعب في أي مكان في العالم يعطي دفعاً لنضال شعب آخر في مكان آخر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 408