غوانتانامو: أما آن لهذا الكابوس أن ينتهي؟
رفضت إدارة جورج بوش التخلي عن المحاكمات العسكرية لمعتقلي غوانتانامو على الرغم من قرار المحكمة العليا الأمريكية الذي قضى بعدم قانونية هذه المحاكمات، وهو الحكم الذي اعتبرته كبرى الصحف الأمريكية انتصارا للقانون، ورآه بعض المراقبين إبرازاً لصراع بين الإدارة الأمريكية والمحكمة العليا في حين رآه آخرون مجرد مناورة قابلة للانتهاء شكلياً في وجه تعالي لأصوات المطالبة بإغلاق معتقل غوانتانامو وسط توالي الفضائح عن مجريات ما يتعرض له نزلاؤه.
وفي صفعة للإستراتيجية «القانونية» التي اتبعتها الإدارة الأمريكية في أعقاب أحداث 11 أيلول 2001، أصدرت المحكمة الأمريكية العليا قرارا مفاده أن الرئيس تجاوز صلاحياته بإصدار أوامر بإجراء مثل هذه المحاكمات لأنها تتعارض مع اتفاقيات جنيف.
إلا أن البيت الأبيض ومسؤولين آخرين سارعوا إلى الإعلان عن أنهم سيجرون مشاورات مع الكونغرس لتحسين القواعد التي تحكم مثل هذه المحاكمات بما يتماشى مع قرار المحكمة العليا. كما أكد هؤلاء على أن قرار المحكمة لا يعني أن معتقل غوانتانامو سيغلق في وقت قريب.
وصرح توني سنو المتحدث باسم البيت الأبيض "لن يحصل أحد على بطاقة اخرج من السجن حراً".
وأشادت صحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" بقرار المحكمة بوصفه "انتصارا للقانون"، فيما دانت صحيفة "واشنطن تايمز" المحافظة القرار واعتبرته بمثابة قيد خطير على سلطات الرئيس.
من ناحيتها قالت لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أنها ستعقد سلسلة من جلسات الاستماع لتحديد الخطوات التالية والتمهيد لاحتمال إصدار قانون في أيلول المقبل «يحترم القانون الأمريكي والقانون الدولي».
إلا أن عدداً من القضاة الأمريكيين قالوا إنه "ليس هناك ما يمنع الرئيس من العودة إلى الكونغرس لطلب الصلاحيات التي يراها ضرورية".
وقالت المحكمة العليا أن المحاكم التي أنشأها بوش تتعارض مع القانون الأمريكي. ورفضت مزاعم الإدارة بأن الكونغرس خولها إنشاء هذه المحاكمات بعد أن منح بوش سلطات واسعة عقب أحداث أيلول.
وأشارت المحكمة في قرارها إلى أن النظام الحالي الخاص بالمحاكم غير مطابق لمعايير العدالة المنصوص عليها في معاهدة جنيف حول أسرى الحرب وكذلك أحكام القضاء العسكري الأمريكي وعلى الأخص في مجال حقوق الدفاع. وقال القضاة إن قرارهم لا يقوض "الحرب على الإرهاب".
وجاء في القرار "لقد استند قرار المحكمة بشكل تام على أساس واحد: الكونغرس لم يمنح السلطة التنفيذية تفويضا مطلقا". وأكد أن "الكونغرس حرم الرئيس من السلطات التشريعية لإنشاء محاكم عسكرية كالمحاكم المعنية بهذا القرار".
إلا أن القاضي المحافظ كلارنس ثوماس حذر من أن القرار الذي اتخذ بالأغلبية يعني انه يجب الإمساك بـ"الإرهابيين متلبسين" حتى يكون بالإمكان محاكمتهم بموجب قوانين الحرب.
وفي المقابل قال انطوني روميرو المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية، إن القرار يظهر أن إدارة بوش لا يمكنها تخطي النظام القانوني في البلاد.
صحيفة الغارديان البريطانية تساءلت في مقالة كتبها المحامي زاكاري كاتزنلسون عما إذا كان هناك من ضوء في نهاية نفق غوانتانامو مستشهدة بإقدام ثلاثة أشخاص (سعوديان ويمني) على الانتحار مؤخراً في غوانتانامو.
وفي محاولة يائسة لتلفيق قصة تبرر الحادثة، زعمت الولايات المتحدة أنها لم تكن سوى عمل من أعمال الحرب. بيد أن الحقيقة مختلفة للغاية، فمن المعروف أن الإسلام ينهى عن الانتحار نهياً تاماً.
لماذا إذن يقوم شخص على إنهاء حياته، بما يخالف معتقداته الدينية؟ وألقت الإجابة العار على الولايات المتحدة وحلفائها، في مقدمتهم بريطانيا.
وقد مضى على وجود الأشخاص البالغ عددهم 460 رجلاً في خليج غوانتانامو أكثر من أربع سنوات. و تم اتهام عشرة منهم فقط بارتكاب جرائم. ولم يمثل أي منهم أمام محكمة. لا يُسمح للمعتقلين بزيارة من جانب العائلة والأصدقاء ولا بالتحدث إليهم. وقد عانى كثيرون الأمرين من الإساءات الخطيرة إليهم.
