بدأ العدّ العكسي: على إيران الاستعداد للتصدي لهجوم نووي
يؤكد الجنرال ليونيد إيفاشوف، القائد السابق لأركان جيوش الاتحاد الروسي ونائب رئيس الأكاديمية الجيوسياسية الروسية وعضو في مؤتمر محور السلام حالياً، أن ليس هنالك أدنى شكّ في أنّ إدارة بوش تخطط لتوجيه ضربات نووية لإيران وفي أنّ البنتاغون سيقوم بها في غضون الأسابيع القادمة. ليس هنالك أدنى شكّ أيضاً في أنّ الولايات المتحدة لن ترتدع عن شنّ تلك الضربات بسبب معارضة القوى النووية الأخرى وفي أنّها لن تتلقى إلا رداً تقليدياً. الأمر الوحيد المجهول هو مصادقة المعارضة في كونغرس الولايات المتحدة على هذا المشروع أو عدم مصادقتها عليه.
وبالمناسبة فقد كتب الجنرال إيفاشوف هذا المقال قبل المداخلة التي قدّمها وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس (6 شباط 2007) أمام الكونغرس والتي أشار فيها إلى وجوب أن تستعد واشنطن لمواجهة عسكرية مع روسيا، وكذلك قبل خطاب الرئيس فلاديمير بوتين أمام مؤتمر الأمن في ميونخ (10 شباط 2007) الذي أكّد فيه إنّ موسكو لن تدع الولايات المتحدة تقرر وحدها الحرب أو السلام (مع إيران)، ونظراً لأهمية هذا المقال فإننا ننشر ترجمته كاملة فيما يلي:
نجد في مجمل المعلومات القادمة من الشرق الأوسط عدداً متزايداً من الكتابات التي تؤكد بأنّ الولايات المتحدة ستقوم في غضون بضعة أشهر بتوجيه ضربات نووية لإيران. على سبيل المثال، تنقل صحيفة كويت آراب تايمز نقلاً عن مصادر حسنة الإطلاع لم تذكر اسمها بأنّ الولايات المتحدة تنوي شن هجمة بمساعدة صواريخ وقنابل على الأراضي الإيرانية قبل نهاية شهر نيسان 2007. سوف تبدأ الحملة من البحر ويساندها نظام باتريوت الدفاعي المضاد للصواريخ، بحيث تتجنب القوات الأمريكية عمليةً أرضيةً وتنقص فعالية ردّ يصدر «من أي بلد من بلدان الخليج الفارسي».
تشير عبارة «من أي بلد» أساساً إلى إيران. ويعتقد المصدر الذي أبلغ الصحيفة الكويتية بالمعلومة بأنّ القوات الأمريكية في العراق وفي بلدان المنطقة الأخرى ستكون بمأمن من أية ضربة صاروخية إيرانية بفضل وجود نظام الباتريوت على الحدود.
هكذا، تكون التحضيرات لعدوان أمريكي جديد قد وصلت إلى مراحلها الأخيرة. لقد شكّل إعدام صدّام حسين وأقرب شركائه جزءاً من هذه التحضيرات الهادفة إلى أن تكون «عمليةً مقنّعة» تخدم الجهود الإستراتيجية الأمريكية لتسميم الوضع تماماً في إيران وفي كافة أرجاء الشرق الأوسط.
وبالفعل، فقد أمرت الولايات المتحدة بشنق الرئيس العراقي السابق وشركائه بعد تقييمها لعواقب هذا الإعدام، مما يدلّ على أنّ الولايات المتّحدة قد تبنّت دون رجعة خطة تقسيم العراق إلى ثلاث دول: شيعية وسنية وكردية. تعتبر واشنطن أنّ وضع الفوضى المسيطر عليها سيساعدها في السيطرة على تزويد الخليج الفارسي بالنفط وكذلك طرق نقل أخرى للنفط هامة استراتيجياً.
