جبران الجابر جبران الجابر

حرب في مصلحة الاحتكارات الكبرى والصهيونية

كر وفر، حرب معارك آنية ثم هدنة أيام. تلكم هي حال العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان، إلا أن اللافت للانتباه هو إجماع مجلس الأمن على إدانة ذلك. وسعي إلى التهدئة ونصح بضبط النفس.

 السودان يعزف على دعم جنوب السودان لمنظمات مسلحة تستهدف مناطق في كردفان، وجنوب السودان يضغط بمعاركه على الخاصرة النفطية لحكومة البشير، ويظل في عمق وضع الجمهوريتين أن كليهما يعاني الكثير من مشكلات الداخل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتدفعه تلك المعاناة إلى قصر النظر السياسي ويجد مهربه في صرف القوى الاجتماعية الداخلية إلى ما وراء الحدود.
إن الخطر الذي يتغلغل هو أن الصهيونية والإمبريالية تؤسسان إلى ضرورة عداوة  بين البلدين، عداوة تلغى الإيجابي في العلاقات التاريخية وتدفع نحو تبديد الثروات في نطاق الحروب، إن الصهيونية تجد أن تعميق العداوة بين الجمهوريتين هو الدرب للإمساك الاستراتيجي بمستقبل جمهورية جنوب السودان ودورها الأفريقي، أما الأمبريالية فليس هماً عندها لمن هذه البقعة النفطية، إن دوافعها تتلخص في تطويق السودان وجعله حلقة في نطاق صراعات المصالح بين الدول الكبرى.
إلا أن تلك العوامل لا يمكن أن تعتبر جوهر ما يواجهه رئيس جمهورية السودان وما يواجهه البشير. إن سلفاكير بعد عيد قيام الجمهورية لا يستطيع تأمين استمرار الالتفاف الجماهيري. فالمرحلة في الجنوب تضع مهام اقتصادية وخدمية شديدة التأثير ناهيك عن بناء البنية التحتية.
إن جنوب السودان في ظروف تمايز القوى الاجتماعية وهو في ظروف تمايزات سياسية جديدة أضافت تناقضات وتعقيدات وقوانينه لم تؤمن حقوق الشعب السوداني في ممارسة حرياته الديمقراطية ويتجذر الفساد وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية، وتدفع التوترات في مناطق عديدة من الأقاليم البعيدة عن العاصمة إلى الغرق أكثر في بناء أجهزة الدولة بالاستناد إلى العوامل الجغرافية قبل كل شيء ويلاحظ جيداً أن مشكلة الديمقراطية تتجذر في الدولتين ففي الجنوب فإن مكانة التنظيم السياسي الذي يرأسه رئيس جنوب السودان تؤسس في الواقع لوضع الاندفاع فعلياً إلى سيادة الحزب الواحد. ويؤدي  ذلك بتداعياته الاجتماعية إلى تشديد الضغط الرسمي على كل ما يرتبط بممارسة الحريات الديمقراطية. أما علاقة البشير بالقوى السياسية السودانية فأكثر تعقيداً وتردياً ويزداد دور الأحزاب السودانية المعارضة لحكم البشير الذي مازال أحد همومه استمرارية رئاسة البشير، ولا يغيب عن الذهن أن وضع العلاقات السياسية لم يؤمن فعلياً وضعاً سليماً للتعددية السياسية، ومازال ضغط أجهزة الأمن يومياً على مختلف سبل التعبير عن الآراء وحرية الإعلام.
وطبيعي لفت الانتباه إلى أن الذهاب السريع إلى المعارك بعد كل اجتماع لممثلي الدولتين، ليس له من تفسير يبعد تأثير ما قام به حكم البشير في الجنوب، وخلال فترة رئاسة البشير، وقبل قيام الجمهورية الجنوبية، كانت الوقائع في الجنوب تشكل شحنة قوية لعداء حكم البشير وتحميله مسؤولية قتل آلاف من أبناء جنوب السودان، إن ذلك العامل المؤثر في الجنوب يشجع حكومة سلفاكير على الذهاب نحو خيار الحرب ويبعدها أكثر فأكثر عن الخيار السياسي في حل المشكلات بين الجمهوريتين.
نضيف تأثير ذلك على الوعي الاجتماعي في شمال السودان حيث يبدو البشير بوضعية قوة حفاظ على مصالح السودان، ناهيك عن أن ذلك يصعد من دور الجيش ويكسبه سمعة اجتماعية تؤثر على الوعي الاجتماعي وتضعف الأنشطة السياسية المواجهة للبشير، وهكذا فديالكتيك عوامل الحرب وتداعياتها تضع القيادتين في الشمال والجنوب أمام استسهال خيار المعارك الحربية، وذلك الطراز من الحكام لم يعودنا على التعاطي مع الخلافات من منطلقات المعالجات السياسية، يضاف إلى ذلك أن صواب الحكام يتزعزع عندما يتعلق الأمر بالنفط.
إن حكام الدول النامية كثيراً ما يجهلون الأهداف والمرامي البعيدة للاحتكارات الكبرى وقد كان النفط ومازال مجالاً للتجاذب بين الحكام في تلك البلدان من جهة وممثلي الاحتكارات الكبرى على إدارات دولهم، ومثل ذلك يحتاجه البشير بعد أن أصبح متهماً من المحكمة الجنائية الدولية. وهذه الوضعية المتوفرة في النزاع بين الدولتين تضعف حكام الدولتين أمام ما تطلبه الاحتكارات النفطية، ولكن ذلك الدرب يؤدي إلى تفاقم أزمات سياسية واجتماعية داخلية تضغط على الحاكم باتجاه إيجاد الحل من خلال المعارك التي لا نهاية لها سوى إضعاف الدولتين وزيادة ارتباطاتهما بإدارات الدول الإمبريالية. ناهيك عن توظيفها في القضايا الأفريقية.
يفاخر كلا الرئيسين بأنه يخوض معركة وطنية، فالبشير يبرز دوره في سيادة جمهورية السودان وسلفاكير يريد تقديم رئاسته كعامل ضروري لابد منه لجمهورية جنوب السودان، وفي كلتا الحالتين يكمن غش الشعب وهدر موارده في استيراد السلاح ويضعف المسؤولية الحقيقية إزاء الوطن ويضعف التوجه الجاد لمعالجة مصالحه التي تكمن في إطفاء البؤر الساخنة وليس للشعب أية مصالح في الحروب ونتائجها وآثارها وما تفرضه من سياسات وأوضاع تزيد الفساد من جهة وتستره من جهة أخرى تحت عنوان مصلحة الوطن وانتصاره على الأعداء.
إن التاريخ يدل أن حكام الدول النامية الذين يفكرون بأمجادهم عبر الحروب بين دولهم ينتهون إلى براغ هامشية في مكائن الإمبريالية والاحتكارات الكبرى.