لكي يتجاوز العراق مخطط «الفتنة».. الجريمة التي طالت مقام الإمامين تفوح منها رائحة الموساد والـ CIA

الاعتداء المسلح على ضريحي الإمامين العاشر والحادي عشر علي الهادي وحسن العسكري في مدينة سامراء العراقية، وما تبعه من ردود فعل غاضبة وهجمات طالت نحو 30 مسجداً في بغداد وغيرها، يؤشر بطريقة أو بأخرى على أن الجهات التي تقف وراء الحادث –وهي معروفة دون أدنى شك- تدفع باتجاه خلق مناخ فتنة طائفية سيكون لها فيما لو حققت أهدافها بالصورة المخطط لها، تداعيات خطيرة على المشهد العراقي المثقل أصلا بالأزمات والجراح نتيجة الاحتلال البغيض الذي ساهم في زيادة وتكريس هموم العراقيين.

في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر الطائفي تطرح على الساحة تساؤلات كبيرة عن الجهات المسؤولة والمستفيدة من مثل هذه الهجمات، ودلالات توقيتها، وعلاقة قوات الاحتلال بها، ودور القوى العراقية الدينية والعلمانية في تهدئة الأجواء والبحث في أسبابها الأساسية وإيجاد الحلول الجذرية لها من منطلقات وطنية أولاً وأخيراً، وما هي الخطوات الضرورية التي يجب اعتمادها للحيلولة دون السقوط في مستنقع الفتنة الطائفية، وكيفية الخروج من مثل هذه الأزمات العاصفة التي تتهدد وجود العراق  كدولة موحدة وشعب واحد وكيان متجانس؟

فالمسألة لم تعد مجرد هجمات أو اعتداءات على هذا الرمز المقدس أو ذاك، بقدر ما بدت أنها وهي هكذا أصلاً وفعلاً، مشروع حقيقي تبذل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وعملاؤها  كل ما بوسعها لإتمام اختلاقه وتهيئته والسير فيه إلى النهاية، ألا وهو الوصول بالعراقيين إلى الحرب الأهلية، أو لنقل إن التمكن من تحقيق هذه الغاية هو المبتغى الارتكازي للمحتلين كي يتسنى لهم نهب الثروات العراقية وبسط الهيمنة على كامل بلاد الرافدين والتخطيط للتوسع شرقاً وغرباً دون أية عوائق أو مشاكل.

والحقيقة أن الغاية الأمريكية قد قطعت شوطاً خطيراً في هذا الاتجاه التدميري الهائل..

فرغم مسارعة كافة القوى العراقية إلى إدانة الاعتداء بشدة ودعوتها للهدوء وضبط النفس والتعالي عن الجراح واتفاقها على أن ما جرى هو محاولة مشبوهة لإثارة فتنة طائفية، فإن تلك القوى بالإضافة لعدد من المحللين والمراقبين السياسيين اختلفوا في تحليل الأحداث وربطها والجهات المسؤولة عنها أو تلك المستفيدة منها.

فرسمياً رأى الرئيس العراقي جلال الطالباني وعدد من السياسيين الجدد الذين ترتبط مصالحهم بمصالح قوات الاحتلال، أن الهجوم يهدف إلى تعطيل العملية السياسية وعرقلة مسيرة المفاوضات الرامية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ليس إلا، ولم يتطرق أولئك أبداً إلى احتمال تورط قوات الاحتلال الأمريكية في هذه الجريمة النكراء على الرغم من كونها أكثر المستفيدين؟؟  ولم يكتفوا بذلك بل حمّلوا من أسموهم «التكفيريين الزنادقة» أو «المسلحين المقربين من تنظيم أبو مصعب الزرقاوي» مسؤولية الاعتداء، من دون أية إشارة إلى علاقة هؤلاء (الذين يمكن أن يكونوا مجرد منفذين) بقوات الاحتلال..

القوى الدينية (الرسمية) اتخذت، ربما للمرة الأولى، موقفاً مديناً لإدارة قوات الاحتلال، فقد حمل عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ورئيس أكبر كتلة برلمانية، السفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زاده جزءا من المسؤولية عن الهجوم، مشيراً إلى أن تصريحات غير مسؤولة، كان قد أدلى بها، هي التي  أعطت الضوء الأخضر "للإرهابيين" ليفعلوا ما فعلوه.

أما هيئة علماء المسلمين فقد كانت أكثر وضوحاً في توجيه أصابع الاتهام للقوات الغازية، إذ حملتها مسؤولية ما حدث، خصوصاً أن منطقة الضريحين في سامراء كانت تخضع لحظر تجول من قبل القوات الأمريكية قبل وقوع الجريمة.

الجريمة واضحة الأهداف والمرامي، المحللون الاستراتيجيون والرأي العام الشعبي في العالمين العربي والإسلامي متيقنون من أن ما جرى لا يخدم في النهاية سوى قوات الاحتلال لأنها تسعى منذ احتلالها العراق إلى إشعال حرب أهلية بين أبنائه لا تنتهي

إلا بتقسيم البلاد على أساس إثني أو ديني أو طائفي. إنها الجهة التي ما انفكت تزرع مناخاً طائفياً على المستويات السياسية والاجتماعية والقانونية بين العراقيين، وترتكب أبشع المجازر بحق الجميع بغض النظر عن مناطقهم أو جنسهم أو أعمارهم.

 

 إن السبيل الوحيد لتجاوز ما جرى والخروج من هذه الأزمة وغيرها من الأزمات السابقة واللاحقة، يكون أولاً بطرد قوات الاحتلال عبر تبني نهج مقاوم ورافض لإرادة الغزاة، وبالعودة إلى تكريس الوحدة الوطنية العراقية على أساس الانتماء للوطن ووحدة ترابه، ورفض كل أشكال التقسيم والتفتيت والمحاصصة.