فيدل كاسترو: قوة الوعي والضمير والغريزة الإنسانية... ستسقط العولمة !!

أجرت محطة «الجزيرة» الفضائية لقاء مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو بتاريخ 5/6/2001 وذلك في أثناء الزيارة التي قام بها إلى قطر.. وقد تطرَّق اللقاء للعديد من القضايا الحارة المتعلقة بالنظام الكوبي والمسألة الديمقراطية ومستقبل كوبا بعد كاسترو، وموقفه من صندوق النقد والبنك الدوليين، والموقف الكوبي من قضية فلسطين والحصار الجائر على العراق..

ونظراً لأهمية ما جاء في حديث القائد الكوبي، تنفرد «قاسيون» بنشر مقاطع كاملة من هذا اللقاء.. وستنشر لاحقاً مقاطع أخرى...

* د. فيصل قاسم: وما دمنا في نفس الموضوع تقول: إن العولمة لن تستطيع الصمود والاستمرار على ضوء ما يحدث.. في هذا العالم في حالة استمرت هل تستطيع العيش بكرامة.. في عالم العولمة بعد أن سقطت الحدود و.. الحواجز وهم يتحدثون الآن عن التدخل في شؤون الدول، ولم يعد بإمكان بلدان العالم أن تحافظ على سيادتها.. في زمن العولمة، ولا تستطيع العيش بكرامة أيضاً باختصار لو تكرمت.

لا يمكن قبول العولمة

**  فيدل كاسترو: لا أظن أن بالإمكان حمايتها في ظل هذه الظروف العالم في فوضى، ولا يمكن قبول هذا النوع من العولمة الذي يعني أن قوة عظمى واحدة تملي إرادتها على بقية العالم وتدير ظهرها للأمم المتحدة، وتدير ظهرها لاتفاقية كيوتو، وتقيم درعاً صاروخياً وتدمر الوحدة والسلام في الشرق الأوسط، كما تستخدم الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن يمكِّن من حماية أرواح الشعب الفلسطيني.. كلا ليس في ظل مثل هذه الظروف، لن يكون هناك أمل في عيش كريم لبني البشر في هذا العالم، والعولمة لن يوضع لها حد بواسطة الأسلحة النووية، وتذكر كلامي هذا جيداً، ولكن بواسطة قوة أخطر من ذلك بكثير، وهي قوة الوعي والضمير وغريزة الإنسان.

* د. فيصل القاسم: حسناً، وهذا يقودني للسؤال .. عن الثوار ومصيرهم.. في هذا العالم. فإذا نظرنا إلى الثائر الكردي مثلاً (عبد الله أوجلان) والثائر (كارلوس) و(أسامة بن لادن) هؤلاء كلهم ثوريون انظر ما حدث لهم، لقد ضاق العالم أمامهم فهل بإمكان الثوريين، وأنت ثوري تارخي عظيم.. أن يعيشوا في هذا العالم؟

البشرية تصبح ثورية أكثر..

** فيدل كاسترو: أعتقد أن عالم اليوم هو عالم ضد الإرهاب، ولا أي شكل من أشكال الإرهاب مقبول اليوم في العالم، لأنه قتل أربعة ملايين فيتنامي، هو شكل فظيع من أشكال الإرهاب، وقتل وجرح الملايين من الفيتناميين هو شكل من أشكال الإبادة، وكذلك رؤية أطفال وهم يولدون مشوهين بسبب السموم الملايين من الأطفال في أنحاء العالم يمكن إنقاذ حياتهم، وهم يعانون. هذا شكل وحشي من أشكال الإرهاب، ودفع أمم بأكملها إلى الإفلاس والفاقة، وإلقاء القنابل على بلد، لأن بلداً آخر ببساطة يريد ذلك! كل هذه هي من أشكال الإرهاب، والبشرية تصبح ثورية أكثر ولكن بأسلوب مختلف بأسلوب بنّاء وفكري.

* د. فيصل القاسم: كيف تنظر إلى أسامة بن لادن هل تنظر إليه كثوري؟ إنه يناضل ضد الولايات المتحدة ويكافح من أجل العدل والحرية، هل تراه في هذا الإطار؟

الولايات المتحدة متعودة على الكذب !!