ومعظمهم تم سجنهم على أساس شائعات، والأدلة ضدهم لا يعتمد عليها بالمرة، بحيث أن أي محكمة جنائية ستبادر باستبعادها. ومع ذلك تقول الولايات المتحدة إن بإمكانها سجن هؤلاء الرجال مدى الحياة.
هل يمكن للمرء أن يتخيل نفسه في هذا المناخ، وقد قيل له إنه لن تسنح له فرصة المثول أمام محكمة ولا الإدلاء بدلوه في الجدل الدائر. ماذا سيفعل إن لم يلق آذاناً صاغية، في حال جرى الحكم عليه بأربع سنوات من دون ارتكاب أي جريمة؟ هل يمكن للمرء أن يتخيل مقدار اليأس الذي يصل إليه المعتقلون؟
وقد رفضت الولايات المتحدة في أيار الماضي حتى إعلان هويات المعتقلين في غوانتانامو. ولكن قبل قيامها أخيراً بكشف أسماء الجميع هناك، أقرت إدارة بوش مشروع قانون يقضي بمنع رفع دعاوى قضائية من قبل المعتقلين في غوانتانامو. مما يعني أننا عرفنا هويات المعتقلين أخيراً، ولكن لا يسعنا القيام بأي شيء لمساعدتهم قانونياً..!
الصمت العربي الرسمي تجاه غوانتانامو
لستير ليون رأى على موقع إيكاوس أن القادة العرب يلتزمون بفضيلة الصمت تجاه معتقل غوانتانامو حتى بعد انتحار الثلاثة الذين كانوا جميعا من العرب. المنتقدون يعزون ذلك إلى عدم رغبة هؤلاء الزعماء في إثارة غضب الولايات المتحدة والبعض الآخر يقول إن هؤلاء القادة مسرورون لوجود هؤلاء السجناء خلف القضبان لدى الأمريكيين كونهم من أصحاب المشاكل. الاتحاد الأوربي قد يمارس بعض الضغوط على الرئيس بوش لإغلاق ذلك السجن ولكن لم تصدر أي دعوات مماثلة من الحكومات العربية التي يشكل مواطنوها النسبة الأكبر من النزلاء هناك، دون محاكمة أو القدرة على الاتصال بمحامين.
يقول سعد جبار وهو محام دولي جزائري يقيم في لندن: ان الزعماء العرب يلتزمون الصمت لأنهم لا يحترمون حقوق الإنسان أنفسهم كما انه يوجد لديهم معسكرات غوانتانامو الخاصة بهم، الرئيس بوش ذكر أنه يرغب في إغلاق غوانتانامو لان البعض اتخذه ذريعة لمهاجمة الولايات المتحدة واتهامها بعدم الأخذ بالمواثيق والمعايير الدولية المعمول بها في هذا الشأن وذكر والد احد العرب الثلاثة الذين انتحروا في غوانتانامو انه لا يشعر بأي احترام تجاه المسؤولين العرب وقال: لقد تجاهل الزعماء العرب مواطنيهم لأنهم يخافون من الولايات المتحدة من اجل ذلك لا يملكون الشجاعة للمطالبة بإغلاق غوانتانامو. حلفاء أمريكا من العرب مثل السعودية والكويت والبحرين تعمل بهدوء على إعادة السجناء من مواطنيها وما أن يتم لها ذلك فإنها لا تطلق سراحهم بل تأمر باعتقالهم لإجراء المزيد من التحقيقات، في شهر أيار عاد 15 سعوديا من غوانتانامو وهم يقيمون الآن في السجن إلى أن تقرر الجهات المختصة محاكمتهم أو إطلاق سراحهم، ولا يزال يوجد في ذلك المعسكر 103 مواطنين سعوديين آخرين. تنكر واشنطن الاتهامات التي يوجهها إليها المعتقلون السابقون ومحاموهم وجماعات حقوق الإنسان بممارسة التعذيب، وقد أقدم 23 نزيلا على 41 محاولة للانتحار قبل انتحار الثلاثة.
احتجت منظمة العفو الدولية على إطلاق سراح بعض المعتقلين وإعادتهم إلى بلدانهم وقالت: إن عمليات إطلاق السراح يجب ألا تتم وفق معيار العلاقات الجيدة ما بين الولايات المتحدة وحكومات بعض الدول، فهؤلاء يجب ألا يعادوا إلى دول يمكن أن يواجهوا فيها التعذيب. ويقول هشام قاسم رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن الشعور المعادي للأمريكان نتيجة لمعسكر غوانتانامو شيء يفيد الحكومات العربية التي تشعر أنها عرضة للضغوط من إدارة بوش لأسباب عدة، وقال خالد الانسي وهو محام يمني متخصص في مجال حقوق الإنسان إن الدول العربية تعتقد أن الإساءات التي تتم في السجون الأمريكية تعطيها الشرعية لممارسة المزيد من البطش ضد شعوبها، وقال هذا المحامي: إن بعض الدول العربية حولت نفسها إلى سجون لخدمة الإدارة الأمريكية.