حماس.. التحديات الكبرى وملفات الفساد

عاد ملف الفساد المالي في فلسطين ليطفو وبقوة هذه المرة بعد أن ظل حبيس المكاتب والأدراج لسنوات، وأصبح حديث الساعة في مجالس المواطنين وفي وسائل الإعلام بأنواعها بعد أن قرر النائب العام الظهور والحديث علنا عن هذا الملف الحساس الذي سيطال دون شك رؤوسا كبيرة يشعر الكثيرون أنها قد أينعت وحان قطافها.

ومنذ عقد ذلك المؤتمر الصحفي للنائب العام أحمد المغني الذي كشف فيه الستار عن بعض الاختلاسات المالية التي قد تصل حسب رأيه لأكثر من مليار دولار أميركي، والجدل دائر بين مشكك في صحة الأرقام وحقيقتها، ومؤكد أنها لا تمثل إلا قمة جبل الجليد الظاهر فوق السطح وما خفي أعظم. وبين الجهتين يقف المواطن الفلسطيني مذهولاً ليس بسبب حجم الفساد، لكن لأنها المرة الأولى التي يتم فيها الاعتراف بوجود الملف وتفاصيله وبشكل رسمي، رغم المحاولات الماضية لإثارته وعلى أكثر من صعيد.

رحلة ملفات الفساد

- تعود حكايات الفساد المالي إلى أيام منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان حيث كانت الأموال تصرف دون رقيب أو حسيب، في الوقت الذي كان يستقطع فيه من كل فلسطيني يعمل في الدول العربية ما قيمته 5% من الراتب، وكثر الحديث عن الاستثمارات الخارجية للمنظمة وحسابات بعض قياداتها وحياة البذخ والترف التي يعيشونها.

- كشف ولأول مرة عن ملف الفساد في السلطة الفلسطينية عام 1997، أي بعد سنوات بسيطة من إنشائها، فقد تناولت الصحف والتقارير في حينها اختفاء مبلغ 326 مليون دولار من ميزانية السلطة، ورغم تحويل القضية للرقابة الإدارية، فإنها وجدت طريقها لأدراج الإهمال والتغطية.

- سجل العام 1998 أول محاولة جادة لتحريك ملف الفساد بعد صدور بيان العشرين الذي ووجه الموقعون عليه بكل قسوة وعنف، فضرب من ضرب، واعتقل من اعتقل، ليدخل ملف الفساد من جديد غياهب أدراج الرئاسة.

- مع بداية الانتفاضة أواخر عام 2000 عاد ملف الفساد للظهور، لكن لم يكن نصيب المحاولات في ذلك العام بأحسن من سابقاتها.

- العام 2003 كان عام الوثائق والمستندات التي تدين أسماء لها وزنها في السلطة الفلسطينية، لكن وبسبب أن من نشر تلك الوثائق كانت سلطات الاحتلال بعد اجتياحها لمناطق السلطة، فقد طويت الملفات مرة أخرى بحجة أن فتحها يخدم مصالح أعداء الشعب.

- في ذات العام كشف سلام فياض عن حصر ما قيمته 600 مليون دولار من صندوق الاستثمارات كانت في حكم المنسية في حينه.

- منذ عام 2004 وحتى اللحظة لم يتوقف سيل المقالات والتقارير التي تتحدث عن الفساد المالي داخل السلطة، لتصل المطالب بفتح التحقيق حول الفساد ذروتها بعد رحيل عرفات والصراع الذي تم بين سهى عرفات ومن سمتهم "المستورثين" لتقاسم التركة التي لا يعرف حجمها بعد.

