الحرب النفسية الإعلامية على طهران والمنطقة والشعب الأمريكي: بين تحضير الوعي والتحذير من مستنقع آخر.. ونصب المصائد

تحت عنوان «مواجهة إيران...وخيار الحرب الاستباقية» تساءلت داياني فاينشتاين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا، عما إذا كانت إدارة بوش قد تعلمت الدرس العراقي, أم أنها ستكرر وضع الأمريكيين مجدداً على طريق المواجهة العسكرية مع إيران؟

ولكن هذه السياسية الأمريكية لم تلحظ دور مفهوم الحرب الاستباقية في محاولة الإدارة الأمريكية القفز إلى الأمام بأزماتها الاقتصادية والسياسية وورطاتها العسكرية التي تحاول الخروج منها عبر توسيعها.

ورأت أن سعي إيران لتطوير ترسانتها النووية هو عين السبب الذي يجعل الأمريكيين في أمسِّ الحاجة للدور القيادي الأمريكي، صالهادف إلى التوصل إلى حل دبلوماسي يعول عليه للأزمة. إلا أنها استدركت أنه وبدلاً من أن تسلك إدارة بوش هذا الطريق, فقد تواترت التقارير عن لجوئها إلى عقيدة الحروب الاستباقية الفاشلة، داعية الأمريكيين إلى  إبداء قدر كبير من الاهتمام بهذا الأمر.

وأكدت عضو مجلس الشيوخ الأمريكي أن الخطر كل الخطر, إنما يكمن في عقيدة الحرب الاستباقية التي تكررها إدارة بوش. وتضيف  مستشهدة بما رافق شن الحرب على العراق أنه لابد أولاً من أن تكون المعلومات الاستخباراتية صحيحة دائماً وغير محرفة ولا مشوهة موضحة أن واشنطن  أبعد من الحصول على أي دعم دولي يقوم على عقيدة الحرب الاستباقية, فيما إذا قررت خوض نزاع مسلح مع طهران.

وتضيف أن الأخطر من ذلك كله, هو أنه في وسع عقيدة الحرب الاستباقية, أن تزعزع الاستقرار العالمي في مجموعه, خاصة إذا تأكد «للأعداء والخصوم» أن السبيل الوحيد لاتقاء شر الضربات الاستباقية الأمريكية, هو الحصول على السلاح النووي.

وقالت إن الاعتماد المفرط على نهج الحرب الاستباقية, سيؤدي إلى تهميش الدور الدبلوماسي والتقليل من شأنه، منتقدة الحديث الدائر حالياً عن احتمال استخدام واشنطن للأسلحة النووية الخارقة للتحصينات الأرضية مشددة على أن الخطر يكمن في أن هناك أعضاء في إدارة بوش يدفعون باتجاه "تطبيع" استخدام الأسلحة النووية, وجعل ذلك الاستخدام, امتداداً طبيعياً للأسلحة التقليدية!

النتائج العكسية للعدوان على إيران

سيث جي. جونز أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون والخبير في العلوم السياسية بمؤسسة "راند" المقربة من وزارة الدفاع الأمريكية والاستخبارات المركزية الأمريكية يقول إن هجوما أميركيا على إيران من شأنه أن يُفقد المنطقة استقرارها ويسفر عن نتائج عكسية بالنسبة للحرب التي تشنها الولايات المتحدة «على الإرهاب».

وبعد أن قال إن بعض المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين أقروا بشكل غير رسمي أن لا مفر من احتمال اعتماد الخيار العسكري ضد إيران فقد بلورت الولايات المتحدة مخططات تقضي بتوجيه ضربات عسكرية محدودة للمنشآت النووية الإيرانية. ويمكن للهجوم المحتمل أن يتخذ ثلاثة أشكال على الأقل: ضربات جوية انطلاقاً من مقاتلات أمريكية أو إسرائيلية، أو هجوم بصواريخ أرض- أرض، أو هجوم بالصواريخ انطلاقاً من السفن أو الغواصات في البحر الأبيض المتوسط أو بحر العرب.

ويستدرك جونز أن الأصوات المنادية بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران لا تستند إلى أساس قوي في ظل عدم وجود ضمانات على نجاحها، ذلك أن مسؤولي عدة وكالات استخبارات غربية أقروا أنهم لا يعرفون مكان جميع المنشآت النووية المحمية والحصينة في إيران والتي لا توجد بمكان واحد كما كان عليه الحال بالنسبة للعراق سنة 1981 عندما تعرض مفاعله النووي لهجوم إسرائيلي.

وعلاوة على ذلك، فإن كلفة هجوم أميركي محتمل ستكون باهظة جداً، وستتضمن تدهور العلاقات الأمريكية مع البلدان الإسلامية، مما سيؤثر بشدة حسب رؤية الكاتب الأمريكي على «حرب الولايات المتحدة العالمية على الإرهاب» مستشهداً بردود الفعل المناهضة لواشنطن والغرب إثر نشر الرسوم المسيئة لنبي المسلمين وبأن المشاعر المعادية للولايات المتحدة منتشرة أصلاً في العالم العربي، وذلك وفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة زغبي الدولية، مظهراً أن 85 في المئة من أبناء مصر و89 في المئة من أبناء السعودية لديهم نظرة سلبية للولايات المتحدة علماً بأن مصر والسعودية تعتبران حليفين كبيرين لواشنطن. ويخلص الكاتب إلى القول إنه على واشنطن اتباع سياسات تكسبها التأييد والفوز بالعقول والأفئدة في الشرق الأوسط بدلا من المزيد من العداء.

