مستقبل مصر والحكومة الجديدة: أصوات أمريكية: لماذا ننظر إلى العراق مادام التغيير في الشرق الأوسط يمر عبر بوابة مصر وفقط مصر

٭ رفض سعودي مصري معلن يناقض ما يحدث على الأرض

٭ حكومة أحمد نظيف والتغيير غير المعلن

انقلاب وزاري:

بدأ الحديث في مصر حول تغيير وزاري مرتقب، في نهاية السنة الماضية وبداية السنة الجارية ومع مرور الوقت تأخر هذا التغيير، وعندما تعب المحللون من تحليلاتهم وتوقعاتهم، ورغم كل التكهنات التي استمرت لأشهر عن الوزارة الجديدة، إلاّ أن التغيير جاء مفاجئاً، فبعيد عودة الرئيس المصري من علاجه في ألمانيا من «انزياح في الفقرات»، دعيت حكومة حمدي عبيد لتقديم استقالاتها بطريقة سريعة، وهو ما حدث لتجتمع الحكومة لنصف ساعة كتبت خلالها بيان استقالتها وقبيل انتهاء الاجتماع بعشر دقائق، خرج السيد أحمد نظيف من الاجتماع، وتوجه إلى رئاسة الجمهورية المصرية، ليكلف بتشكيل الوزارة الجديدة، وبهذا يكون نظيف هو أول رئيس حكومة غير مختص بالشؤون الاقتصادية.

سيناريو الانقلاب الأردني

ما بين قمة دول الثماني وبين ذهاب الرئيس حسني مبارك إلى العلاج في ألمانيا حدثت مجموعة من المتغيرات على الصعيدين العربي والدولي. رفعت خلالها شعارات داخل الأجنحة المعتدلة - إن جاز التعبير- في أجهزة الحكم الأمريكية تقضي بتغيير جديد داخل الشرق الأوسط مفتاحه مصر بالدرجة الأولى، ولتحتل أغلفة الصحافة الأمريكية على مدى الأسابيع مرض الرئيس مبارك عناوين كان من أبرزها عناوين التايمز والنيوز ويك والأوبزرفر على شاكلة: «فلننس العراق- مفتاح التغيير في الشرق الأوسط هو القاهرة»، مصحوباً في عدد النيوز ويك بصورة جمال مبارك بن الرئيس المصري حسني مبارك.

لماذا مصر:

مع التأييد الكبير لمشجعي الديمقراطية القادمة فإن أميركا لا تزال مصرة على التركيز على كل من مصر والمملكة العربية السعودية، فبالرغم من المعارضة التي تبديه هذه كل من الدولتان فإن أميركا ما تزال مصرة على إدخالهما ضمن المشروع «الشرق أوسطي» الذي ترسمه للمنطقة، للبعدين التاريخي والديني لكل من البلدين وفقاً لتعبير كونداليزا رايس: لن نسعى وراء الدول الصغيرة فهي ستجري وراءنا، فدورها يشبه حجمها، لكن علينا أن نركز على الدول الأكثر فاعلية. كمصر والسعودية، وبذلك يتمهد الطريق أمام المشروع بكليته.

تبعاً للوثائق والمنشورات المعلنة وغير المعلنة فإن كلاً من مصر والسعودية أبدت رفضاً شديد اللهجة لمشروع جورج بوش الابن للتغير في الشرق الأوسط، وقد كانت ردود فعل الرئيس حسني مبارك حادة وقوية في رفضها للمشروع كما كانت ردود ولي العهد السعودي. إلاّ أن التعبير الأكثر قوة عن رفضهما لهذا المشروع كان في غيابهما عن غداء العمل الذي أقيم خلال فعاليات مؤتمر الثمانية، ففي الوقت الذي سارعت فيه كل من البحرين والجزائر واليمن إلى الحضور، وسعت للعمل في الاتجاهات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تواجدت دول أخرى بشكل أكثر فاعلية وقامت بسعيها الخاص -سواءً كان معلناً أو غير معلن - كالأردن التي حضرت جزءاً من هذا اجتماعات الثماني، وتعمل على تحضير بناها التحتية لتعمل بشكل فاعل أكبر وأكثر سعة في المرحلة الانتقالية القادمة. 

