أندي رويل أندي رويل

خضوع بلير لواشنطن وتل أبيب يحدد مواقف لندن

أنحى بلير باللائمة على سورية وإيران فيما يتعلق بنشوب أزمة الشرق الأوسط الحالية وأشار إلى أن الدولتين مسؤولتان عن تمويل ومساعدة حزب الله والمقاومة العراقية، وكأنما أريد تكرار هذه النقطة، فتم استدعاء سفيري سورية وإيران في لندن إلى وزارة الخارجية لتوجيه شيء من التوبيخ إليهما على ما يبدو.

وكان موقف الحكومة البريطانية من الأزمة هو موقف أمريكا ذاته منها، ودفع هذا الأمر صحيفة «ديلي تلجراف» اليمينية لتعلق قائلة: «إن تحليل بلير للاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط لا يمكن تمييزه عن تحليل المحافظين الجدد الأمريكيين»، وهكذا نرى موقفاً يتبع فيه رئيس وزراء بريطانيا العمالي الفلسفة ذاتها التي يتبعها المحافظون الجدد في أمريكا فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فكيف حدث هذا؟

في آخر كتاب للكاتب والصحافي المحقق المخضرم جون بيلجر بعنوان «الحرية ثانية»، يعطينا مفتاحاً يساعدنا على أن نجد اجابة عن ذلك السؤال وذلك حين يقول: «إن قسماً كبيراً من حزب العمال البريطاني ساند في مرة واحدة تحقيق العدالة للفلسطينيين»، ولكن لم يعد يفعل هذا، ويتذكر بيلجر ان «الاسرائيليين» بعثوا خلال تسعينات القرن العشرين مسؤولاً رفيعاً، هو جدعون مائير، إلى لندن لمصادقة زعيم حزب العمال الجديد، طوني بلير.

ودعا مائير بلير لتناول العشاء مع مايكل ليفي، وهو رجل اعمال من لندن له علاقات وثيقة بالمؤسسة «الاسرائيلية»، وتربط ليفي، الذي جمع ثروته كمنتج اسطوانات، صلات قوية مع «إسرائيل»، وقد وصفته صحيفة «ذي حيروزاليم بوست» بأنه «ومن دون شك الزعيم الوطني لليهود البريطانيين»، ونجل مايكل ليفي هو دانيل ليفي، الذي عمل في مكتب وزير العدل «الاسرائيلي» السابق يوسي بيلين.

ويقول بيلجر ان بلير وليفي انسجما بشكل جيد للغاية، ولم يمض وقت طويل حتى كان بلير وزوجته شيري يسافران جواً على الدرجة الأولى إلى «اسرائيل»، وتولت مؤسسة «اسرائيل» دفع النفقات كافة»، ويقال عن الرجلين الآن انهما «كالشقيقين». وكان الاتفاق الضمني بين الرجلين هو إنه ما دام بلير زعيماً لحزب العمال لن يتخذ الحزب أبداً موقفاً مناوئاً ل»إسرائيل».

وعلى الرغم من أن ليفي ليس محايداً في ما يتعلق بمواقفه من المنطقة، إلا أن واحداً من الأعمال الأولى التي قام بها بلير كرئيس للوزراء هو مكافأة ليفي برتبة من رتب النبلاء، وهكذا أصبح ليفي «اللورد ليفي» وعينه مبعوثاً خاصاً له للشرق الأوسط، وبالتالي، فإن هذا الرجل المتعصب ل «اسرائيل» يتولى مسؤولية كيفية تجاوب بلير مع المشكلة الفلسطينية، ولا شك في أن نفوذه مؤثر في كيفية تعامل بلير مع الأزمة الحالية التي يعيشها لبنان.

وليفي شخصية مهمة، أيضاً في جماعة اللوبي المسماة «أصدقاء» «إسرائيل» العماليون»، وتعترف جماعة اللوبي هذه «بأنها واحدة من أكثر المجموعات نشاطاً داخل حزب العمال» وأنها تستمد مؤيديها من الوزراء وأعضاء البرلمان والنبلاء والناشطين وتُعتبر جماعة «أصدقاء، «اسرائيل» العماليون» واحدة من أبرز المجموعات داخل حزب العمال وينظر إليها على أنها المؤدية إلى المناصب الوزارية بالنسبة لأعضاء البرلمان العماليين، وتضم الجماعة عدداً من أقوى الممولين نفوذاً في حزب العمال إلى جانب ليفي، ومن بين هؤلاء وزير العلوم البريطاني اللورد ساينسبيري.

ويتمتع بلير أيضاً بعضوية «أصدقاء «إسرائيل» العماليون» ويقال الآن إنه يستشير اعضاء الجماعة على نحو روتيني في شأن سياسة حكومته تجاه الشرق الأوسط، وتعتبر سياسة بريطانيا شرق الأوسطية الآن موالية ل «اسرائيل» بشكل عادي أياً كانت العواقب، وبالنسبة لجون بيلجر، فقد أوضح ايضاً أن التأييد البريطاني للقمع «الاسرائيلي» زاد في عهد بلير، وفي عام ،2001 وافقت حكومة بلير على 91 رخصة تصدير أسلحة لـ«إسرائيل» لفئات شملت ذخيرة وقنابل وطوربيدات وصواريخ وسفناً قتالية واجهزة الكترونية ومعدات تصوير عسكرية ومركبات مدرعة.