** فيدل كاسترو: لا أعلم عن ابن لادن، وما تقوله عن ابن لادن هو ما تقول أميركا عنه، وهي التي تلقي بالقنابل على أفغانستان. لا أستطيع أن أحدثك عن الشخص نفسه، لأنني لا أعلم ما فيه الكفاية عنه ويقال إنه يفعل أشياء معينة ويستخدم الإرهاب كوسيلة لحل مشكلة سياسية، ومن هذا المنطق أنا طبعاً لا أتفق معه، ولكن الولايات المتحدة متعودة على الكذب، لقد سألتني عن الإرهاب وقلتُ إنني أعارض تماماً كل أشكال الإرهاب.

* د. فيصل القاسم: الكلام عن ابن لادن في واقع الأمر يدخلنا إلى الوطن العربي، ماذا تفعل لو كنت محل الفلسطينيين؟ كيف ستتصرف؟

حياة ومصير البشر معرضان للخطر

** فيدل كاسترو: تسألني سؤالاً صعباً جداً، وقد التقيت أكثر من مرة أناساً سألوني سؤالاً مشابهاً، وأقصد أناساً من حركات ثورية: ماذا علينا أن نفعل إزاء هذه الحالات أو تلك؟، وأنا أتجنب إعطاء إجابة مباشرة، وذلك لأنني أعرف ماذا نستطيع نحن عمله حيال ظروف معينة، ولكن لا نستطيع نصيحة الغير، ولا ينبغي إعطاء النصائح للآخرين طالما أن حياة ومصير البشر معرضان للخطر.

* فيصل القاسم: لكن ماذا تفضل؟ هل تلجأ للمفاوضات أم إلى المقاومة والثورة؟ هل أنت مع الانتفاضة مثلاً؟

المقاومة.. والتصدي

** فيدل كاسترو: يبدو أن الانتفاضة هي نتيجة لكون الغرب أو إسرائيل لا يتفاوضان جدياً مع الفلسطينيين، ولو كان هناك احتمال لإجراء مفاوضات جدية مع الفلسطينيين فيجب ألا تضيع هذه الفرصة، أما أن تصبح المفاوضات مشتملة على القصف بالمدافع وإيقاع كل صنوف القتل، فلمَ تتوقع من الناس أن تكون ردة فعلهم مختلفة عما هي عليه الآن.

أقصد ردة فعل أولئك الذين يتعرضون لهذا النوع من الهجمات، وهناك حقيقة تكمن في كل هذا وهي أنه ولأكثر من نصف قرن ارتُكبت العديد من أعمال الإبادة، وكانوا هم الذين يعانون وسيكون من السهل علينا، ونحن جالسون هنا تحت المكيفات، أن نقول لهم افعلوا هذا ولا تفعلوا ذلك، ولكن قاوموا واقبلوا بكل الظروف، ولكن الناس يرفضون العيش تحت مثل هذه الظروف. وفقط من وجهة نظر التعامل مع القضية كمفهوم يمكن أن أقول: عندما تكون هنا حلول سياسية ممكنة أراقب ما أقول بإمعان شرط أن تكون حلولاً عاجلة وعلى قدم المساواة، فإن الشيء الأكثر معقولية عمله هو التفاوض، ولكن أمام الإبادة فإن المقاومة ضرورية، وكذلك الاستعداد للموت والتضحية والتصدي لهذه الإبادة، وأحب أن أضرب مثلاً له علاقة ببلدي. لو قامت الولايات المتحدة يوماً بغزو كوبا فسنقوم بالتفاوض مع الغزاة الأميركيين فقط لكي ينسحبوا من كوبا دون قيد أو شرط، وإلا فسنكون مستعدين للقتال حتى آخر رجل من أجل شرفنا وكرامتنا الوطنية، ولكي لا نعيش عبيداً من دون حرية أو شرف، هذا هو تفكيرنا، وأنا أعطيتك مثلاً من وطني، لأنه أسهل عليَّ أن أعطيك وجهة نظر عن وطني وما يمكن أن نفعله في وطني، من أن أقول لك ما على الآخرين أن يفعلوه أو لا يفعلوه.

