وسط استمرار منطق «الحرب الباردة».. روسيا تستضيف قمّة «القطط السمان»

مع اقتراب موعد انعقاد قمة الدول الثمان العظمي في سانت بطرسبرغ في تموز المقبل تتوالى التحليلات والتصريحات والمقالات التي كتبت خصيصاً دفاعاً أم هجوماً لمناسبة تولي روسيا رئاسة هذه القمة واستضافتها على أراضيها، وهو ما يعكس استمرار بقاء روسيا الأرض والجغرافية-السياسية والتاريخ والثروات والتسليح والكتلة البشرية تهديداً استراتيجياً للمشروع الإمبراطوري الكوني بغض النظر نسبياً عن مافيات الفساد التي تتولى حكمها حالياً.

روسيا ضمن الثمانية: مقاربة أمريكية

كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة هارفارد الأمريكية والموصوف على أنه كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي سابقاً يرى أن:

روسيا تبذل قصارى جهدها اليوم لكي تجعل العالم يدرك مدى جدية نظرتها إلى دورها في رئاسة مجموعة النخبة التي تطلق على نفسها اسم مجموعة الدول الثماني.

وعلى أمل إعطاء دفعة قوية لمحادثات قمة سانت بطرسبرغ، فربما يكون الرئيس فلاديمير بوتين قد أعد لهذه القمة جدول أعمال طموح. فهو يخطط لقيادة زملائه في محادثات متعمقة بشأن التعليم، والأمراض المعدية وما إلى ذلك. ولكي يضمن ألا يأخذهم النعاس فلسوف يتحدث أيضاً عن قضية أمن الطاقة.

ولكن ما الذي جناه بوتين في مقابل هذه الجهود؟ لا شيء. فمؤخراً وجهت إدارة بوش بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني (ولكن بمباركة مباشرة من رئيسه)، اتهاماً صريحاً إلى روسيا مفاده أنها ارتدَّت إلى أساليب «إمبراطورية الشر» القديمة. وما كان من بوتين إلا أن رد الصفعة فوصف الولايات المتحدة بـ«الرفيق الذئب» الذي لا يتورع عن افتراس أي أمة تترك نفسها عُـرضة للخطر.

أما الأوروبيون فما زالوا يعانون من الهستريا الناجمة عن هلعهم من التورط في النزاع بين روسيا وأوكرانيا بشأن قضية الغاز، والذي أدى إلى جفاف خطوط الأنابيب في أوروبا لبضعة أيام مع بداية هذا العام. وهم يرون أن مناقشة "أمن الطاقة" مع روسيا لا يقل خطورة عن اجتماع حيوانات الغابة المستضعفة بـ«الرفيق التمساح» لمناقشة مسألة تأمين بركة المياه.

مما لا شك فيه أن بعض الخبثاء سوف يشيرون إلى سخف وغرابة اختيار روسيا لعضوية ذلك النادي الذي يضم قوى اقتصادية عظمى مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان، وإنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا (ولو أنها أقل قوة). فلماذا لم يُـعْـطَ الرئيس الصيني هيو جينتاو مقعداً على الطاولة بدلاً من بوتين، على الرغم من أن اقتصاد الصين يحتل المرتبة الثانية من حيث الضخامة على مستوى العالم (قياساً إلى الأسعار العالمية)؟ فحتى على الرغم من كل موارد الطاقة التي تتمتع بها روسيا، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى عنان السماء، إلا أن دخل روسيا الوطني لا يكاد يتجاوز دخل مدينة لوس أنجلوس وضواحيها.

يستطيع بوتين أن يزعم أيضاً أن موقف روسيا على الصعيد المالي أقوى كثيراً من أي من الدول الأخرى الأعضاء في مجموعة الثمانية. والحقيقة أن إعادة اكتشاف سيبريا كحقل نفط عملاق تحمل في طياتها قدراً عظيماً من الفائدة، حيث تغترف الحكومة الآن من ذلك المورد اغترافاً.

ويشير الكاتب إلى أنه منذ سقوط سور برلين تدهور متوسط العمر المتوقع للذكور في روسيا من 65 عاماً إلى ما يقرب من 55 عاماً. وهناك أدلة متنامية تؤكد إن الضغوط المترتبة على التحول الذي تمر به البلاد تشكل السبب الرئيسي للوفاة، حتى قبل أسباب الوفاة الرئيسية في روسيا ما بعد الشيوعية مثل إدمان الخمور، والقتل، والإيدز. ويخلص إلى طرح التساؤل التالي: ترى هل ينبغي على بوتين أن يخبر زملاءه أنهم أيضاً يستطيعون موازنة الحسابات ما بين الأجيال في بلدانهم عن طريق تجويع كبار السن؟ ويجيب: قد يكون من الأجدر به ألا يبالغ في تقييم منجزات دولته.

روسيا ضمانة للدول النامية: مقاربة روسية

في المقابل يقول ليونيد ألكسندروفتش  أستاذ الفلسفة في جامعة سيبيريا إنه ليس سهلا على الكثيرين أن يقبلوا رئاسة روسيا لمجموعة الثماني الكبار واستضافتها لقمتها في تموز المقبل على اعتبار أن هذا الأمر يشكل لبعض الدوائر الغربية ما يشبه الصدمة، ومنذ بداية هذا العام الذي استلمت فيه روسيا الرئاسة من بريطانيا وهذه الدوائر لا تهدأ، بعض النواب في الكونغرس الأميركي من اللوبي المناهض لروسيا يرون أن ليس فقط رئاستها للمجموعة بل حتى مجرد وجودها فيها يعتبر خطأ كبيرا يجب تصحيحه بطردها من المجموعة ومقاطعة القمة التي ستعقد في مدينة سان بطرسبرغ.

