المعركة الأوراسية تحتدم في آسيا..!
رغم تركز الأنظار حالياً على منطقة شرق المتوسط، وتحديداً على سورية، فإن بحر الصين الجنوبي يبقى أحد أكبر ملاعب المنافسة الرئيسية بين القوى الكبرى على النفوذ العالمي، حيث التوتر هناك بين الصين والولايات المتحدة في ازدياد مستمر، رغم أن احتمالات نشوب نزاعات عسكرية بينهما لا تزال بعيدة.
ترجمة : قاسيون
أحدثت الصين تغييرات تدريجية في الوضع الراهن، وتسعى لترسيخ نفسها كقوة رائدة في شرق آسيا، في حين تسعى الولايات المتحدة جاهدة للحفاظ على خط رسمته في فترة الحرب الباردة. ورغم أن 10 دول من جنوب شرق آسيا، هي أعضاء في مجموعة «آسيان»، إلا أنها جميعها لا تزال تتبع سياسات خارجية مستقلة نسبياً، حيث أن بعض الأعضاء قريبون من بكين، والبعض الآخر يبدو أكثر ميلاً إلى واشنطن.
الفليبين نموذج
عن دول مستاءة
تسير تحركات الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، الأخيرة في هذا الاتجاه في إطار سياسته الشعبوية، وهو يظهر ضد الولايات المتحدة في الخطابات النارية، إلا أنه يمكننا القول أن الفليبين تريد علاقات مع الصين، أكثر مما لا تريد علاقات مع الولايات المتحدة، أي أنها في العمق تعي عمق التراجع في الدور الأمريكي عالمياً.
في هذا السياق، يساهم «التنغيم» الفليبيني في وجه الولايات المتحدة بتخفيف التوترات بين مانيلا وبكين. ورغم النزاع على جزر في بحر الصين الجنوبي، فإن العلاقات الاقتصادية المتنامية بين البلدين تعزز موقف الصين في المنطقة بأسرها.
لكنه، لا يزال من السابق لأوانه تحديد إذا ما كان دوتيرتي راغباً أو قادراً على التمحور بعيداً عن واشنطن. فمثل أي مكان آخر في العالم، فإن الشعب الفلبيني يتخذ في الأساس ردة فعل على نموذج العولمة الذي تركه الكثير من الناس، والكثير من الدول.
عداء القوميين الآسيويين للولايات المتحدة يكمن باعتبارها القوة المهيمنة على العالم، وهم يعلقون آمالهم على أولئك الذين يناهضون سيطرة الولايات المتحدة، أي الصين وروسيا، فالصين بالنسبة لهم هي القوة الاقتصادية والمالية، وروسيا هي المورد السياسي والعسكري.
بعد زيارته لبكين، يخطط دوتيرتي لزيارة موسكو قبل نهاية العام. وقد يلتقي مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حتى قبل الزيارة في تجمع «ابيك» في ليما، بيرو، في شهر تشرين الثاني الحالي. ومما لا شك فيه أن بوتين سيكون مهتماً. إذ أن السياسة الخارجية لموسكو مشغولة باكتشاف جنوب شرق آسيا، الذي تجاهلته إلى حد كبير، مع الكثير من دول العالم، في العقدين التاليين لانهيار الاتحاد السوفياتي.
في شهر أيار الماضي، عقد بوتين في سوتشي جلسة لرؤساء دول «آسيان» خلال أول قمة بين روسيا والمجموعة. ودعا بوتين لربط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، و«آسيان» في تجمع اقتصادي كبير لـ«أوراسيا الكبرى».
يجدر الذكر أن العلاقات الاقتصادية بين روسيا والفلبين أكثر من متواضعة حتى الآن: فهي تقل عن 1.5 مليار دولار، ولكن هناك مجالات، مثل الطاقة المائية أو الصناعات الاستخراجية، حيث يمكن للبلدين أن يكونا شراكة مهمة.
ومن المتوقع أن تتوخى روسيا، بطبيعة الحال، الحرص على عدم الإضرار بعلاقاتها مع الصين. ومن شأن تطبيع العلاقات بين الصين والفلبين جعل مبيعات الأسلحة هذه أقل إثارة للمشاكل. ومع عودة روسيا إلى المنطقة، على موسكو وبكين أن تحددا بوضوح مصالحهما والدور الذي تسعيان للعبه.
منهجية العمل
الاستراتيجي لتوظيف الاستياء
المزيد من الدول الآسيوية باتت تبدي استيائها من منطق الهيمنة الأمريكية، التي تلقي بظلالها الكثيفة على مساحات كبيرة من العالم. وبغض النظر عن الأسباب المتباينة لهذا الاستياء، فمن المطلوب تفعيل واستثمار هذه الحالة، في سياق تعزيز العمل على المشروع الأوراسي، وتحديداً على ربطه بمشروع طريق الحرير الصيني، وهذا يتطلب فعلياً رصد مكامن العرقلة اللاحقة المحتملة لانضواء هذه الدول في إطار المشروعين الكبيرين.
ما أعنيه هنا، هو: أن هناك جملة كبيرة من المسائل المرتبطة بمصالح قوى متنفذة داخل هذه الدول، ينبغي حسمها في اتجاه تنفيذ المشروعين. حيث شبكات الفساد التي تقف عائقاً يحول دون الفك الكامل للارتباط بين هذه الدول والولايات المتحدة الأمريكية، أو العالم الغربي بصورة عامة، تنبغي مواجهتها محلياً دون هوادة.
لا تزال في الفليبين، كما في غيرها من الدول الآسيوية، رؤوس أموال تجاهر في تبعيتها للولايات المتحدة، وهذا يظهر اليوم عبر الحملات التي تخوضها للدفاع عن واشنطن، ومهاجمة التوجهات الجديدة لدى الدول الآسيوية. رؤوس الأموال هذه، ينبغي احتواءها في المرحلة الحالية، ومواجهة من تبقى متعنتةً منها في المرحلة اللاحقة، ويمكن هنا الاستفادة من الطاقات الشعبية التي تكمن مصلحتها في رؤية عالم جديد، وشرق يشهد نمواً اقتصادياً ينعكس رفاهاً على الشعوب.