لماذا الآن؟

جاء توقيت المؤتمر الصحفي للنائب العام مثيرا للتساؤلات والتكهنات، فبعد سبات استمر أكثر من 12 عاما خرجت هذه الملفات بقدرة قادر إلى العلن رغم عدم انتهاء التحقيق فيها بشكل رسمي، ودون تحديد أسماء بعينها، أو توجيه اتهامات واضحة، وهو ما يفسر من خلال احتمالات أهمها:

1. أنها خطوة استباقية لسحب البساط من تحت حركة حماس، وهو ما يسجل للمؤسسة الرئاسية أسبقية فتح الملفات ومحاربة الفساد، وأيضا إيجاد مخرج في كل الظروف، فإن نجحت الرئاسة في خطوتها تلك حسبت لها، وإن فشلت حملت حركة حماس المسؤولية كونها الحكومة!.

2. في سياق معاقبة عبّاس لمن حاولوا اعتراضه وعرقلته بعد أن اعترف بمشكلته الداخلية مع حركة فتح يوم 14/01/2006، ولتكون ملفات الفساد ورقة ضغط حقيقية يشهرها حسب الحاجة لتمرير نهجه داخل حركة فتح.

3. أن تكون محاولة للتغطية على ملفات أكبر وأضخم تطال رموزا في الصف الأول، مما يشغل الناس بالملفات الصغيرة نسبيا، ويخفف المطالب بالمحاسبة عقب فوز حماس بالانتخابات التشريعية، وهو ما سبق أن أشار إليه النائب جمال الشاتي رئيس لجنة الرقابة وحقوق الإنسان بالمجلس التشريعي الفلسطيني بتاريخ 29/06/2005 في حديث لـ"إسلام أون لاين" قائلاً "لم يتم تحريك العديد من ملفات الفساد المرفوعة إلى النائب العام، ونريد أن نعرف بصراحة ما إذا كانت هناك ضغوط تمارس عليه من بعض الأطراف، أو ربما قرار سياسي بتجميد هذه الملفات"، ليضيف أن "النائب العام لم يحسم سوى قضايا الفساد التي تتعلق بمسؤولين صغار في السلطة، أما الحيتان فلا أحد يحاسبهم".

4. أن عبّاس يريد فتح الملفات مستغلاً فوز حماس بالانتخابات لما لديها من دعم شعبي وقوة لا يستهان بها على الأرض.

5. صدق النية من قبل عبّاس بفتح ملفات الفساد والضرب على الفاسدين دون أية نوايا سياسية أخرى وهو احتمال لا يمكن إسقاطه.

الخلاصة

خطوة فتح ملفات الفساد هي دون شك خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن لابد من متابعة كافة الملفات، والوصول للحقيقة حتى وإن طالت أكبر الرؤوس، وهو ما يتطلب سلطة قوية قادرة وقضاء عادل ونزيه، وهو ما لا يتوفر حتى اللحظة، خاصة أن النائب العام نفسه موضع اتهام حول كيفية وصوله لمنصبه وشرعيته وهو الذي لم يكن جزءا من الجهاز القانوني للسلطة بدليل ترشحه عن قائمة فتح في انتخابات نقابة المحامين وعدم حصوله للأصوات اللازمة ليكون عضوا في مجلس إدارة النقابة المكون من ستة أعضاء، والتي حصدت حماس فيها أربعة مقاعد مقابل اثنين لحركة فتح، كما يتطلب الفصل التام بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو ما لم يحدث باعتراف النائب العام أن محمود عبّاس طلب منه تأجيل عقد المؤتمر الصحفي وهو ما يعتبر تدخلاً مباشراً في صلاحيات السلطة القضائية.

ستحمل الأيام القادمة مفاجآت من العيار الثقيل، فالزلزال الفلسطيني يوم 25/01/2006 بدأت توابعه بالوصول، وتسونامي الإصلاح سيجرف الكثير من رؤوس الفساد والإفساد في فلسطين، وما نشهده اليوم هو البداية وليس النهاية، وملفات الفساد الاقتصادي والمالي يجب أن يتبعها فتح ملفات الفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي والوظيفي، بعد أن تحولت فلسطين إلى إقطاعيات خاصة لمتنفذين لم يتورعوا عن المتاجرة بكل شيء.

■ إبراهيم حمّامي

 

قاسيون بتصرف