فيديل كاسترو: سأكون في المقدمة  مدافعاً عن وطني حتى الموت

■ حديثكم عن حقوق الإنسان مضحك وأجوف يا سيد بوش...

■ يمكنكم إبادة الشعب الكوبي، لكن لا يمكنكم أبداً استعباده أو إخضاعه!!

■ لا تتحدثوا عن الحرية... فأنتم إرهابيون وقتلة...

السيد جورج دبليو بوش:

إنّ المليون كوبي الذين اجتمعوا اليوم للتظاهر أمام قسم المصالح التابع لكم ليس سوى جزءٍ بسيط من شعبٍ شجاعٍ وبطل، يتمنى أن يكون هنا اليوم معنا لو أنّ ذلك ممكن. نحن لا نقوم بذلك كرهاً للشعب في شمال أمريكا الذي نعرف جيداً جذوره الأخلاقية التي تعود للحقبة التي هاجر فيها أوائل الحجاج إلى هذه القارّة. كما إننا لا نتمنى إزعاج الموظّفين والعاملين والحرّاس في هذا المبنى الذي، في ممارسته لوظائفه، يتمتّع بكلّ الأمن وكلّ الضمانات التي يستطيع شعبٌ مثقّفٌ ومتحضّر مثل شعبنا تقديمها له.

إنّنا نجتمع، مستنكرين، للاحتجاج على الإجراءات الفظّة التي لا رحمة فيها والقاسية التي تبنّتها حكومتكم مؤخراً ضدّ بلادنا، ولإدانة تلك الإجراءات. نحن نعلم تماماً رأيكم بأولئك الذين يأتون للتظاهر هنا أو ما الذي تدّعونه: إنّها جماهير مقموعة ومتعطّشة لتتحرر، تدفع بها الحكومة الكوبية إلى الشارع. إنّكم تجهلون تماماً أنّ هذا الشعب الأبيّ والفخور والذي قاوم لمدّة خمسة وأربعين عاماً الكراهية، والحصار والاعتداءات من طرف أكثر قوى الأرض هيبةً، هو شعبٌ لا يمكن لأيّة قوةٍ في العالم جرّه مثل قطيعٍ يسير وراء بعضه بعضاً، وكلّ حيوانٍ فيه مربوطٌ بمرس. 

من المفترض أن يعلم رجل دولة - أو شخصٌ يدّعي أنّه كذلك - بأنّ الأفكار الصحيحة والإنسانية حقاً كانت على مدى التاريخ أقوى بكثيرٍ من القوّة: لم يبق من القوة سوى أطلالٍ مغبرّة وبائسة؛ ومن الأفكار، بقيت ملامح مضيئة ليس بوسع أحدٍ أن يطفئها. لقد كان لكلّ حقبةٍ أفكارها التي تتراكم، سواءً كانت جيدة أم سيئة. لكن ما نتج في المرحلة التي نعيشها، في عالمٍ بربريّ، غير متحضّرٍ ومعولم، هو الأسوأ والأفظع والأكثر ضبابيّةً. في هذا العالم الذي تريدون فرضه اليوم، لا توجد أيّة إشارةٍ للأخلاق والمصداقية والعدالة والمشاعر الإنسانية، لا يوجد أيّ مبدأ أوّلي للتضامن والسخاء.

إنّ كلّ ما يندرج تحت اسم حقوق الإنسان في عالمكم وعالم حلفائكم الذين يشاركونكم نهب الكوكب هو أكذوبةٌ كبرى. فمليارات البشر يعيشون جائعين، دون ما يكفيهم من الأغذية، دون أدوية، دون ملابس، دون أحذية، دون سقف، في شروطٍ تحت بشرية، دون الحدّ الأدنى من المعارف والمعلومات التي تسمح لهم بفهم مأساتهم ومأساة العالم الذي يعيشون فيه. ربما لم يقل لكم أحدٌ يوماً كم هو عدد عشرات الملايين من الأطفال واليافعين والشبان والأمهات والكهول أو الشيوخ الذين يمكن لهم أن يستمروا على قيد الحياة لكنّهم يموتون كل عام في «جنّة الأحلام المثاليّة» هذه التي يمثّلها كوكب الأرض، ولا الإيقاع الذي تدمّر وفقه شروط الحياة الطبيعية والتي تبدّد خلال قرن ونصف، مع تأثيراتٍ ضارّة بصورة مرعبة، والهيدروكاربورات التي استغرقت الأرض ثلاث مائة مليون عام كي تخلقها. يكفيكم أن تسألوا معاونيكم عن الأرقام الدقيقة المتعلّقة بعشرات آلاف الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية، والمدافع، والصواريخ ذات المدى البعيد والدقّة العالية، والمدرّعات، وحاملات الطائرات، والأسلحة التقليدية وغير التقليدية، الكافية لإنهاء الحياة بأجمعها على الكوكب، والموجودة تحت تصرّف ترساناتكم. 

