د. منذر سليمان: القوة الذكية لـ«أوباما» لن تمنع انهيار المشروع الإمبراطوري الأمريكي

مقتطف من حوار أجراه وعد أبوذياب مع د. منذر سليمان مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية، ونائب رئيس المجلس الوطني للعرب الأمريكيين.

• د. سليمان، مرت أشهر على وصول «أوباما» إلى البيت الأبيض ووعوده بالتغيير. هل العالم يتغير حقاً؟
شعار التغيير الذي رفعه «أوباما» قبل الانتخابات يصطدم بعقبات متعددة، لا تقتصر فقط على العقبات الموضوعية التي يختزنها النظام الرأسمالي المتأزم بطبعته الأمريكية، إنما بالألغام التي تركها الرئيس بوش الابن، والتي يعد أكبرها وأبرزها التدخلات العسكرية الخارجية بصورة أساسية ونزعة الهيمنة والتفرد على المسرح الدولي من الولايات المتحدة الأمريكية.
المشكلة أن خطاب «أوباما» يركز على العلاقات العامة ويتجاوز حدود الألغام والعقبات. على سبيل المثال لم يتحدث «أوباما» عن كيفية إدارة النظام الاقتصادي العالمي وطبيعة النموذج الاقتصادي العالمي الأنجح في إطار العقبة الاقتصادية المستعصية، بل انطلق في خطابه المتعلق بالعلاقات العامة والممزوج بشخصية كاريزمية تكاد تعادل شعبية نجوم الروك ونجوم السينما، من معطى أن الهيمنة العسكرية الأمريكية مسألة خارج إطار النقاش مستنداً على فائض القوة العسكرية والتقنية الأمريكية.
إذاً، لن نجد تغييراً جوهرياً في وجهة الولايات المتحدة، بل نجد تغييراً في الأساليب والانتقال من اعتماد أحادي الجانب على القوة العسكرية إلى محاولة اعتماد مزيج ربما بين القوتين العسكرية والدبلوماسية، أو استخدام العمليات السرية والقوات الخاصة.

• لكن دون شك تختلف سياسات «أوباما» عن سياسات بوش الابن، أين برأيك يكمن هذا الاختلاف إذا كانت سياسة الرئيسين في جوهرهما واحدة؟
يعتقد «أوباما» أن الولايات المتحدة استخدمت القوة «الغبية» لتحقيق مشروعها، تاركة القوة الذكية التي تشكل مزيجاً من القوة العسكرية والقوة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافة. وهذا هو العنوان العريض لكيفية عمل إدارته وتعاطيها مع الشأن الدولي وبصورة خاصة السياسة الخارجية.
إذاً الولايات المتحدة في ضوء الوضع الدولي الراهن ستعمد إلى استخدام القوة الذكية، والمهم أن نكون في منتهى الحذر كي لا نقع في فخ اللغط بين حملة الدعاية العامة التي يعكسها هذا الخطاب في لهجته، وبين الواقع الموضوعي في تصرف «أوباما» بقطع النظر عن رغباته وطموحاته بأن يكون رئيس التغيير المنشود.

• ربما ما حدث في إيران بعد انتخاب نجاد لولاية ثانية هو أحد وجوه السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة؟!
نعم، إذ كان واضحاً تماماً في الأحداث التي رافقت الانتخابات الإيرانية وجود عمليات تجري تحت سطح الحديث عن الحوار والتلميح بالتهديد العسكري، ويمكن إدراج هذه العمليات في إطار حرب الكترونية وإعلامية وسرية ساهمت في خلق مناخ داخلي في إيران. ويندرج أيضاً تحت الوجه الجديد للسياسة الأمريكية استمرار الولايات المتحدة في حملتها في أفغانستان التي تذكرنا بحرب فيتنام، رغم الحديث عن عدم وجود أفق للعمل العسكري في تلك المنطقة. إضافة إلى ما تم تقديمه من مقايضة خاوية تتعلق بتجميد المستوطنات في مناطق الاحتلال مقابل المزيد من التنازلات من جانب عرب التبعية الرسمية أو معسكر التفريط. علماً أن هذا الموضوع لا يجب أن يكون قابلاً للمقايضة، إذ أن هذه المستوطنات من إفراز الاحتلال وغير شرعية أو قانونية بموجب القرارات الدولية.
اليوم، أمام أمريكا خياران، إما أن تقتنع النخبة الحاكمة بأن المشروع الإمبراطوري الأمريكي عبر القواعد والوكلاء والأنظمة التابعة يتعثر فتتراجع، وإما أن تقتنع عبر «أوباما» بوجوب إدارة عملية التراجع والانعطاف الإستراتيجي للتحول من دولة ذات مشروع إمبراطوري على مستوى الكرة الأرضية إلى دولة قوية وازنة شريكة كشركاء آخرين في صياغة نظام دولي أكثر توازناً وعدلاً. وبتقديري لم تقتنع النخبة الأمريكية الحاكمة بعد بتعثر المشروع وضرورة التراجع، مما يسلط الضوء على حاجة حقيقية لدفعها للاقتناع ولو مضطرة.

