جبران الجابر جبران الجابر

تدابير عسكرية لحروب عدوانية

تشهد المنطقة عسكره غير مسبوقة تعمل عليها الولايات المتحدة و«إسرائيل» وكانت تلك العسكرة تأخذ شكل صفقات بلغ آخرها قرابة ستين مليار دولار تعاقدت فيها المملكة السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولم تكتف احتكارات السلاح بذلك، لأن القواعد العسكرية تنتشر في صلب المنطقة العربية وحولها.

أحدث إجراء عسكري قادم تضمنه تصريح لرئيس الوكالة الأميركية للدفاع ضد الصواريخ هو إقامة منظومة الدفاع الأميركية التي ستقيمها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وستشمل منظومة الدفاع الإسرائيلية ضد الصواريخ. ويذكر في هذا الصدد المنظومة الصاروخية في أوروبا الشرقية بعد أن رضخ مدفيديف وبوتين واكتفيا بإعلان أن الصواريخ غير موجهة إلى روسيا.

لسنا هنا في مجال تعداد القواعد الأميركية التي تحيط بالمنطقة، لكن المرء يلحظ بوضوح تكامل النهج العسكري والسياسي الأميركي في منطقة الشرق الأوسط حتى وصل الأمر أن المنظومة الإسرائيلية مخولة بالدفاع عن دول الخليج.

وحتى المرء الذي لا باع له بالشؤون العسكرية واستراتيجيتها يلحظ إلى جانب التكامل السياسي والعسكري أن الاستراتيجية العسكرية في المنطقة لها قيادة واحدة، لإسرائيل باع طويل فيها إلى جانب جنرالات الإمبريالية الأميركية. كما أن صفقة الأسلحة للكويت تضع المرء أمام استراتيجية متعددة الخطوط تتطلبها الخطط الأميركية ضد شعوب المنطقة وصولاً إلى روسيا والصين.

قد يقال إن المشكلة ترتبط بصورة وثيقه بتأمين مناطق النفط وحمايتها ولجم «الأعداء» عنها، إلا أن وقائع سوق النفط تشير إلى أن دولاً عديدة تبتاع النفط الشرق أوسطي دونما أية حاجة لتلك العسكرة المتزايدة، فالصين على سبيل المثال، وغيرها تبتاع كميات النفط التي تحتاج من منطقة الشرق الأوسط.

الحجج المتتالية المتعلقة بالخطر الإيراني، والتي يروق للبعض تكرارها هي أن العسكرة تحول دون «الاعتداء» الإيراني على دول الخليج ويربطون ذلك «بالمطامع الإيرانية الإمبراطورية».

أما موضوعة نوايا إيران فإن الحرب تشعل نفطها إذا اشتعل نفط الآخرين، وقد يشتعل قبله، ومن الجدير ذكره هو أن إيران لا تعمد إلى استخدام المضائق إلا إذا واجهت عدواناً مباغتاً.

إن تلك العسكرة ترتبط بالاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة، ولم يعد خافياً أن تلك الاستراتيجية تترافق مع الأزمة الرأسمالية المستمرة، وعندها يصبح من الواضح أن الأزمة شددت عدوانية الولايات المتحدة. فهي تريد خفض نفقات إستراتيجيتها العسكرية على حساب الدول الأخرى وخاصة دول الخليج، وتدفعها الأزمة باتجاه التعامل مع كل دولة ترى في حكمها معرقلاً «لمصالح» الولايات المتحدة. وتتيح تلك العسكرة تشديد القبضة الأميركية في مجمل المنطقة لتأمين ما تسميه «أمن» إسرائيل.

قد يقال إن الصواريخ دفاعية وأنها تستخدم ضد الصواريخ الهجومية التي أصبحت إيران تمتلك منها ترسانة واسعة ومتعددة المسافات. تلكم دعاية لتغطية وتشويه حقائق منطقتنا والعالم. إنهم يهددون إيران بصورة دائمة تحت حجة البرنامج النووي الإيراني، وتستمر الدراسات العسكرية الاستراتيجية لتحديد الخيارات والخطط الأكثر سرعة والتي يأملون أن ينهار النظام الإيراني إثرها. إن إيران مهدده وهي في وضع دفاعي وشبكة الصواريخ الأميركية الإسرائيلية الخليجية ترمى إلى شل قدرات إيران الدفاعية وإحباط إمكانياتها للدفاع عن نفسها.

كانت إحدى حججهم وذرائعهم الترويج أن إيران تعتمد نظرية تصدير الثورة، ولكن الأحداث والثورات في الدول العربية أزاحت هذه النظرية من الفكر السياسي، وما من مفكر جاد إلا وقد استخلص أن تلك الثورات أكدت أن الدور المحوري والمحدد هو للعوامل الداخلية وذلك عبر تفاعل مختلف التأثيرات في الحامل المادي الوطني.

إن محاولات تحميل العامل الخارجي (إيران) مسؤولية الأحداث في البحرين وجدت مأزقها وهشاشتها وانهيارها في الأحداث اليومية التي كانت تجري في العاصمة البحرينية، وقد أدت المظاهرات والاحتجاجات فيها إلى انقلاب الآية حيث سارعت قوات السعودية وغيرها من دول الخليج وتحت ذريعة «أمن الخليج» إلى دخول البحرين وأدت دوراً سمح لقوات البحرين أن تنصرف كلياً لقمع المظاهرات. إن طموح الشعب البحريني إلى الحرية والديمقراطية والمساواة قديم، وقد اعتمد أمير البحرين «الملك حالياً» إلى ممارسة أقسى أشكال التعذيب وقد استقدم لذلك خبراء في فنون التعذيب من عدد من الدول العربية وغيرها.

ومن البدهي تلمس التكامل الإستراتيجي العسكري حيث، يجري إعداد قاعدة للقوات البرية الأطلسية في مدينة إزمير التركية ولا ينفصل ذلك عن رؤية سياسية للمنطقة تتشكل قواها من الولايات المتحدة و«إسرائيل» وتركيا وحكام الخليج، وكان المسؤولون الأتراك التقطوا من التاريخ أن دورهم الإقليمي لا يتماشى مع دولة إيرانية قوية وذات نفوذ ولا يروق لهم علاقات استراتيجية لها مع أية دولة عربية وخاصة سورية، كما لا يروق لهم استمرار قوة المقاومة اللبنانية التي لم تعد همساً. «المخاوف» من الدور الإقليمي الذي اصبح حزب الله قادراً بقواته أن يكون فيه عاملاً مؤثراً، وليس من الفطانة أن يعلن عن تلك الاستعدادات العسكرية بمعزل عن الجهود التركية الإسرائيلية وتحت المظلة الأميركية المتوخيه إنهاء الخلافات التركية الإسرائيلية لتعيد تلك الخلافات إلى وضعها «الصحي» كانت أمال البعض معقودة على «الإسلام التركي» وإذا به يتحول إلى ضرورة تتطلبها مصالح البورجوازية التركية الكبيرة والتي تزايدت خيوط تواصلها مع الرأسمال المالي الأميركي والصهيوني.

آخر تعديل على الإثنين, 17 تشرين1/أكتوير 2016 23:18