المواجهة بين طهران ومحور واشنطن-تل أبيب: نجاد يسعى لتجذير خيار الإيرانيين بالمقاومة..

تنتقل المواجهة المحتملة بين واشنطن وحلفائها من جهة وطهران من جهة أخرى خطوة تصعيدية أخرى إلى الأمام مع تهديد الطرف الأول بتحويل ما يسمى بملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي بعد إعلان طهران تمسكها بحقها السيادي في إنتاج الطاقة النووية مؤكدة توظيفها للأغراض السلمية.

 اللعب ع المكشوف

وبعد كثير من الشد والجذب والتخفي خلف أقنعة الدبلوماسية وقنوات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والترويكا الأوربية والوساطات والبدائل الروسية والصينية بما يفضي إلى حرمان طهران من دخول «النادي النووي» باتت المواجهة مكشوفة بين ذاك الحق الإيراني الذي دخل حيز التنفيذ لتخصيب اليورانيوم من جهة، والضغوط والمعايير الأمريكية المزدوجة ومن خلفها مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير من جهة أخرى والذي يريد كما هو معروف إعادة رسم خارطة المنطقة وتقزيم دولها وتفتيتها خدمة للمصالح الإمبريالية والصهيونية الإسرائيلية.

تسخين الأجواء ضد طهران

وفي سياق مفاقمة الضغوط على إيران جاء اجتماع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا بهدف مناقشة اتخاذ «خطوات دبلوماسية فعالة» ضد إيران بخصوص برنامجها النووي من أجل التنسيق مع موسكو وبكين لتبني توجه موحد في محاولة لإجراء تصويت في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من شأنه إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات على إيران. وعلاوة على ذلك جاءت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى موسكو لمناقشة الملف ذاته خاصة وأنه سبق لها وأن اتفقت مع الرئيس الأمريكي جورج بوش بخصوص إيران أو بالأحرى على إيران. وبالتالي لا يمكن عد زيارتها موسكو إلا خطوة تصعيدية أخرى من جانب الغرب باتجاه طهران ولا يقلل من خطورتها تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بويتن من أن «مشكلة إيران النووية تتطلب الحذر ولن تتم تسويتها عبر تدابير مشددة».

لعبة المصالح ومنطق الابتزاز

وهنا ينبغي تناول الموقف الروسي ذاته بكثير من الحذر. فصحيح أن لألمانيا مصالح تجارية كبيرة في إيران بلغ فيها حجم الصادرات الألمانية إلى طهران أربعة مليارات يورو في العام الماضي بما يعنيه ذلك من ضربة قوية للصادرات الألمانية في حال فرض عقوبات على إيران، وصحيح أن روسيا هي من تقوم من بين مشروعات أخرى ببناء محطة الطاقة النووية الإيرانية في بوشهر بتكلفة أولية تصل إلى مليار دولار وصحيح أن الصين تعتمد على النفط الإيراني إلا أن ذلك كله لا يمكن الركون إليه ضمن لعبة المصالح الدولية وضغوط الابتزاز وشراء المواقف من جانب واشنطن، خاصة وأن تجارب دول المنطقة مع روسيا بوتين تقول إن الموقف الروسي لا يمكن الاعتماد عليه إلى النهاية «لأنه يكوّع عند المنعطفات الخطرة»، وأن برلين لن تضحي بتحسن علاقاتها مع واشنطن إثر «الجفاء» بخصوص ملف الحرب الأمريكية على العراق، وأن بكين إنما تقوّم علاقاتها مع واشنطن من خلال أوراق أساسية في التجاذب والتناقض بخصوص ملف تايوان وتبايناته وبخصوص موقعها التجاري الاقتصادي وعضويتها في منظمة التجارة العالمية. ومن هنا لا يستبعد المراقبون في حال قررت واشنطن أو تل أبيب تنفيذ المخطط العسكري العدواني الموضوع سلفاً ضد إيران قيام أية صفقات قد تعرف تفاصيلها لاحقاً من شأنها وتحت ذريعة التطلعات النووية الإيرانية تحييد مواقف موسكو وبكين بخصوص مواصلة دعمهما الدبلوماسي لطهران في مواجهة منطق الغطرسة الأمريكية، وهو ما برزت تجلياته مسبقاً عندما حذرت روسيا إيران بعد استئنافها أبحاث الوقود النووي من أنها قد تخسر دعم موسكو إذا لم توقف هذا العمل، علماً بأن سنوات من تحريات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تسفر عن دليل قاطع يناقض التأكيدات الإيرانية أن مشروعها للأبحاث والتنمية النووية لا يهدف إلا إلى تغذية اقتصادها الذي يحتاج للكهرباء.