وعندما كان رئيس الوزراء السابق ارييل شارون في السلطة، صدرت بريطانيا ما قيمته نحو 130 مليون دولار من المعدات العسكرية ل«إسرائيل»، وفي ،2005 تم ارسال تكنولوجيا الطائرات المقاتلة وأجزاء صواريخ أرض - ارض من بريطانيا إلى «إسرائيل»، وحاولت الحكومة البريطانية أن تزعم انه «لا يوجد دليل» على أن المعدات البريطانية تم استخدامها ضد الفلسطينيين. ولكن الحكومة البريطانية لا تملك آليات لمراقبة ما إذا كانت اجزاء ماكينات أو مركبات بريطانية مستخدمة في ارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان.

وطبقاً لما أورده بيلجر، توجد أدلة كثيرة «مثل تقرير منظمة العفو الدولية بأن مروحيات أباتشي المستخدمة في شن هجمات على الفلسطينيين مستمرة في الطيران بفضل اجزاء بريطانية»، ونحن لا ندري بعد ما اذا كانت أسلحة بريطانية تستخدم الآن ايضاً ضد المدنيين الابرياء في لبنان. ولكن، وحتى في حال لم تكن تلك الأسلحة البريطانية مستخدمة في الأزمة الحالية، فإن بريطانيا شريكة في انتهاكات حقوق الانسان التي يتعرض لها المدنيون اللبنانيون بسبب رفض لندن الوقوف ضد التدمير الذي يلحق بلبنان والمطالبة بإيقافه.

وتمضي العلاقة بين بلير وليفي إلى مستوى أعمق إذ إن ليفي واحد من أبرع جامعي التبرعات السياسية، وهو كبير جامعي التبرعات لبلير.

ويعرف ليفي بلقب «لورد ماكينة النقد»، وعندما بدأ بلير يقود حزب العمال خلال تسعينات القرن العشرين، كان حزب العمال لا يزال يعتمد آنذاك على نقابات العمال في الحصول على المال، وكان ذلك بسبب مشكلات حادة من الناحية السياسية لبلير بما انه كان يبدو على النقابات العمالية أنها بسلطة اكثر من اللازم، وكان بلير تحت رغبة ملحة في ان يقلل من اعتماد حزب العمال على النقابات وان يحصل على المال من رجال الأعمال.

وهكذا، بدأت الدعوات تصل إلى متبرعين محتملين من الاثرياء للتفضل بلعب التنس مع بلير في منزل ليفي الفخم، ويشرع ليفي عادة في طلب تبرعات من الضيوف بعد أن يكون بلير قد غادر المكان، وبهذه الطريقة بدأ ليفي يجمع الملايين من الدولارات لبلير وحزب العمال، وأصبح ليفي شديد الأهمية بالنسبة لبلير إلى حد ان كبير المراسلين السياسيين في هيئة «بي بي سي»: نك روبنسون، كتب مؤخراً يقول إن ليفي اصبح «حل الرجل الواحد لدى بلير لفرط اعتماد حزب العمال على تمويل النقابات للحزب».

ولكن حل الرجل الواحد لدى بلير قد يتحول إلى مشكلة الآن. ففي الشهر الماضي، اعتقلت الشرطة البريطانية اللورد ليفي على خلفية تحقيق جنائي في نزاع يحمل عنوان «النقد مقابل رتب نبلاء»، وتحقق الشرطة في ما إذا كان قد تم ترشيح أي شخص قدم قروضاً مالية إلى حزب العمال للحصول على رتبة نبيل في مجلس اللوردات والاستنتاج بسيط، وهو: اعطنا مالاً نعطك منصباً ذا هيبة ونفوذ هائلين.

وكان حزب العمال يسعى للحصول على قروض بدلاً من هدايا، بما ان أي مبلغ يزيد على 5.000 جنيه استرليني يجب اعلانه بموجب قانون جديد تم تقديمه من أجل تطهير التمويل السياسي المشوب بكثير من الضبابية المريبة، ولكن هذه القواعد لا تشمل القروض، وفي وقت سابق من العام الحالي تم الكشف عن ان 12 من رجال الأعمال قدموا لحزب العمال نحو 14 مليون جنيه استرليني في شكل قروض سرية لتمويل حملة بلير للانتخابات العامة العام الماضي ،2005 وقد نظم ليفي ذلك الإقراض، وعلى الرغم من ان الشرطة اطلقت سراح ليفي لاحقاً، إلا أن تحقيقات الشرطة مستمرة، وهناك شائعات كثيرة تقول إن بلير نفسه ربما تحقق الشرطة معه.

ويقول البعض إن فضيحة «النقد مقابل رتب نبلاء» التي تحيط ببلير ربما تعني تقديمه استقالته عاجلاً وليس آجلاً، وعموماً يقال إن خليفته جوردون براون موال لـ«إسرائيل» ايضاً وقد حضر عدداً من اجتماعات «أصدقاء «إسرائيل» العماليون» عدداً يساوي عدد الاجتماعات التي حضرها بلير، ولذلك، وعلى الرغم من أن بلير قد يختفي من الساحة السياسية خلال عام، وسيتنحى اللورد ليفي مع اختفاء بلير، إلا أن سياسة بريطانيا تجاه الشرق الأوسط لن تشهد تغيراً جذرياً على الأرجح، وهو خبر سيئ بالنسبة لشعوب المنطقة.

■ أندي رويل: كاتب مستقل متخصص في قضايا البيئة والصحة والعولمة، ويشارك في تحرير موقع «سبن ووتش» لرصد التضليل الاعلامي.