• كيف يمكن أن يتحقق هذا؟ أو بمعنى آخر، ما هي الأساليب التي يمكن أن تقنع أمريكا بضرورة التراجع والتسليم بفشل مشروعها؟
الولايات المتحدة ستبدأ في التفكير بالتراجع تحت ضغط الكلفة الباهظة لمشروعها، ومن المؤسف أن القوى الرسمية النافذة على المسرح العربي والإسلامي سلّمت كل أوراقها للولايات المتحدة، ولا تستطيع أن تلعب دوراً ما في هذا الإطار.

• ألا تعتقد أن أمريكا تئن الآن تحت الضغط الذي ذكرته، فكثير من وسائل الإعلام تحدثت عن تكاليف الحرب الباهظة ولاسيما في العراق منتقدة هذه الحرب؟
باعتقادي «أوباما» يشكل مرحلة تحضيرية للوصول إلى هذه القناعة بالرغم من عمله على الحفاظ على قوة الهيمنة الأمريكية.

• كم ستمتد هذه الفترة التحضيرية، سنة، عشرات السنين...؟
«أوباما» إلى الآن يركز على الحفاظ على مستوى قوة معين للهيمنة الأمريكية دون أن يصارح شعبه والعالم بفشل مشروعه المكلف والمدمر. لذلك مدة هذه الفترة تعتمد على تصرف الأطراف العالمية الأخرى تجاه الولايات المتحدة. وعلى المجتمع الدولي والولايات المتحدة و«أوباما» اختصار آلام البشرية من الحروب والبؤس ووضع المشكلات المستعصية الأساسية في العالم كالفقر والبطالة والتلوث البيئي والنزاعات الإقليمية والمرض في قائمة ملفاتها الأولية.
إن «أوباما» يستخدم القوة الذكية كغطاء لاستمرار استخدام القوة الغبية، ولا تزال القوى والمصالح التي تقف خلف النخبة الحاكمة بتوجهاتها الإستراتيجية تعتقد أن استخدام القوة العسكرية أمر مشروع ومطلوب لمحاربة الإرهاب.
بقطع النظر عن التجربة التاريخية والخلفية وطبيعة انتماء «أوباما» ولونه، يجب التسليم بمجيئه من ضمن المؤسسة الحاكمة التي تضم جناحين جمهوري وديمقراطي. وهو بشخصه يستطيع تقديم تمويه جيد للقناع الذي يخفي حقيقة استمرار المشروع الإمبراطوري الأمريكي بوسائل مختلفة. خطاب «أوباما» المرن كخطاب القاهرة مثلاً الذي نثر فيه الآيات القرآنية الكريمة للتقرب من العالم الإسلامي أخفى الكثير من الأخطاء التاريخية والمغالطات وحقيقة الفهم الخاطئ للوضع الدولي والصراع العربي الإسرائيلي والموقف الأمريكي من العالم الإسلامي.
أنا أسلم بوجود اختلاف بين «أوباما» وبوش الابن يظهر جلياً في مستوى الخطاب واللهجة، لكن على المستوى الفعلي وخاصة في الحضن والبطن الرخو الإسلامي العربي نجد أنه كما بوش يتصرف عسكرياً في العراق وأفغانستان.
كيف تقيّم تعاطي الدول العربية ولاسيما ما يسمى بـ«دول الاعتدال» مع هذا الاختلاف الشكلي؟
معسكر التفريط (العربي) يعتقد أن باستطاعته الالتفاف على مواقفه السابقة التابعة لإدارة بوش، ويعتقد أن مقاربة «أوباما» الجديدة هي المقاربة التي كان ينشدها ولم يستطع نيلها في عهد بوش.
هذا المعسكر سيقول لمعكسر المقاومة، أنا أستطيع عبر علاقاتي التاريخية، وبسبب التصاقي بالمشروع الأمريكي، انتزاع مكتسبات طالما أن أمريكا ترغب في الحلول والتفاوض والحوار .
هذا المعسكر يهدف كحد أدنى، من خلال الانفتاح على معسكر المقاومة عبر الحوار والاستعداد لإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية متدرجة، نقل تلك القوى التي تقف عقبة في وجه المشروع إلى الموقف الحيادي، إذا لم يكن نقلها إلى حضن قوى التفريط...

معلومات إضافية

العدد رقم:
414