المجاعة في الصومال ونصائح البنك الدولي

تتبارى الدول والمنظمات في التباكي على المجاعة الآخذة في التزايد في الصومال دون أن يسأل أحد عن أسباب هذه المجاعة، وهل هي بفعل فاعل أم أنها بسبب الجفاف الذي يضرب أكثر من منطقة في الصومال، وبسبب الحرب التي تدور رحاها على أرض الصومال منذ ما يقرب العقدين؟

حتى ثمانينيات القرن الماضي كان الصوماليون يعيشون في اكتفاء ذاتي، معتمدين على ثلاثة قطاعات اقتصادية تتناسب وطبيعة الأرض والسكان: الزراعة، المواشي، والقطاع العام بما يقدم من خدمات. فالصومال غني بالثروة الحرجية وأراضيه شاسعة وعدد سكانه ليس كبيرا قياسا بمساحة الأرض. ويومها كانت الصومال تُصدر اللحوم إلى المملكة العربية السعودية، وتصدر بعض إنتاجها الزراعي مثل «الموز الصومالي» وغيره.

مع بداية الثمانينيات جاءت وصفة البنك الدولي التي عممت على أغلب بلدان العالم الثالث والقاضية بضرورة «ترشيق» الإدارة، و«تحديث» الزراعة وطرق تربية المواشي. فكانت النتيجة تسريح ثلث العاملين في القطاع العام مما حرم هؤلاء مداخيلهم، وحرم أيضاً المزارعين ومربي المواشي من ثلث زبائنهم. وترافق ذلك مع ديون تراكمت على المزارعين جراء شراء آلات حديثة للزراعة فكان أن تم بيع قسم كبير من المواشي، وهكذا دخلت الصومال مرحلة العوز عند أغلبية الصوماليين، وما كاد ينتهي عقد الثمانينيات وبدء عقد التسعينيات حتى بدأت الحرب الأهلية التي ماتزال مستمرة حتى اليوم والتي استُثمرت أبشع استثمار من الاستعمار الأميركي وأعوانه وبخاصة إثيوبيا.

إن وصفة البنك الدولي لم تكن بمعزل عن الرؤية الاستعمارية الغربية لمنطقة القرن الأفريقي التي تشكل ممرا لهذا الاستعمار إلى أفريقيا الغنية بمواردها الطبيعية، والفقيرة باستثمار هذه الموارد لمصلحتها. في خطابه، الذي برر فيه تدخل الأطلسي في ليبيا، اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جزء من الأمن الأميركي.

ما جرى من حروب داخلية في الصومال، جرى مثله سابقاً في السودان الذي يملك 84 مليون هكتار صالحة للزراعة بما يكفي المنطقة العربية بكاملها، إضافة إلى ثروة نفطية، فقد استمرت الحرب فيه قرابة نصف قرن حتى تم تقسيمه إلى شمال وجنوب ولا تزال تتهدده مخاطر تقسيمية جديدة.

ويوم تحركت الانتفاضات العربية ضد الحكام المتسلطين الذين كانوا طوع بنان الاستعمار، تبجحت الحكومات الغربية بتقديم المساعدات إلى «الثوار»، دون أن تفصح أن هذه المساعدات ليست إلا قدراً يسيراً من الأرصدة المجمدة لديها. ودون أن تفصح أيضاً أن دولاً نفطية تقبض ثمن بترولها من الولايات المتحدة الأميركية سندات خزينة تصل قيمتها إلى آلاف المليارات من الدولارات، وهذه السندات تتوالى خساراتها سيما بعد تخفيض درجة الائتمان للولايات المتحدة الأميركية.

إن من واجب الامم المتحدة إذا كانت حريصة فعلاً على حقوق الانسان وحقوق الشعوب أن تتحرك ضد مسببي الحروب الأهلية وضد قوى الاستعمار والاحتلال، لا أن تتباكى على المجاعات المتنقلة بسبب هذه القوى الاستعمارية وليس بفعل عوامل طبيعية، كما عليها وضع حد لهدر المساعدات التي يقال إن قسما كبيرا منها يذهب على إقامة المسؤولين في الفنادق الفخمة وعلى صفقات تنقصها الشفافية والنزاهة.

إن تجربة الأونروا مع الفلسطينيين، تشكل نموذجاً لتعاطي الأمم المتحدة مع الشعوب المضهدة من الاستعمار والصهيونية. فلقد قامت الأونروا للتخفيف من حجم الجريمة الصهيونية الاستعمارية بتشريد الشعب الفلسطيني، وهاهي اليوم تنقلب على دورها فتقلص خدماتها في غزة ولبنان بحجة عدم توفر الأموال.

لم يكن الشعب الفلسطيني بحاجة لمساعدة أحد لو لم يقم الاستعمار والصهيونية بطرده من أرضه، ولم يكن الشعب الصومالي بحاجة للمساعدة لو لم يتبرع البنك الدولي بوصفته الخبيثة، لذلك يصح القول ليتها لم تزن ولم تتصدق. 

■ مدير المركز الوطني للدراسات - بيروت