وسط إشكاليات ليست أقل تعقيداً: المسألة النووية الإيرانية تتصدر قمة الثماني
في الوقت الذي يُعتقد فيه على نطاق واسع أن مقتل الدبلوماسيين الروس في العراق يرتبط في نهاية المطاف بضغوط أمريكية على روسيا عشية استضافتها منتصف الشهر الجاري لقمة الدول الثمان في سان بطرسبورغ بهدف زجها في العراق وتغيير موقفها المعلن بخصوص إيران، يتوقع أن تهيمن على القمة سلسلة من المواضيع الشائكة غير القابلة للتوافق عليها حالياً بسبب تباين المصالح بشكل رئيسي بين واشنطن وموسكو والاتحاد الأوربي واختلاف شبكات تحالفاتهم والصفقات المترتبة عليها.
وبينما يتوقع أن تسعى واشنطن إلى استخدام القمة منبراً آخر لتصعيد الضغوط على إيران وسط التنصل من مسؤولياتها عن فشل اجتماع منظمة التجارة العالمية الأخير في بروكسل بسبب تعنتها في مواقفها فإنها تسعى إلى منع تحول القمة إلى منبر لانتقاد سجل روسيا في الديمقراطية.
ولدى وصوله الى المحادثات الوزارية التمهيدية لقمة الثمانية التي تضم بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وايطاليا واليابان وروسيا والولايات المتحدة قال وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست-بلازي إن على إيران الرد على العرض الدولي لحل الأزمة حول ملفها النووي قبل انعقاد القمة متوقعاً تلقي هذا الرد خلال الفترة الفاصلة وبالإيجاب على أن تجري بعد ذلك مفاوضات حول المقترحات الغربية.
ولكنه استدرك أنه "إذا كان الرد سلبيا بين هذا التاريخ و15 تموز، فمن الواضح أن المجتمع الدولي سيكون صارما وأننا سنواصل ما بدأناه في مجلس الأمن"، في إشارة إلى المناقشات حول الإجراءات المحتمل اتخاذها ضد إيران.
وذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في وقت سابق أن الوزراء سيناقشون المسألة الإيرانية وكيفية التعامل مع حكومة حماس وحول الديمقراطية في روسيا وبيلاروسيا، وذلك في وقت أكد فيه الرئيس فلاديمير بوتين مجددا على خلافاته مع الغرب بشان المسألة الإيرانية قائلاً إن بلاده لا تنوي "المشاركة في إصدار أي إنذار، تحسباً من الوصول إلى طريق مسدود".
وفي مقابل رغبة روسيا في تجنب مناقشة الاتهامات بأنها تتراجع في مجال الديمقراطية وحرية الإعلام، أكدت وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت مخاوف بلادها حيال حقوق الإنسان وحكم القانون في روسيا، مشيرة من ناحية ثانية أنها تأمل في أن تصدر عن القمة إشارة إلى أهمية الأسواق التنافسية وانفتاح أسواق الطاقة.
هذا المطلب البريطاني الأخير وجد صداه في تصريحات يوليا تيموشينكو رئيسة الحكومة الأوكرانية التي دقت ناقوس حرب الغاز على روسيا حتى قبل توليها رئاسة الحكومة الأوكرانية رسمياً، حيث أعلنت نيتها تقويم مسألة استيراد الغاز الطبيعي من روسيا، وتناولت ضرورة إرساء العلاقات مع روسيا على «أسس صداقة مشتركة». وربطت هذه العلاقات بعلاقات أوكرانيا بتركمانستان. وهذه مصدر بديل محتمل عن الغاز الروسي.
ويرى ألكسي غريفاتش من وكالة «فريميا نوفوستي» الروسية أنه على الرغم من تحفظ تيموشينكو على اتفاقات الطاقة الحالية بين موسكو وكييف، فقد فاجأت لهجتها المتشددة المراقبين. وهذه التصريحات حملت سيرغي كوبريانوف، ممثل شركة «غاز بروم». على دق ناقوس الخطر، والتحذير من تصريحات «تهدد أمن الطاقة الأوروبية». فهي في مثابة صب الزيت على حرب غاز جديدة بالمنطقة، موضحاً أن أوكرانيا ليست سوى الحلقة الضعيفة في سلسة تصدير الغاز إلى أوروبا.
وتختبئ مصالح شركة «روس أوكرانرغو» (وتملك نصف هذه الشركة «غاز بروم» الأوكرانية) خلف شعارات سياسية تدعو إلى مراجعة الاتفاقات مع موسكو. وتحتكر شركة «روس اوكرانيرغو» امتياز ضخ الغاز المستورد الى أوكرانيا، بموجب اتفاق 4/1/2006 الروسي - الأوكراني. وتتولى «روس اوكرانيرغو» شراء الغاز من روسيا، وبيعه إلى شركتين محليتين تقومان بدورهما ببيع الغاز في السوق المحلية. وهذا يعني أن «غاز بروم» تتحكم بمبيعات الغاز داخل أوكرانيا وعبرها.
وهذه الحال لا ترضي تيموشينكو المعروفة بـ«أميرة الغاز». ففي منتصف التسعينات، كانت تيموشينكو من اكبر المتدخلين في سوق الغاز بأوكرانيا. وتسعى هذه الأميرة اليوم إلى استعادة نفوذها في أهم قطاع في الاقتصاد الأوكراني، وإلى هدم بنية اقتصادية تخدم غيرها. ويصعب توقع مآل الخلاف الروسي - الأوكراني. فهو مرتبط بنيات تيموشينكو ونهجها.
ولا شك في أن بدء محادثات أوكرانية - تركمانية لاستيراد الغاز التركماني مباشرة، قد تكون، في حال، نجاحها هدفاً في المرمى الروسي، وتعزيزاً لموقع كييف في مفاوضات الغاز مع موســكو. والسؤال الذي يطرح نفسه من يحرك الحبال ويدير الركلات ضغطاً على موسكو وتحكماً بكييف، المؤسستان أصلاً على التكامل فيما بينهما..؟!!