لماذا مصر؟ ولماذا مصر رغم كل العناد التاريخي المشهورة فيه؟ سؤال مشروع طرحته العديد من وسائل الإعلام. والجواب حسب وسائل الإعلام الأمريكية هو لأن مصر تمتلك الكثير من المقومات لكي تلعب دورها في تغيير اقتصادي/ أيديولوجي في المنطقة، وهي التي كانت صاحبة الكثير من المبادرات والفاعليات في هذا الاتجاه عبر السنوات الماضية، كما أنها كانت قد لعبت دوراً كبيراً في المشروع القومي العربي وتفعيله خلال سنوات ما قبل وما بعد جمال عبد الناصر، ((كما أنها تخلصت من ازدواجية الفكر القومي التصالحي الذي لا تزال تعاني منه الكثير من الأنظمة العربية الأخرى))، وتتميز بقانون طوارئ مخفف عن قوانين الطوارئ المطبقة في دول عربية أخرى، وكل هذه النقاط كانت من ضمن التحليلات الوصائية للمرحلة القادمة.

وهو ما دعا الكثير من المحللين والمفكرين السياسيين إلى توقع دور متنامٍ لجمال مبارك في هذا الدور مع العلم أن جمال مبارك لا يعمل ضمن أي من التشكيلات الحكومية، ولم يكن له أي دور بارز في المجال السياسي باستثناء رئاسته الحديثة العهد للجنة السياسات في الحزب الوطني، وهو الحزب الحاكم في مصر، إلاّ أن دوره كرجل أعمال متنفذ داخل أجهزة السلطة، ودوره في إبرام الكثير من صفقات التجارة الخارجية، وتحركه الكبير داخل الحزب والعمل على تطويره من وجهة نظر ليبرالية، ودعمه الواضح لجهة خصخصة الكثير من القطاعات المصرية، جعلت عيون الغرب موجهة إليه قبل مواطنيه. 

لم يخل تحليل لصحيفة عربية أو غربية في الساعات والأيام القليلة التي سبقت تشكيل الحكومة من إشارة إلى دور كبير سيلعبه جمال مبارك في الحكومة الجديدة، البعض لعب على وتر الشباب، والبعض الآخر عمل على تحليل الظاهرة من جهة اقتصادية بحتة.استمرت التحليلات حتى صدرت أسماء الوزراء، لكنها لم توقف التحليلات والتأويلات.؟ 

تغييرات ودور جمال مبارك:

جاءت الوزارة بـ 30 وزيراً مع بعض التغييرات، احتفظ فيها أصحاب المناصب الرئيسية بأماكنهم بينما، حظيت لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم والتي يرأسها جمال مبارك بـ6 مقاعد هي: يوسف بطرس غالي الذي حل في وزارة الملية، رشيد محمد رشيد في وزارة الصناعة والتجارة الخارجية وهو أول رجل أعمال بارز يدخل في الوزارة محمود محي الدين وزير لتنمية الاستثمار وهي وزارة مستحدثة، أحمد جمال الدين موسى وزارة التربية والتعليم طارق كامل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وأنس الفقي وزارة الشباب. 

وبالرغم من أن تشكيلة الوزارة وفقاً للمحللين والدارسين السياسيين توحي بأنها مؤقتة لن تدوم لأكثر من عام ونصف، فإن تشكيلة وزارية من هذا النوع توحي بأنها تجريبية أكثر مما هي مؤقتة، فبالرغم من أن الوزارة الجديدة قد أقالت وزير الزراعة السابق (30) عاماً في الخدمة، إلاّ أنها أبقت على مجموعة أخرى من الرعيل السابق في وزاراتهم وتم تعيينهم مباشرة من قبل رئاسة الجمهورية، وبالمقابل دخلت إلى هذه الوزارة مجموعة اقتصادية تشكل فيما بينها كتلة داخل الحكومة، أحد هؤلاء هو رجل أعمال والبقية مهتمون في مجال خصخصة القطاعات. بالإضافة إلى كل ذلك فإن كل من أبعدوا عن كاهل السلطة لن يرتاحوا بل ظلوا داخل آلة السلطة بشكلها ومضمونها الأوسع، وهذا ما يطرح اسئلة أكبر، ما القصد من هذا التغيير، وإلى أين ستتجه مصر بعد ذلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
225