لو أنّ ذلك حدث، لما استطعتم، ولما استطاع أيٌّ كان أن ينام. ولا حلفاؤكم، الذين يحاولون منافستكم في مجال الترسانات. حين يدرك المرء ضعف حسّ المسؤولية، وقلّة الموهبة السياسية وضعف الرغبة في التفكير، وسط البروتوكولات والاجتماعات والمستشارين، أولئك الذين يمسكون في أيديهم اليوم مصير البشريّة، ناهيك عن الخلل في التوازن بين الدول المعنيّة، حين يدرك المرء في منتصف الطريق بين الحيرة واللامبالاة مستشفى المجانين الحقيقي الذي أصبحت عليه السياسة العالمية، أين المجال لأدنى أمل؟ أنا لا أحاول الإساءة إليكم ولا شتمكم، لكن بما أنّكم قد قرّرتم إخافة هذا البلد وإرهابه وتدمير نظامه الاقتصادي - الاجتماعي واستقلاله في نهاية الأمر، لا بل وجوده إذا سنحت الفرصة لذلك، فإنني أجد من واجبي الأساسي أن أذكّركم ببعض الحقائق. من الذي أعطاكم الحقّ المعنوي أو الحقّ بالحديث عن الحرّية والديموقراطية وحقوق الإنسان في حين تحوزون القدرة على تدمير البشرية وتحاولون من خلال ذلك أن تفرضوا عليها وحشيّتكم، في حين أنّكم تتجاهلون منظّمة الأمم المتحدة، وتنتهكون حقوق أيّ بلدٍ كان، وتشنّون حروباً كي تستولوا على الأسواق والموارد الطبيعية في العالم، وتفرضون أنظمةً سياسيةً واجتماعية منحطّة خارجة من الزمن تقود الجنس البشري إلى الهلاك؟

أنتم حقاً في موقعٍ لا يسمح لكم بالحديث عن الديموقراطية، وذلك لعدّة أسباب: من بينها أنّ العالم أجمع يعرف بأنّ صعودكم إلى رئاسة الولايات المتحدة حصل بفضل الغشّ. 

أنتم حقاً في موقعٍ لا يسمح لكم بالحديث عن الحرّية لأنّكم لا تنظرون إلى العالم إلاّ تحت سلطة الإرهاب الذي تنشره الأسلحة القاتلة التي تستطيع أيديكم غير الخبيرة إطلاقها على البشريّة. 

أنتم حقاً في موقعٍ لا يسمح لكم بالحديث عن البيئة لأنكم تجهلون تماماً أنّ الجنس البشري يعيش خطر الفناء. أنتم توصمون بالوحشيّة النظام الاقتصادي والسياسي الذي سمح للشعب الكوبي ببلوغ أعلى مستويات محو الأميّة والمعارف والثقافة بين أكثر الدول تقدّماً في العالم، وسمح بإنقاص معدّل الوفيّات عند الأطفال إلى مستوى أقلّ منه في بلادكم، وبتقديم خدمات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات ذات الأهمية الكبرى اجتماعياً وإنسانياً مجاناً لجميع السكّان.

