ما الذي تحتاجه الولايات المتحدة حقاً؟

نافذة هذا العدد على الجدل الفكري الدائر في الولايات المتحدة تتناول شكلاً متخيلاً يراه بعض الأمريكيين لمستقبل الحياة السياسية الأمريكية بما يعكس حالة  الاستياء التفاعلي الشعبي القائم فعلياً في الداخل الأمريكي من مفردات ومفرزات تلك الحياة داخلياً وخارجياً. ولكن هذا المنظور ينطلق أيضاًً(عن قصد أو دون فصد) من الثنائية الحزبية الأمريكية التقليدية بعيداً عن النظرة الطبقية وتحليل جوهر الظاهرة الإمبريالية الأمريكية بأزماتها ومشاكلها ومسار تطورها بحثاً عن مخارج مؤقتة تعجز بدورها عضوياً عن حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. وبقي أن نشير إلى أن المادة التالية كتبها دافيد بروكس في صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان: الانفتاح في مواجهة الانغلاق.

إذا ما تخيلنا إمكانية تشكيل السياسة الأمريكية من جديد اليوم فإن الجدل الرئيسي لن يكون بين الليبرالية والفكر المحافظ. بل إن المعركة الرئيسية ستكون بين الفكر الوطني الشعبي والفكر التقدمي العالمي.

والحزب الوطني الشعبي سيكون ليبراليا من الناحية الاقتصادية ومحافظا من ناحية القيم وواقعيا في السياسة الخارجية. وسيجمع معا مجموعة من الشخصيات يشعرون بخيبة أمل من النخبة في الأحزاب التي ينتمون إليها.

وفيما يلي ما يمكن أن يقوله مرشح للحزب الوطني الشعبي: «نحن شخصيات عادية نتحمل أعباء هذا البلد. ونحن الذين نعمل بجدية ونؤسس المجتمعات. لقد حان الوقت لنتجمع معا ونعترف بأن الولاء للأميركيين يأتي أولا.

«ويعني ذلك انه لا يمكن إسالة دمائنا الثمينة ولا ثرواتنا على حروب أعدت إعدادا سيئا لتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط. ونحتاج إلى الخروج من العراق الآن. ويعني ذلك ضرورة تأمين حدودنا ضد الإرهابيين واللاجئين غير الشرعيين الذين يخالفون القانون ويحصلون على وظائفنا ويتسببون في خفض المرتبات.

«ونحتاج إلى مواجهة أصحاب المصالح المالية الكبرى الذين يهتمون بأرباحهم أكثر من اهتمامهم بأبناء بلادهم، الذين يرسلون الوظائف إلى الصين والهند، والذين يدمرون النقابات ويتحكمون في واشنطن.

«ونشعر بالضجر من النخبة في قطاع الأعمال والنخبة الثقافية. ونريد قيادات تفهم مشاعر قلقنا، وتشعر مثلنا بالضجر من عالم ليس آمنا».

مثل هذه الوطنية الشعبية يمكن أن تكون فعالة. وستكون ضد الحرب دون أن تبدو ساذجة.

والحزب الثاني، الذي ينتهج توجها تقدميا ومنفتحا نحو العالم، يتبنى اقتصاد السوق والقيم الليبرالية والتعامل مع الشؤون الخارجية والتدخل من منطلق جماعي وليس أحادي الجانب. الشخص المناسب ليكون كبير المتحدثين باسم هذه الحركة هو رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وعلى مستوى الولايات المتحدة يمكن أن يقود هذه الحركة المتطلعون للوصول إلى البيت الأبيض مثل جون ماكين وهيلاري كلينتون وميت رومني ومارك وورنر ورودي غولياني.

قادة هذا التيار وأنصاره سيقولون إن القوة الدافعة والعوامل المشجعة لانتهاج هذا الطريق تتمثل في الفرص التي افرزها عصر العولمة، وتبني القيم والتوجهات المترتبة على هذا الواقع من تنوع ثقافي والنشاط والحركة في مجال تطوير التكنولوجيا والابتعاد عن السياسات التي تهدف إلى إفادة دول على حساب دول أخرى.

من ضمن قضاياهم أيضا إصلاح نظام التعليم، والعمل على تحسين المهارات سعياً لرفع نسبة النجاح مع إصلاح معايير وأسس الأهلية والاستحقاق حتى يصبح الاقتصاد أكثر مرونة. من ضمن القضايا الأخرى ذات الأهمية بالنسبة لهذه الحركة العمل على الآخرين بغرض التوصل إلى علاج لمشكلة الاحتباس الحراري والاعتماد على النفط وحواجز الحماية الاقتصادية، كما سيؤكدون على أهمية إدراك أن لهذا العالم المتنوع والمنفتح أعداء، مع ضرورة مواجهة الجماعات الأصولية المتطرفة فكريا وعسكريا ومعالجة المشكلة من جذورها بالديمقراطية والحريات.

هذا التوجه التحديثي المنفتح سيكون فاعلا على الصعيد السياسي، إذ سيزدهر وسط المتعلمين والمتطلعين خارج دائرة المدن الكبرى والصقور، وأيضا وسط المهاجرين الذين ينظرون إلى المستقبل أكثر من نظرتهم إلى الماضي.

هذه التحالفات لن تصبح واقعا بين ليلة وضحاها. يجب أن نضع في الاعتبار أن السياسة لم تعد مجرد اليسار في مواجهة اليمين، بل الانفتاح في مواجهة الانغلاق.