لبنان... المعركة المصيرية بدأت.. والاحتمالات مفتوحة
الاعتصام الشعبي المفتوح للمعارضة اللبنانية في ساحتي رياض الصلح والشهداء من أجل إسقاط الحكومة «المتأمركة»، والذي بدأ بمظاهرة جماهيرية هائلة هي الأكبر والأعظم في تاريخ لبنان، هو الأول من نوعه دولياًَ بالنسبة للقوى الممانعة للمشروع الكوني الإمبريالي المعولم الذي شرع يحارب الأمريكيين بأسلحتهم ذاتها بعد أن اعتمد شكلاً يشابه إلى حد كبير (الثورات البرتقالية) التي ابتدعها استراتيجيو البيت الأبيض، ليسقطوا من خلالها الأنظمة التي تعصى أوامرهم، فعادت لترتد عليهم وبالاً وثبوراً!!
هذا الاعتصام الذي سيسجله التاريخ كواحد من أكبر الاعتصامات الممانعة للمشاريع الإمبريالية في بلد صغير، جمع حشدا كبيرا من كافة القوى الوطنية اللبنانية على اختلاف تعريفاتهم وإيديولوجياتهم: اليسارية والقومية والدينية والاشتراكية، وأثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن تداخلاً كبيراً بدأ يسم التصنيفات السياسية بمعناها الكلاسيكي، بحيث أصبح هناك تداخل كبير بين ما يطرحه اليساري الشريف والقومي الشريف و«الديني» الشريف..
المسؤولون العرب في الدول التي أسماها الأمريكيون «دول الاعتدال» راحوا يتحدثون عن هجوم على طائفة محددة، وسارعوا للتحذير من حرب أهلية قد تنشأ في أية لحظة، ملمحين إلى احتمال تدخل من ذلك النوع العصبوي الذي يطيب للأمريكيين أن ينهجه جميع حكام وقوى وأحزاب وشوارع المنطقة. فها هو الرئيس المصري حسني مبارك الغني عن التعريف، وفي موقف يحمل دلالات خطيرة، يصرح متوعداً: «لو استمرت المسيرات فترة طويلة وأخذت طابعا طائفيا سيأتي من يناصر السنيورة من الخارج.. من بلاد عربية كثيرة»!!
أما الإدارة الأميركية التي وصل دعمها لحكومة «السنيورة» لدرجة بدا فيها سافراً مدى أهميتها بالنسبة إليهم كإحدى نقاط الارتكاز، فهي إلى الآن تبدو عاجزة، وإن كان من المتوقع بشدة أن تحاول إعادة الهجوم بصورة ربما تكون الأعنف من نوعها ليس على لبنان فقط وإنما على المنطقة برمتها، حيث لا تنفك تغذي الحساسيات الطائفية والمذهبية، وتنشر لوائح بأسماء شخصيات سياسية ودينية سيحاول «الإرهابيون» اغتيالها، محاولة تصوير المسألة وكأنها ساحة مواجهة بين الحلف السوري الإيراني (الإرهابي والمعزول) من جهة، والمعسكر اللبناني (المستقل الإرادة) والعربي والدولي (الشرعي) من جهة أخرى..
ويبقى الأهم هو ما يجري على أرض الواقع، فميدانياً ما تزال قوى المعارضة مرابطة حول السراي الحكومي بقوة وحزم، وهي مصرة على عدم مغادرة الساحات والشوارع قبل إسقاط عملاء الإمبريالية والصهيونية الممسكين بزمام السلطة، لتستثمر الانتصار العسكري الذي حققته المقاومة سياسياً واقتصادياً ومعنوياً من خلال حكومة وطنية تأخذ على عاتقها النهوض بلبنان، وتعد بأن هذا الشكل من الاحتجاج سيستمر بالتصاعد وسيأخذ أشكالاً أكثر تأثيراً ووقعاً في الأيام القليلة القادمة، بينما يحاول رموز وقادة قوى الأكثرية الوهمية في الطرف الآخر اختلاق مشاكل أمنية استفزازية لدفع الأمور نحو الاقتتال الطائفي والفلتان الأمني ليأتي الإنقاذ من الخارج، ويكثرون إعلامياً الحديث عن التقسيم وعن الكانتونات وهو هدف تاريخي أمريكي - صهيوني، وأملاً في تحقيق هذا الهدف، يفلتون الرعاع والمرتزقة في الزواريب، وهؤلاء يعتدون تارة على المعتصمين في رواحهم وغدوهم، وقد سقط أحد الشهداء جراء ذلك، وتارة يهاجمون العمال السوريين رغبة في استفزاز سورية ودفعها لارتكاب خطأ سياسي.
والأخطر هو ما حدث مؤخراً من استنفار للميليشيات وإعادة تسليحها بغية زجها في معركة تشير كل الدلائل أنها قد تندلع في أي وقت، حتى وإن أدى ذلك إلى انفضاض الأنصار والتابعين..
إن الصراع المصيري الدائر الآن في لبنان والذي لا بد أن يحسم لصالح القوى الوطنية المقاومة والمانعة، ستنعكس نتائجه على الشرق كله، لذلك يجب على جميع القوى الشريفة في المنطقة دعمه سياسياً وإعلامياً، والاستعداد لأشكال أخرى من الدعم عند الضرورة، فالمعركة مستمرة والعدو واحد..