إنّه لأمرٌ مضحك أن يسمعكم المرء وأنتم تتحدّثون عن حقوق الإنسان. إنّه كلامٌ أجوف، يا سيد بوش! هذا البلد أحد البلدان النادرة في القارّة التي لم تعرف يوماً خلال خمسةٍ وأربعين عاماً حالة تعذيبٍ واحدة، كتيبة موتٍ واحدة، إعداماً واحداً خارج القضاء، ولم يصبح فيه مسؤولٌ واحدٌ مليونيراً أثناء ممارسته للسلطة. أنتم تفتقدون للسلطة الأخلاقية كي تتحدّثوا عن كوبا، البلد الأبيّ الذي يقاوم منذ خمسةٍ وأربعين عاماً حصاركم الوحشيّ، حربكم الاقتصادية وهجماتكم الإرهابية التي أودت بآلاف الضحايا وتسببت في خسائر اقتصادية بلغت مليارات الدولارات. أنتم تهاجمون كوبا لأسباب سياسية واهية، بحثاً عن الدعم الانتخابي لمجموعةٍ تزداد خسّةً من الخونة والمرتزقة الذين ليس لديهم أخلاقٌ ولا مبادئ. ليس لديكم أيّ حقٍ أخلاقي لتتحدثوا عن الإرهاب، لأنّكم محاطون بمجموعةٍ من القتلة الذين تسببوا من خلال أعمالٍ كهذه بوفاة آلاف الكوبيين. أنتم تبرهنون على ازدرائكم للحياة البشرية ولا تترددون في إصدار الأمر بالموت خارج القضاء على عددٍ غير معروف، لكونه سرّياً، من الأشخاص في العالم. 

ليس لديكم أدنى حقٍ، سوى الحقّ الذي تعطيه لكم القوّة الغاشمة، في التدخّل في شؤون كوبا، وإعلان انتقال نظامٍ إلى آخر حين يطيب لكم، وتبنّي إجراءاتٍ في هذا الاتجاه. أنتم تستطيعون بالتأكيد اجتثاث هذا الشعب، ومحوه من خارطة العالم، لكن ينبغي أن تعلموا بأنّكم لن تستطيعوا أبداً استعباده أو إخضاعه من جديد إلى الشروط الاستعمارية الجديدة للولايات المتحدة! كوبا تقاتل لتزرع الحياة في العالم؛ أمّا أنتم، فتقاتلون كي تزرعوا فيه الموت. وفي حين إنّكم تقتلون عدداً يعلمه الله من الأشخاص في هجماتكم المفاجئة والوقائية في جميع الاتجاهات، فإنّ كوبا تنقذ حياة مئات الآلاف من الأطفال والأمهات والمرضى والمسنّين في العالم. إنّ كلّ ما تعرفونه عن كوبا أكاذيب تبصقه الأفواه الشرهة للمافيا الفاسدة التي لا ترتوي لأشخاصٍ من الباتستيين القدامى وذرّيتهم، وهم خبراء في التلاعب بالانتخابات وقادرون على إيصال شخصٍ لم يجمع الأصوات اللازمة للانتصار إلى منصب رئيس الولايات المتحدة. 

إنّ البشر لا يعرفون الحرّية ولا يستطيعون معرفتها في النظام الذي تمثّلونه والذي يسود فيه كلّ هذا الكمّ من عدم المساواة. ما من شخصٍ يولد متساوياً في الولايات المتحدة. إنّ المساواة الوحيدة الجارية في الأماكن المعزولة التي يعيش فيها ذوو الأصول الأفريقية واللاتينية، في محميّات الهنود الحمر الذين عاشوا في بلدكم وجرى استئصالهم، هي حرّية الفقر والاستبعاد. إنّ شعبنا، الذي تربّى على التضامن والأممية، لا يكره الشعب في أمريكا الشماليّة، ولا يتمنى موت الجنود الشبّان في بلادكم، بيضاً وسوداً وهنوداً وخلاسيين وأمريكيين لاتينيين في كثيرٍ من الأحيان، ممن تدفعهم البطالة إلى التطوّع في الجيش حيث يرسلون بعد ذلك إلى أيّة «منطقةٍ نائية» في العالم في إطار هجماتٍ غادرة ووقائية أو حروب غزو. 

لقد أثار التعذيب الذي لا يصدّق الذي يتعرّض له السجناء في العراق استنكار العالم. أنا لا أدّعي الإساءة إليكم كما قلت. لكنني أتمنى فقط أن يضع أحد مستشاريكم تلك الحقائق أمامكم في ساعة صفاء، حتى لو لم تكن ستكسب إعجابكم. 

بما أنّكم قد قرّرتم بأنّ مصيرنا قد أبرم، يسرّني أن أنسحب على طريقة المحاربين الرومانيين بدخول الحلبة: تحيّةً يا قيصر، أولئك الذين يريدون الموت يحيّونك. لن أندم إلا على أمرٍ واحد: ألاّ أقابلك وجهاً لوجه، فأنت ستكون على بعد آلاف الكيلومترات، في حين سأكون، أنا، في الصفّ الأوّل، محارباً ومدافعاً عن وطني حتّى الموت. 

باسم الشعب الكوبي

 

فيدل كاسترو