إدارة بوش وخطر الاستخفاف بمعاهدة حظر الانتشار النووي

الصحفية هيلينا كوبان تقول إنه في الوقت الذي يبدي فيه الرئيس بوش انزعاجه من جنوح طهران إلى التصعيد بشأن ملفها النووي، نجده يحث الكونجرس على تبني إجراءات تنتهك بشكل سافر معاهدة عدم الانتشار النووي من أجل تصدير التكنولوجيا النووية الأمريكية إلى الهند وهي دولة خارج معاهدة عدم الانتشار النووي، وقامت علنا بإجراء اختبارات على مجموعة من الأسلحة النووية.

وفي إجابتها عن سؤال طرحته هي حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تعاني من انفصام في الشخصية تجيب كوبان إن الإدارة المذكورة منسجمة في الواقع تماماً مع سياساتها المعلنة. فليس خافياً أن بوش وأعوانه يكنون كراهية كبيرة لمعاهدة حظر الانتشار النووي بقدر ما يكنون الكراهية ذاتها لباقي المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يرون أنها تعرقل حركة أمريكا على الساحة الدولية مثل اتفاقية "كيوتو" حول الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، أو معاهدة روما الخاصة بالمصادقة على المحكمة الدولية لجرائم الحرب. بيد أن الولايات المتحدة التي لم تصادق قط على تلك الاتفاقات كانت من أشد المؤيدين -حتى هذه اللحظة على الأقل- لمعاهدة عدم الانتشار النووي وأكثر أعضائها حماسة ظاهرياً.

وتخلص الكاتبة إلى القول إنه اليوم وبعدما أظهرت الحرب في العراق الدمار الذي يمكن أن تلحقه السياسات الأمريكية الأحادية، والاستعمال الهائل للقوة العسكرية، تبقى معاهدة عدم الانتشار النووي الضمان الوحيد لتعزيز التعاون الدولي في وجه الأخطار المرتبطة بأسلحة الدمار الشامل بعيداً عن السياسات الأحادية واستعمال القوة واعتماد المعايير المزدوجة.

الخروج من المصيدة الإيرانية

وتحت هذا العنوان أكد اناتول ليفين أنه لا يبدو أن الإستراتيجية التي تتبعها إدارة بوش بشأن إيران قادرة على الوصول إلى أي هدف موضحاً أنه بسبب الاختلاف الجوهري في الكيفية التي تعاملت بها الولايات المتحدة والغرب مع إيران من جهة ومع الهند وباكستان وإسرائيل من جهة أخرى, فان إيران ترى في المطالب الغربية نوعاً من معاهدة استسلام.

ورأى الكاتب أن الطريق الوحيد للخروج من المصيدة الحالية هي القبول بحد معين من تخصيب اليورانيوم تحت رقابة مشددة مع التركيز, في الوقت نفسه, على إيجاد موانع فعالة وقوية تحول دون استخدام اليورانيوم المخصب في إنتاج الأسلحة النووية، مع الإبقاء على مهلة ثمانية عشر شهراً على الأقل «لتحذير» الولايات المتحدة و«الأسرة الدولية» من أية إشارة إلى تحرك إيراني «محظور» ومن ثم الإعداد للرد المناسب.

ويقول الكاتب إن لمثل هذا الموقف عدداً من «المزايا المهمة», فهو سيعيد كلا من الولايات المتحدة وأوروبا إلى شروط معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها إيران ويمنع الإيرانيين من القول إنهم يخضعون لمعاملة تمييزية غير قانونية ولا عادلة. كما انه سوف يلزم الحكومة الإيرانية بالبيانات المتعددة التي صدرت عنها من أنها لا تسعى إلى إنتاج السلاح النووي. ويضاف إلى ذلك أن مثل هذا الموقف سيحمل ضمناً نوعاً من الخضوع للإرادة الروسية والصينية واعتراضها على المنهج الأمريكي الحالي, وهو أمر يسمح بالمقابل لأمريكا بان تلزم هاتين الدولتين وبقية دول الأسرة الدولية بفرض أقصى أنواع المقاطعة على إيران في حالة قيامها بانتهاك هذه الاتفاقية والتحول إلى إنتاج السلاح النووي.

أما التهديدات التي تتضمنها الاتفاقية فهي قطع العلاقات الدبلوماسية واستبعاد إيران من جميع المنظمات الدولية, وقطع جميع أنواع الاستثمارات الخارجية عنها, وفرض مقاطعة تجارية كاملة عليها, وحظر كل رحلات الطيران العالمية منها وإليها.

تعليق أخير:

بينما قد تقدم هذه الأفكار خروجاً لأمريكا من المصيدة فإنه من الواضح تماماً أنها تنصب مصيدة لطهران، التي سيكون الخيار أمامها أشبه بالخروج من تحت الدلف لتحت المزراب، وهو ما يدفعها للتمسك بخياراتها هي.