* د. فيصل القاسم: وكما أرى ـ لابد وأن ينطبق ذلك ـ في واقع الأمر على وضع الفلسطيني، وما دمنا في الشأن الفلسطيني، ماذا تقول للذين يشِّبهون الصهيونية بالنازية على ضوء ما يحدث للفلسطيني الآن.. البعض لا يرى أي فرق بين الصهيونية والنازية.

الفاشية والنازية الصهيونية

 

** فيدل كاسترو: يجب علي أن أقول أولاً إنني لا أكن العداء لأي أحد.. ولا أعاني من فوبيا أو رهاب الأجانب ولأنني درست التاريخ أستطيع أن أقول لك إن العبرانيين أو الإسرائيليين ـ أو سمهم ما شئت ـ عانوا على مدى 1500 سنة من الاضطهاد والإجبار على العيش في الجيتوهات وفي فترة الحرب العالمية الثانية تعرضوا للإبادة في معسكرات الاعتقال النازية نتيجة لأفكار هتلر.. لهذا السبب أشعر بالانزعاج ـ بشكل خاص. من أن دولة أو أمة تكونت، ولا أريد الخوض في كيفية حدوث ذلك، لأن كل ما يحدث هو من مسؤولية الغرب، في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والآن هذه المشكلة الكبيرة جعلت العالم العربي يعاني هذه المعاناة. من مشكلة لم تكن من صنع العالم العربي إنها حالة عشوائية خلقها الغرب لفرض حل من دون أي رؤى لتداعيات ذلك وآثاره المستقبلية ولم أقل أبداً.. شيئاً من قبيل أن الإسرائيليين يجب أن يلقى بهم في البحر، ولن استخدم لغة كهذه، ولهذا السبب أحسب أنني أملك الأرضية الأخلاقية لأن أتحدث عن هذا ولأن أشعر بالإنزعاج الكبير مما تقوم به دولة إسرائيل بالفلسطينيين اليوم، وهو نفس الذي قام به الفاشيون والنازيون ضد اليهود.. ولكن يؤلمني عندما أرى دولة كتلك تقوم بأعمال قمع ضد الفلسطينيين. وحسب ما أتذكر كان (سايروس) آخر من حاصر القدس، وشتت اليهود في شتى بقاع الأرض، والشيء نفسه حصل مع الفلسطينيين فقد احتلت أراضيهم، واضطروا للرحيل إلى مختلف بلاد العالم.. والآن لا يعطى الفلسطينيون سوى قطع من الأرض، ويتعرضون لإبادة حقيقية، ولهذا السبب أشعر أنني أملك الأرضية الأخلاقية للتنديد وبقوة بالسياسة المتبعة ضد الفلسطينيين، وهناك أشياء خطيرة جداً فيما يخص هذا الشأن، وهي أشياء قام بها الغرب وتراكمت، وكان لها إسهام كبير في الدولة الإسرائيلية، ولا أريد الخوض في هذا الموضوع، لأنها مقابلة قصيرة، ولكن كانت هناك أمور مؤكدة حدثت ببساطة، لأن الغرب خلق دولة نووية قوية في قلب أكثر مناطق العالم عرضة للنزاعات.. وفي لحظة تاريخية معينة عندما كنا نحارب نظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا كنا نحارب نظاماً يملك 7 رؤوس نووية، التكنولوجيا الخاصة بصناعتها زودت إسرائيل بها جنوب إفريقيا، وفي هذه اللحظة التاريخية لا أحد يعرف بالضبط أين هي تلك الرؤوس النووية.. وأين انتهى بها المطاف في النهاية؟ لأن ما فعلته دولة إسرائيل كان متناقضاً تماماً مع ما اضطر الشعب اليهودي إلى مجابهته على مدى قرون.. لقد تم تغير الأدوار، ومن خلال هذه العيون ومن منطلق هذه الأرضية الأخلاقية يمكن للمرء أن ينظر إلى مصير ومعاناة الشعب الفلسطيني وأن يتمنى ـ حقيقة ـ أن يتم التوصل إلى حل، وإلى تسوية سلمية، وأن يحل السلام في هذه المنطقة التي عانت طويلاً، ولكي يأتي وقت ينتهي فيه هذا الكابوس الطويل.