دور وكالة الطاقة الذرية

وإذا كانت مواقف ما تسمى بعواصم القرار في العالم على هذه الشاكلة فمن الطبيعي أن تكون مواقف الأدوات والأجهزة أكثر تخاذلاً. فعلى الرغم من تأكيد إيران استعدادها لإجراء بحوث الطاقة النووية في روسيا كبلد ثان أو تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران ذاتها إلا أن هذه الوكالة وعلى لسان مديرها العام الدكتور محمد البرادعي قالت إنها لا يمكنها تأكيد الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، مؤكداً أنه ليس بصدد تمديد موعد تقديم تقريره المقبل بشأن البرنامج النووي الإيراني في أوائل آذار المقبل.

جوقة أمريكية إسرائيلية

تقرع طبول الحرب

ووسط هذه الأجواء بدأت جوقة مجلس الشيوخ الأمريكي بقرع طبول الحرب في المنطقة من جديد، حيث «تجاوز» الديمقراطيون والجمهوريون «خلافاتهم» المستجدة تكتيكياً وانتخابياً حول الحرب على العراق، وقالوا في تصريحات متطابقة أنه قد «يتحتم» على الولايات المتحدة أن توجه ضربة عسكرية لردع إيران عن الحصول على أسلحة نووية لكن ذلك ينبغي أن يكون الملاذ الأخير (السيناتور الجمهوري جون ماكين، وزميله ترنت لوت، والسيناتور الديمقراطي إيفان بايه).

وزامن ذلك تصريحات لرئيس الكيان الإسرائيلي موشيه كتساف قال فيها «إن إسرائيل لن تسمح لنظام استبدادي يصدر الإرهاب الدولي بامتلاك قدرات نووية لأن ذلك سيكون الخطوة الأولى لانتقال قنابل نووية إلى أيدي إرهابيي حزب الله وحماس وتنظيم القاعدة...» (هكذا!!؟)

وبينما لا يحتاج خلط الإرهابي كتساف كالعادة لمفهومي المقاومة والإرهاب لكثير من التعليق، توجه نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني إلى كل من مصر والسعودية لإجراء محادثات يفترض أن محورها هو الوضع في العراق والأمن الإقليمي (في إشارة إلى تصعيد الضغوط على إيران بخصوص ملفها النووي وعلى سورية بخصوص ذريعة لبنان).

ويرافق هذه التطورات تحركات ميدانية عسكرية تتعلق بعمليات إعادة نشر القوات الأمريكية في كل من العراق وقطر والسعودية والأردن تحضيراً فيما يبدو لأي اعتداء عسكري ضد إيران، غير أن التحركات العسكرية داخل العراق يجري تصويرها على أنها انسحابات أو تخفيض عديد القوات بسبب فداحة الخسائر العسكرية الأمريكية هناك، إلا أن هذا الأمر وعلى الرغم من تصاعد عمليات المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأمريكية لا يجري ضمن تمثيلية «تسليم أمن العراق لقواته التي ينبغي عليها أن تثبت فاعليتها أولاً» أو كرمى لعيون الأمهات الأمريكيات الثكالى أو اللواتي يخشين على بقية أبنائهن وإنما يتعلق بتنفيذ مخطط يعرف الجميع أنه موضوع مسبقاً.