ويتابع: يقولون إن روسيا يحكمها الآن نظام لا يختلف كثيرا عن النظام السوفييتي الشمولي السابق، وان أحوال حقوق الإنسان داخل روسيا لا تؤهلها للجلوس مع الدول الكبرى الديمقراطية، وان سياسات الرئيس الروسي بوتين الداخلية وتعامله مع منظمات المجتمع المدني والأساليب التي يستخدمها مع الانفصاليين الشيشان، ودعمه القوي لأجهزة الأمن والاستخبارات على حساب الحريات الفردية، ومحاصرته ومطاردته لرجال الأعمال الروس، وتدخله في شؤون الجمهوريات المجاورة، واستخدامه للنفط والغاز كوسيلة للضغط السياسي على دول مثل أوكرانيا وجورجيا وغيرها، وسعيه لفرض نفوذ روسيا على أوروبا في مجال الطاقة، كل هذه أشياء لا تليق بنظام دولة عضو في مجموعة الدول الكبرى التي ترفع شعارات الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان واستقلال الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.

الرئيس الروسي بوتين الذي زادت شعبيته بشكل ملحوظ في روسيا في الآونة الأخيرة مع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإنجازات التي حققها الاقتصاد الروسي بفضل الطفرة الكبيرة في أسعار الطاقة، يتعامل مع هذه التصريحات المضادة لروسيا بشيء من الحدة مع السخرية، فقد قال بوتين في مؤتمر صحافي عقد في الكريملين مؤخرا عن الذين ينتقدون عضوية روسيا في مجموعة الثماني الكبار «هؤلاء النقاد لبلادنا ما زالوا يعيشون في القرن الماضي، وكلهم خبراء في مجال الدراسات السوفييتية، ومازالوا لا يستطيعون أن يتصوروا أن الاتحاد السوفييتي انهار ولم يعد له وجود، لأن هذا يعني أنهم أصبحوا عديمي القيمة لأن تخصصهم ودراساتهم أصبحت غير مطلوبة الآن» .

روسيا ترى أن وجودها في مجموعة الثماني الكبار أمر مهم وضروري لتفعيل هذه المجموعة وإكسابها طابعا ديمقراطيا، والدول السبع الكبرى تعلم جيدا أنه على الرغم من أن مستوى دخل الفرد في روسيا أقل بكثير عن مستواه في هذه الدول السبع إلا أن روسيا نفسها دولة غنية بمواردها الطبيعية وعلومها وخبراتها التي تفوق بكثير موارد وعلوم وخبرات الكثير من هذه الدول السبع، كما أنها عسكريا ونوويا لا ينافسها سوى الولايات المتحدة الأميركية، وأنها لديها القدرة على تغيير موازين القوى في مناطق كثيرة من العالم، كما أن هذه الدول الكبرى تعلم جيدا أن أمن الطاقة العالمي وكذلك الأمن النووي لا يمكن ضمانهما واستقرارهما بدون روسيا، هذا إلى جانب أن مستوى التنمية الاقتصادية في روسيا ينمو ويتقدم بصورة ملحوظة ومتميزة عن الكثير من هذه الدول السبع الأخرى.

ويضيف أستاذ الفلسفة الروسي أنه وإذا كانت نسبة الفقراء في روسيا أعلى منها في باقي الدول السبع الكبرى ومستوى دخل الفرد الروسي أقل بكثير منه في هذه الدول، فإن هذا في رأي الخبراء والسياسيين الروس ليس عيبا في انتسابها لمجموعة الأغنياء، بل على العكس فإن هذا يؤهلها للتعبير عن مصالح الدول النامية داخل مجموعة الكبار، وأيضا يحسن من سمعة هذه المجموعة التي لم يشعر العالم بفائدتها من يوم تأسيسها حتى الآن، لقد قال لهم الرئيس بوتين في قمة الثماني الكبار الماضية «إنكم وعلى مدى سنوات طويلة مضت تقررون في قمتكم تخفيض ديون أفريقيا، ولم يصلح هذا من شأن شعوب أفريقيا شيئا بل زادها فقرا وتخلفا وحروبا ونزاعات، وكأن العالم لا يوجد فيه فقراء إلا في أفريقيا»،

وانتقد أعضاء الكونغرس المناهضون لروسيا سياسات الكريملين الجديدة، وخاصة القوانين المتعلقة بالقيود والرقابة على تمويل منظمات المجتمع المدني، وكما قال الرئيس بوتين لأحد الصحافيين حول هذه القضية «إن قوانين روسيا ليست أسوأ من قوانين الآخرين، وحاول أن تؤسس في الولايات المتحدة منظمة غير حكومية بتمويل أجنبي أو بأموال غير معروف مصادرها، وانظر ماذا سيفعلون معك».

الرئيس الروسي بوتين، كما يقول، يرى أن نادي الثمانية الكبار دون روسيا ممكن أن يتحول إلى ناد للقطط السمان التي تخدم ما أسماه بوتين بالمليار الذهبي أو «المربع الذهبي»، وروسيا دون مجموعة الثماني الكبار لن تخسر شيئا، ولكن وجودها فيها سوف يفيد الكثيرين، ليس فقط من الدول النامية والفقيرة، ولكن أيضا من الدول الغنية، خاصة مع دورها المتزايد كلاعب بارز في أسواق الطاقة العالمية.