«بلاد التحرير الوطني» وكماشة الاقتصاد

«بلاد التحرير الوطني» وكماشة الاقتصاد

على الرغم من أن آثار الأزمة الاقتصادية التي أنتجتها حرب أسعار النفط منذ شهر حزيران 2014 حتى الآن، لم تظهر بنتائجها الكبيرة في الجزائر التي تعتمد في صادراتها على قطاع الطاقة، إلا أن استمرار الأزمة الدولية في الآجال الزمنية المتوسطة، قد يدفع الجزائر إلى مصاف الدول التي تعاني من هذه الأزمة، كما الحال في دول الخليج وفنزويلا.

 

يكمن العامل الذي حافظ حتى الآن على استقرار نسبي للاقتصاد الجزائري مقارنة مع اقتصادات الدول الأخرى، التي تعتمد اعتماداً شبه كلي على إيرادات النفط، في مسألتين أساسيتين:

الأولى، هي: مستوى التحكم العالي لجهاز الدولة الجزائري في العمليات الاقتصادية، ودعم الدولة لقطاعات أساسية كالتعليم والصحة، رغم أن الخط البياني لهذه الخدمات يشهد انخفاضاً في السنوات الأخيرة.

الثانية: الكم الكبير من الاحتياطيات النقدية التي تختزنها الجزائر، والتي تساعد على ضمان استقرار مستوى محدد من الإنفاق السنوي، لكن إلى متى؟

شَدّ الأحزمة حكومياً

منح «البنك الأفريقي للتنمية» الجزائر قرضاً بقيمة 900 مليون يورو، لمساعدتها في برنامج دعم التنافسية الصناعية، الذي تعول عليه في تنويع اقتصادها، بعد أن سددت الجزائر ديونها الخارجية في العام 2008.

من جهته، ذكر محافظ «بنك الجزائر المركزي»: أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي انخفضت بنحو 7.1 مليار دولار إلى 121.9 مليار في الربع الثالث من عام 2016، بسبب هبوط أسعار النفط الذي ألحق ضرراً بالمالية العامة.

أما عائدات النفط والغاز، التي تشكل 94% من إجمالي الصادرات، و60% من ميزانية الدولة، فقد تراجعت إلى 18.8 مليار دولار، في الأشهر التسعة الأولى من العام 2016، مقابل 25.4 للفترة نفسها من العام 2015، بانخفاض قدره 26.3%.

وتخطط الجزائر لتقليص الإنفاق بنسبة 14% في العام 2017، بعد خفض قدره 9% لهذا العام، في سياق العمل على الحد من تأثير هبوط أسعار النفط.

ما مصير الإنفاق على الرعاية الاجتماعية؟

إجراءات «التقشف التدريجي» التي تقوم بها الحكومة الجزائرية، رافعها الأساسي هو: الاحتياطيات النقدية الكبيرة للبلاد، ولا شيء آخر، وهو ما يثير القلق حيال انحدار الجزائر نحو أزمة اقتصادية، تنتج توترات اجتماعية، خصوصاً في ظل أرقام الفقر والبطالة الكبيرة في الجزائر، والتي تخفف من نتائجها حتى الآن برامج الدعم الحكومي الممولة من أموال النفط، وليست المشاريع الاقتصادية التي تأخذ بعين الاعتبار مسائل التشغيل، والتنمية المستدامة.

في هذا الصدد، يقول وزير المالية الجزائري، حاجي عمي، في حديثه لوكالة الأنباء الرسمية يوم 29 تشرين الأول: «لن نقوم بتقليص نفقات الميزانية بل سنحرص على استقرارها في غضون السنوات الثلاث المقبلة».

ورغم الجانب الإيجابي من تعهد الحكومة باستمرار الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، إلا أن الاستمرار في الاعتماد على الاحتياطيات النقدية قد يدخل البلاد في مأزق حرج، ما لم تستطع القيام بتغيرات بنيوية في إدارة الاقتصاد، وما زال الوقت سانحاً للقيام بإجراءات كهذه.