تضليل استخباراتي.. مرة أخرى

وفي هذا السياق أكد خوان غيلمان في صحيفة إل كوريو التشيلية في ألمانيا أن معلومات مختلفة يجري تداولها في ألمانيا حول هجوم وشيك للولايات المتحدة على إيران، بوصفها قد أُنذرت وأخذت علماً. وقد نشرت وكالة DPA الإخبارية في 23 كانون الأول 2005 مقالةً للصحافي والخبير في شؤون الاستخبارات أودو أولفكوت، يؤكّد فيها من «مصادر مخابراتية غربية» أنّ بورتر غوس، مدير الـ CIA، توجه إلى أنقرة في 12 كانون الأول طلباً لدعم تركيا في هجومٍ جوي محتمل على المنشآت النووية الإيرانية، أي لتتمكن الطائرات الأمريكية من الإقلاع من الأراضي التركية كي يكون هجومها ناجحاً. وعلاوةً على ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أنّ واشنطن أحاطت حكومات المملكة العربية السعودية والأردن وعمان وباكستان علماً بنواياها. وذكرت صحيفة دير تاغسشبيغل البرلينية (28 كانون الأول 2005) بدورها تصريحات لوكلاء استخبارات تابعين لحلف شمالي الأطلسي، تفيد بأنّ البيت الأبيض قد أعلن لحلفائه إنّه يدرس جميع الخيارات «لترويض» طهران، بما في ذلك الخيار العسكري، والحجّة التي يبرزها البيت الأبيض هي نفسها الحجة التي استخدمها لغزو العراق: أي أنّ إيران تنوي تصنيع أسلحة نووية وأنها تتعاون مع تنظيم القاعدة بطبيعة الحال. كما قام غوس بتسليم موظفي الاستخبارات التركية ثلاثة ملفات تقول إن إيران تساند «الانفصاليين» الأكراد في تركيا.

وكانت تركيا قد راقبت النشاط العسكري الأمريكي في المنطقة بشيءٍ من الخشية، بل وصلت إلى حدّ معارضة استخدام أراضيها لمهاجمة شمالي العراق في مطلع العام 2003. ولم يكلّ رامسفيلد من تكرار أنّ ذلك الأمر قد فاقم حدة مصاعب احتلال العراق. لكن منذ أسبوعين، أعلن القائد العام للجيش التركي، يسار بويوكانيت، بعد زيارته لواشنطن، أن العلاقات مع الولايات المتحدة أصبحت ممتازةً من جديد. وهذا أمرٌ ذو صلةٍ بتكرر زيارات كبار الموظفين من أوروبا الغربية ومن أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلى أنقرة. «خلال بضعة أيام، ذهب إلى العاصمة التركية كلٌّ من رئيس الـ FBI ثم رئيس الـ CIA والأمين العام لحلف شمالي الأطلسي جاب دي هوب شيفر». أمّا الشهر الماضي، فقد زارتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس، بعد توقّف في برلين.

الذراع الإسرائيلية

إنّ مشروع قصف إيران ليس جديداً، لكن يبدو أنّ تنفيذه أصبح وشيكاً. ففي مقابلةٍ أجرتها معه وكالة NBC في كانون الثاني 2005، أشار نائب الرئيس ديك تشيني إلى أنّه، «نظراً للميول العدوانية في طهران تجاه إسرائيل»، «فمن غير المستبعد أن تقوم إسرائيل بالفعل بدايةً وتترك باقي العالم ينشغل بعد ذلك بتنظيم الفوضى الدبلوماسية» التي سيتسبب بها هجومٌ تقوم به تل أبيب.

كما كشف الصحافي سيمور هيرش بأنّ وحدات كوماندوس أمريكية قد تغلغلت إلى الأراضي الإيرانية (نيويوركر، كانون الثاني 2005). وفي أواخر العام 2004، وجه دونالد رامسفيلد، زعيم البنتاغون، أمراً للقوات الأمريكية المسلحة بالجاهزية للانطلاق خلال 12 ساعة أو أقل في هجومٍ استباقي على أي بلدٍ في العالم يعتقد بأنّ لديه أو أنّه يطوّر أسلحة دمار شاملة، ولاسيما إيران وكوريا الديمقراطية. وهذه ليست دعابة، فالخطة تتضمن خياراً نووياً (واشنطن بوست، 15 أيار 2005). إذن، فالخطر ما يزال ساري المفعول بالنسبة للعام 2006 أيضاً.

