شركات السلاح الأمريكية وصناعة الحروب..

■ لوبي السلاح ولوبي النفط واللوب اليهودي، والحرب المستمرة على العالم...

■ الحروب الأمريكية... هروب من حالة الركود والأزمات الاقتصادية المستعصية...

ديمقراطية  بوش، هي في حقيقة الأمر ليست إلاّ غطاء لمصالح تحالف غير مقدس بين بضع شركات كبرى، لايتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة، تسيطر على سوق السلاح والبترول في العالم، وبين جماعات الضغط اليهودية القوية، وبين عناصر الرجعية الجديدة التي تسعي  الي توفير غطاء ثقافي للاغراض الخفية. كل قرار تتخذه ادارة بوش، وكل  خطة يعتمدها الكونجرس، له ترجمة رقمية مباشرة، على شكل بلايين الدولارات التي تدخل خزائن تلك الشركات..

فما هي مصداقية هذه التحليلات؟

لقد هيمنت صناعة العسكرة والسلاح منذ الحرب العالمية الثانيةعلى السياسة الخارجية الأمريكية، فبيع السلاح وتجارته يمثل اليوم أهم سلعة دولية ويحتل مركزا متقدما للغاية في قائمة أكثر السلع تأثيرا في حراك الاقتصاد العالمي وهي تُعد دولة الانتاج والتصدير الأولى.

فالصناعات الحربية الأميركية تمثل طوق النجاة للاقتصاد الأميركي فيها وحدها يمكنه الخروج من شبح الركود واحتواء التداعيات السلبية لتدنى قيمة الدولار وارتفاع معدل البطالة  وتراجع مؤشر الثقة فى مناخ الأعمال. 

ويشيرعدد كبير من الخبراء الى أن كل حرب من حروب الولايات المتحدة الأميركية، تأتي عادة بعد حالة ركود وأزمة اقتصادية تكون الولايات المتحدة الأميركية قد مرت بها، وقد سبق احتلال العراق، أن المؤشرات الاقتصادية الأمريكية قد تدنت الى المستوى الذي وصلته خلال الشهور الأخيرة من عام 2002 والأولى من عام 2003 ولذا فإن كثيراً من الاقتصاديين توقعوا أن يعود الاقتصاد الأميركي بعد انتهاء عملية العراق، الى حالة الانتعاش السابقة التي كان يعيشها قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، لذلك كانت الحرب طريقا للخروج من مأزق اقتصادي.

صناعة القتل و الدماء

أما بالنسبة لدوائر صناعة السلاح الأميركيةومثيلاتها في الدول الغربية الأخرى، فانه من الضروري تأمين شروط استمرارية الصناعة، وذلك عبر تأمين اندلاع الحروب، فحالة السلم تمثل العدو الأول لشركات تصنيع الأسلحة، والمتتبع لتاريخ الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، يعرف أنها تعوّدت أن تخوض بنفسها حربًا كبيرة خلال كل عشر سنوات، بالاضافة الى اشعالها عشرات النزاعات المسلحة والحروب الصغيرة، وفي حالة العراق لم يكن لوبي صناعة السلاح يقف وحيدا في الواجهة، بل سانده أهم لوبيين اقتصاديين في البلاد: لوبي النفط، واللوبي اليهودي، اللذين تتشابك علاقاتهما ومصالحهما. فكلفة الحرب على العراق تقدر بمائة مليار دولار، ثلثاها على الأقل ذهب إلى خزينة شركات الأسلحة، كما تدر عمليات اعادة بناء الجيش العراقي بعد الحرب، فضلا عن جيوش بعض دول المنطقة المحيطة، عائدات لن تقل في حجمها عن تلك التي تجنيها أميركا عبر الحرب نفسها وقد كلّف البنتاغون شركة هاليبيرتون للقيام بدراسة سرية حول كيفية تنفيذ هذا العمل.

وقد حصلت على 9. 3 ملايين دولار لتكتب تقريرها الأولي، ثم دفع البنتاغون لها 5 ملايين دولار أخرى لتطوير هذه الدراسة. ثم اختار في آب 1992، سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي هذه الشركة لتقديم كل الأعمال المطلوبة لدعم القوات المسلحة خلال فترة السنوات الخمس المقبلة بالتوافق مع الدراسة التي كانت قد أعدتها هي بنفسها. 

