هل نُقلت السلطة والسيادة للعراقيين؟

قامت سلطات الاحتلال الأمريكية، قبل يومين، من الموعد المحدد بما وصف بـ «نقل السيادة الكاملة» إلى حكومة إياد علاوي المعينة أصلاً من الحاكم الأمريكي بول بريمر، لا من الشعب العراقي ولا من قبل مجلس نيابي شرعي منتخب، ووسط أجواء من الكتمان والحذر، وغادر إثرها بريمر، غير مأسوف عليه، وبدون توديع رسمي عائداً إلى وطنه، وفي الوقت نفسه، وصل خلفه جون نيغروبونتي، أبرز مخططي الحروب الأهلية ومنظمي فرق الموت في دول أمريكا الوسطى ليكون «سفيرا»، لاحاكماً مطلقاً، من وراء الستار لدى بغداد.

لقد جرى تقديم موعد «نقل السلطة» يومين، لأسباب أمنية. فقوات الاحتلال الأمريكية عجزت عن ضبط الوضع الأمني، بل حتى عن حماية حفل بهذه الأهمية لواشنطن.

إن تمثيلية «نقل السلطة» للعراقيين لقيت ترحيباً متحفظاً جداً، بل لم تنطل على احد، وهي بعيدة عن أن تصبح واقعاً ملموساً وأبرز دليل على ذلك:

٭ عدم توقيع أي اتفاقات أمنية ترعى وجود القوات الأجنبية في العراق، وهذا يعني أن الوضع يخضع لقرار مجلس الأمن الذي ينص على خضوع هذه القوات إلى قائدها الأميركي، وعلى أن لا يتجاوز تدخل الحكومة العراقية في شؤونها مدى «التنسيق».

٭ قيام بريمر قبل ثلاث ساعات من تسليم السلطة بتمديد أمر يمنح الحصانة القضائية للقوات الأجنبية والمدنيين الأجانب العاملين في الشركات التي تعمل في العراق.

٭ وفي إطار المحاولات المسرحية التأكيد «بزوال الاحتلال»، أعلنت السفارة الأميركية في بغداد أن واشنطن أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بعد قطعها عام 1990.

٭ والسؤال الذي لم يجب عليه الأميركان ولا حكومة إياد علاوي، وهو: متى ستخرج القوات الأجنبية من العراق؟ .فما دامت هذه القوات موجودة، فالأمن لن يستتب، والعراق لن يستقل، والحرية والديموقراطية لن تسود، وحقوق الإنسان لن تصان، والثروات المنهوبة لن تعاد إلى أصحابها الشرعييين.

ما هو القصد الأميركي؟

إن القصد الأميركي من كل ذلك هو إنقاذ «الأساسي» في «مشروع العراق»، ويتمثل بـ:

• قيام حكومة عراقية تعتمد نظاماً فيدرالياً وليبرالياً.

• فتح الأسواق العراقية على مصراعيها أمام الشركات الغربية والأميركية خصوصاً وإلغاء القطاع العام.

• توفير احتياطي نفطي للاحتكارات الأميركية.

• أن تلعب حكومة علاوي دور المستفيد المحلي والعربي والإسلامي لاستراتيجية كونية تعتبر، لأجيال لاحقة، «الشرق الأوسط الكبير» مسرح عملياتها.

• وإن عراقاً من هذا النوع يتيح للأميركيين قدرات ضغط على خصوم إقليميين، وإرغام متمرددين على التخلي عن ترددهم.

• توفير البيئة المناسبة لفرض القدر الممكن من التوسع الإسرائيلي.

ومن أجل إنقاذ «الأساسي» في المشروع الأميركي اضطرت واشنطن غير مرة إلى القيام بعملية تغيير جلد جزئية مثل تسليم السلطة منها:

٭ تغيير الحاكم الأول للعراق الجنرال جاي جارنر وإحلال بريمر محله.

٭ التخلي عن أحمد الجلبي العميل الموثوق للسي.آي.إي.

٭ التسويات في الفلوجة ومع جيش المهدي.

٭ التنازلات التي فاز بها السيستاني على حساب الأكراد.

 الاحتفاظ بعدد كبير من القوات والتفكير في زيادة عددها.

وهكذا يتبين أن ثمة ثلاثة أوجه استراتيجية باتت معتمدة لدى واشنطن وهي:

• تسليم السلطة للعراقيين.

• الإصرار على إنقاذ الجوهري في المشروع الأميركي.

• القبول بتعديلات تجميلية.

حدود سلطة السيادة

و السؤال الذي يطرح نفسه. هل تتمتع حكومة إياد علاوي بكل سلطات السيادة؟ والإجابة عن السؤال هو النفي.

فواشنطن بيدها وسائل ضغط قوية أهمها الوجود العسكري على الأرض العراقية. وبلايين الدولارات من الأموال التي خصصها الكونغرس للإعمار، فضلاً عن ذلك، وجود 150 مستشاراً في الوزارات المختلفة، حيث سيمارسون نفوذهم الواسع، وسيبقى العراق محكوماً، فترة طويلة بقوانين وتوجهات وضعها بريمر في خلال الشهور الأخيرة، منها المراسيم التي أصدرها بريمر، تمنع بموجبها العمال من القيام بإضرابات،و إيجاد الأجواء المريحة لعمل الشركات الأميركية.

إن الملف العراقي أصبح في يد وزارة الخارجية الأميركية بالدرجة الأولى، لا البنتاجون ومجلس الأمن القومي، وستكون مهمة السفير الأميركي إقناع العراقيين بعدم إثارة قلق المستثمرين أو إجبار المتعاقدين الأميركيين على مغادرة العراق في حال إلغاء حصانتهم القضائية.

وقد سخر الكاتب البريطاني روبرت فيسك من ادعاء الأميركيين بـ «تسليم السلطة للعراقيين، حيث مازال الاحتلال ومظاهره على حالها دون تغيير». وأضاف أن الأميركيين يعترفون بأنهم أخفقوا في تحقيق أهدافهم، وأن كل آمالهم تنحصر الآن في منع انفجار الأوضاع حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وبعدها يستطيعون رد كل الأخطاء إلى العراقيين والادعاء بأنهم حرروا العراق ومنحوه الديموقراطية، ولكن العراقيين أساؤوا استخدامها!!

المقاومة ولا سبيل غيرها

إن الإمبرياليين الأميركيين جاؤوا إلى العراق لتحقيق مشروعهم الذي رسموه منذ سنين، ولن يخرجوا بمحض إرادتهم، ولذلك فليس أمام الشعب العراقي، وقواه الوطنية والإسلامية إلا المقاومة لهذا الاحتلال وإجباره على الرحيل، وحتى تكون المقاومة مجدية وفعالة، لا بد من تنظيم جميع القوى المعادية للاحتلال في جبهة واسعة ومتراصة وصياغة برنامج يعد العراقيين ببناء مجتمع تسوده الحرية والديموقراطية، وتصان فيه حقوق الإنسان، والعيش الكريم للمواطنين العراقيين بدون استثناء، ومن أجل ذلك لا بد من أن تستخدم في نضالها النبيل جميع الوسائل بما فيها القوة المسلحة. فالعدو لن يخرج بمحض إرادته، إلا عندما يرى أن الوضع لم يعد مطاقاً، وأن العودة من حيث أتى هي الأسلم له وترك العراقيين يقررون مصيرهم بأنفسهم وبحرية تامة.

 

٭ عادل الملا

معلومات إضافية

العدد رقم:
225