انتقائية المعايير

لقد أزاح انتهاء الحرب الباردة محور التوتر النووي على الكوكب من أوروبا إلى آسيا. ففي كلٍّ من إسرائيل وإيران غرباً، وكوريا الديمقراطية واليابان شرقاً، مروراً بالهند وباكستان جنوباً، شهدنا نشاطاً في هذا المجال تقيسه الولايات المتحدة بمقياسين. فهي تتهم إيران بعدم احترام المعاهدة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية، لكنّها تمدّ البرنامج الإسرائيلي لإنتاج الأسلحة النووية بالأموال. وهي تشمل كوريا الديمقراطية ضمن «محور الشر»، لكنّها تقيم «شراكةً استراتيجية» مع الهند، كما يلتزم بوش بالحصول على ضوءٍ أخضر من الكونغرس لتزويد نيودلهي بتقنياتٍ نووية متقدمة، معلناً أنّ الهند دولةٌ نووية «مسؤولة»، أما الدول الأخرى، فهي غير كذلك.

كما ينظر «الصقور» بعين الرضى لطلب المحافظين اليابانيين الذين يطالبون بتعديل الوضع المفروض على اليابان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي يمنعها من امتلاك قوى مسلّحة كبيرة ومن إنتاج الأسلحة النووية أو الحصول عليها. وهنا باتت طوكيو تخزّن كميات هائلة من البلوتونيوم المعالج في أوروبا والذي يمكن بسرعة تحويله لصناعة الأسلحة النووية، مما سيؤدي إلى رد فعل بكين وإلى سلسلةٍ من النتائج التي لا يمكن حسبانها.

وهناك معلومات إضافية حول «من يتلاعب بمن» لكن ينبغي الحذر بصددها لأنّ هذه المعلومات ربما تخفي خلفها مجدداً عمليةً استخبارية تهدف لتحضير الرأي العام الأوروبي والدولي لهجومٍ منظّم لـ«الحلفاء» على إيران.

إيران وقرار المواجهة..

في المقابل تدرك إيران أنها في مواجهة سيناريو محدد، وهي بناءً عليه تلوح باحتمال ارتفاع أسعار النفط العالمية في حال فرض عقوبات عليها وهي التي تعد رابع أكبر مصدر للنفط الخام في العالم وثاني أكبر مصدر له في منظمة أوبك، وهي تعقد كذلك صفقات مع أصدقاء جدد في فنزويلا على سبيل المثال، إلا أنه من الواضح أن سياسة الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد تسعى للاعتماد على الداخل من خلال تجييش الشارع خلفه عبر سلسلة إجراءات تبدأ من تقديم كشوف حسابات شخصية ولا تنتهي بالتحريض ضد إسرائيل وأمريكا وعدوانيتهما. وبغض النظر عما إذا كانت إيران تسعى فعلياً لامتلاك السلاح النووي في ضوء التهديدات التي تتربص بها وبالمنطقة فيبدو أن الرجل يدرك تماماً لما يفعله بخصوص تصريحاته ضد إسرائيل والصهيونية والتي أثارت حوله سلسلة غير منتهية من الانتقادات الغربية وحتى من بعض الأوساط العربية الموصوفة بالمعتدلة. ويبدو جلياً أن خطاب نجاد الذي يعمل على تجذير خياره بالمقاومة موجه للداخل الإيراني خاصة وأن واشنطن ستلعب على حبل المنشقين الإيرانيين في الخارج وحبل «المعتدلين» أو «الإصلاحيين» في الداخل بهدف زيادة الضغوط على إيران.

هل ستتحرك الشعوب؟!!

في نهاية المطاف وبغض النظر عن أشكال احتمالات المواجهة المرتقبة وموعدها ضمن سيناريوهات الشرق الأوسط الكبير سيئ الصيت فإن حقيقة واحدة تبقى بارزة وهي أنه من شأن أي مغامرة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد إيران أن تشعل المنطقة برمتها وربما العالم بأسره أو أجزاء هامة منه من بعدها، وسيكون ذلك بطبيعة الحال ليس على حساب النخب وإنما على حساب الشعوب التي ينتظر منها التحرك في الاتجاهات الصحيحة أو بالأحرى التحرك باتجاه إيجاد  أو انتزاع مناخات ملائمة للدفاع عن ذواتها وكينوناتها.

■ عبادة بوظو

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.