أهم مظاهر هذه المسألة هو خلق منطقة نزاع دموي لانهائي في قلب الشرق الأوسط، تنجرّ إليه بالضرورة البلدان المجاورة للعراق، أي إيران وسورية وتركيا (عبر كردستان)، مما يؤدي إلى حلّ مشكلة عدم الاستقرار الكامل للمنطقة، وهي مهمةٌ تحظى بأهمية كبيرة في الولايات المتّحدة وفي إسرائيل خصوصاً. لم تكن الحرب على العراق سوى خطوة في سلسلة من مراحل عملية زعزعة استقرار المنطقة. لم تكن إلاّ مرحلةً في المسار الذي يقرّبهما من تصفية الحسابات مع إيران ومع بلدان أخرى ندّدت بها الولايات المتحدة أو ستندّد بها.
لكن ليس سهلاً على الولايات المتّحدة أن تنطلق في حملة عسكرية في حين لم تقم بعد بإشاعة «السلم» في العراق وأفغانستان (تفتقد الولايات المتّحدة للموارد اللازمة لفعل ذلك). علاوةً على ذلك، تتزايد في كافة أرجاء العالم الاحتجاجات ضد سياسة المحافظين الجدد في واشنطن. نظراً لكل ما سبق، سوف تستخدم الولايات المتّحدة السلاح النووي ضد إيران، وستكون تلك ثاني حالة استخدام الأسلحة النووية في المعارك منذ الهجوم الأمريكي على اليابان في العام 1945.
تدلي الدوائر العسكرية والسياسية الإسرائيلية بتصريحات علنية حول إمكانية شن ضربات صاروخية نووية على إيران منذ تشرين الأول 2006، حين دعم جورج دبليو بوش الفكرة. حالياً، يجري الحديث عن «ضرورة» شن ضربات نووية، ويتم دفع الرأي العام إلى الاعتقاد بأنّه ليس في هذا الاحتمال ما هو مخيف، بل إنّ شن ضربة نووية أمرٌ قابلٌ للتنفيذ نسبياً، على أساس عدم وجود وسيلة أخرى لـ«إيقاف» إيران.
كيف سيكون ردّ فعل القوى النووية الأخرى؟ فيما يخص روسيا، سوف تكتفي حكومتها في أحسن الأحوال بإدانة الضربات، وفي أسوئها ستعلن ما يلي: «حتى إذا ارتكبت الولايات المتّحدة خطأً، فقد حرّض البلد الهدف بنفسه على الهجوم» ـ مثلما فعلت أثناء الضربات التي عانت منها يوغوسلافيا.
ويبدو أنّ ردّ فعل أوروبا سيكون مماثلاً. لكن ربما تكون احتجاجات الصين وبلدان أخرى على هجمات نووية أقوى. في جميع الحالات، لن تكون هنالك ردودٌ نووية على القوات الأمريكية ـ وإدارة بوش متأكدة تماماً من ذلك.
ليس للأمم المتحدة أي وزن في هذا السياق الجيوسياسي. وقد شارك مجلس الأمن في مسؤولية الهجوم على يوغوسلافيا حين لم يشجبه. تكتفي هذه المؤسسة بتبني القرارات التي يفسرها الروس والفرنسيون بأنها تخلّ عن استخدام القوة، ويفهمها الأمريكيون والبريطانيون بأنّها «مصادقةٌ» على الاعتداءات التي يقومون بها.
أما إسرائيل، فمن شبه المؤكد أنها ستكون هدفاً للصواريخ الإيرانية؛ في تلك الحالة، يحتمل أن تصبح مقاومة حزب الله والفلسطينيين أكثر فعاليةً. سوف يصوّر الإسرائيليون أنفسهم كضحايا، ويلجئون للاستفزاز لتبرير شنّ عدوان، ويعانون من أضرار مقبولة وينتهي الأمر بالولايات المتحدة بالاستنكار وزعزعة استقرار إيران، فتقدّم تصرفها على أنّه عقابٌ استحقته هذه الأخيرة.
يبدو أنّ بعض الأشخاص يعتقدون بأنّ احتجاجات الرأي العام ستتمكن من إيقاف الولايات المتّحدة، لكنني أخالفهم الرأي. ينبغي عدم المبالغة في أهمية هذا العامل. لقد حاولتُ في الماضي طيلة ساعات إقناع ميلوسيفيتش بأنّ حلف شمال الأطلسي يستعد للهجوم على يوغوسلافيا، ورفض لوقت طويل تصديق ذلك وكان يقول لي باستمرار: «اقرأ شرعة الأمم المتحدة. ما هي الأسباب التي قد تدفعهم لفعل ذلك؟».