وقد كان هناك هامش ربح مضمون يتراوح بين 1 و9 %، مما يجعل العقد صفقة نادرة، وقد تلقت هاليبيرتون 109 ملايين دولار مكافأة لها عن خدماتها في الصومال. وعلى مدى السنوات الخمس التي أعقبت ذلك تقاضت الشركة 2.2 مليار دولار عن الخدمات المشابهة في البلقان. 

رشاوى القتلة

 وحين نجح نيوت غينغريتش في إعادة مجلس النواب للسيطرة الجمهورية عام 1994، شعر تشيني بالاطمئنان لعودة أمريكا إلى اليمين من جديد. لكن لجنة العمل السياسي لم تجمع ما يكفيه من التبرعات ولم تنل بالقدر نفسه من الأهمية، وقد اكتشف أنه لا يتمتع بالقدرة على أن يكون في مركز الاهتمام الشعبي العام، ولهذا فضل العمل في الظل. فتعاقد للعمل في هاليبيرتون عام 1995 رئيسا تنفيذيا للشركة.

وفي ظل إدارة تشيني تعاملت الشركة مع الدول الثلاث التي صنفتها الخارجيةالأمريكية من بين الدول الراعية للإرهاب (العراق وإيران وليبيا). 

إفتعال الحروب

وحتى في الفترات التي لاتخوض أميركا فيها حروبا مباشرة فان حجم مبيعاتها من

السلاح كبيرة. ففي الفترة بين 1993 ـ 1996كان حجم المبيعات الأميركية 124 مليار دولار، تبلغ نسبة السماسرة والوسطاء منها 10 %. اذ الحرب وحدها قادرة على أن تيسر تحقيق الرخاء، كما يبدو الدور الأخطبوطي لشركات صناعة السلاح في اشعال الحرب أمرا طبيعيا نظرا للعوائد التي يحققها المستفيدون.

إن نمو صناعة السلاح وتطورها يؤديان الى نمو ما يسمى «المجمع العسكري ـ الصناعي»، وذلك يعود الى ان عدداً كبيراً من المنشآت الصناعية يعتمد اعتماداً أساسياً على العقود التي يحصل عليها من وزارات الدفاع، وظاهرة المجمع العسكري ـ الصناعي موجودة في كل الدول الصناعية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. 

وقد تنبه الرئيس الأميركي الأسبق دوايت ايزنهاور الي خطورة هذا اللوبي منذ عام 1958، إذ قال في خطبة له عام 1958: «اننا يجب ان نحذر من حصول التحالف العسكري الصناعي على نفوذ  لامبرر له، فهناك امكانية قائمة لصعود قوة الى موقع لا تستحقه وليس مكانها، وسوف تستمر وتشكل كارثة وعلينا ألا نسمح لهذا التجمع الصناعي العسكري بأن يهدد حياتنا وديمقراطيتنا».

السلاح و الفساد

كما أن تجارة السلاح ترتبط ارتباطا عضويا بالفساد. فتجارة الأسلحة هي أكبر تجارة فاسدة في العالم، فالشركات التي توقَّع العقود دفعت رشاوى لوزراء في الدول المشترية لتأمين الصفقات، ويحمي هذا الفساد السرية التي يتم فرضها على مبيعات الأسلحة لحمايتها.

إن أسوأ تجار الأسلحة في الواقع هم الدول الكبرى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا، أي الدول الصناعية العظمى، فأعضاؤها هم الذين يبيعون 85% من الأسلحة للعالم سنوياً كما أن تجارة الأسلحة تمثل أيضا عملية نزح للأرصدة من دول العالم الثالث ويتم ذلك بعدة أساليب منها اثارة المشكلات السياسية والعسكرية في هذه الدول، فاثارة أية مشكلة ونزاع سياسي وعسكري يصاحبه عملية شراء أسلحة.

ففي نيكاراغوا وايران وموزمبيق وأثيوبيا، تصل نسبة الانفاق على شراء السلاح الى 34% من حجم الانفاق الحكومي، ووصل هذا الانفاق في ايران خلال الحرب مع العراق الى 80% ، وان لم يختلق باعة السلاح النزاعات، فانهم يغضون الطرف عن الهدف النهائي لاستخدام السلاح كما هو الحال مع اسرائيل، ومع حركات التمرد في الدول الافريقية المطحونة بصراعاتها.

 

■ عادل زكريا