لكنهم فعلوا. لقد تجاهلوا تماماً القانون الدولي وفعلوها. ما هي النتيجة؟ كان الرأي العام مصدوماً ومستنكراً بالطبع، لكنّ المعتدين نالوا تماماً ما أرادوه: ميلوسيفيتش مات، ويوغوسلافيا مقسمة، وصربيا محتلة ـ أقام فيها ضباط حلف شمال الأطلسي قيادة أركانهم في مكاتب وزارة دفاع هذا البلد.
حدث الأمر نفسه في العراق. صدم الرأي العام واستنكر. والحال أنّ الولايات المتحدة لا تهتم بمدى الاستنكار، بل بالأموال التي يحصل عليها مجمعها الصناعي العسكري.
تسمح المعلومة المتضمنة أنّ حاملة طائرات أمريكية جديدة ستصل إلى الخليج الفارسي في نهاية شهر كانون الثاني بإجراء تحليل محتمل للنزاع. لمهاجمة إيران، ستستخدم الولايات المتحدة بصورة أساسية القوة النووية الجوية. ستستخدم صواريخ بعيدة المدى (تحملها طائراتٌ وغواصات وسفن) وربما صواريخ باليستية. وعلى الأرجح، ستتبع الضرباتِ النووية غاراتٌ جوية تنطلق من حاملات الطائرات، وأنواعٌ أخرى من الهجمات.
تمتلك إيران جيشاً قوياً وربما تتكبد القوات الأمريكية خسائر كبيرة. هذا أمرٌ غير مقبول بالنسبة لجورج بوش، فوضعه أصلاً حرج. ليس ضرورياً شن هجوم بري لتدمير البنى التحتية في إيران وتوقيف تطور البلاد وزرع الرعب وخلق فوضى سياسية واقتصادية وعسكرية. هذا الهدف قابلٌ للتحقيق أولاً بالسلاح النووي، ثمّ بوسائل الحرب التقليدية. هنا تكمن فائدة نشر أسطول حاملات الطائرات قرب السواحل الإيرانية.
ما هي وسائل الدفاع عن إيران؟ إنها ضخمة، لكنها أدنى بكثير من القوات. تمتلك إيران 29 نظاماً روسياً من الصواريخ المضادة للطائرات من طراز «تور»، وهي تمثّل دون أدنى شك تعزيزاً للدفاع الجوي الإيراني. لكنّ إيران تفتقد حالياً لأية حماية أكيدة ضد الغارات الجوية.
سيكون التكتيك مماثلاً للمعتاد: أولاً، تحييد الدفاع الجوي والرادارات، ثم مهاجمة سلاح الجو جواً، ثم مهاجمة منشآت القيادة والسيطرة والبنى التحتية على الأرض دون مخاطرة.
في غضون بضعة أسابيع، سنرى آلة الحرب الإعلامية وهي تتحرك. الرأي العام خاضعٌ للضغوط منذ الآن. سوف نشهد نوعاً من التصعيد الهستيري المعادي لإيران، و«تسريبات» جديدة في وسائل الإعلام التضليلية، الخ.
في الوقت نفسه، يرسل كلّ هذا رسالةً للمعارضة الموالية للغرب ولجزء من نخبة محمود أحمدي نجاد كي يستعدوا للأحداث القادمة. تعوّل الولايات المتحدة على أنّ هجوماً على إيران سيولّد بالضرورة الفوضى في البلاد، ثمّ تنوي إفساد بضعة جنرالات إيرانيين وتخلق بالتالي «طابوراً خامساً» هناك.
إيران والعراق بلدان مختلفان جداً بالطبع. لكن إذا نجح المعتدي في التحريض على نزاع بين فرعي القوات المسلحة الإيرانية، أي حرس الثورة الإسلامية والجيش، سيجد البلد نفسه في وضع حرج، وخاصةً في حال تمكّنت الولايات المتحدة منذ بداية الحملة من النيل من الزعيم الإيراني وتحقيق ضربة نووية أو ضربة تقليدية شاملة بوسائل تقليدية ضد قيادة أركان البلاد.
إنّ احتمال حصول هجوم أمريكي ضد إيران كبيرٌ جداً اليوم، لكنّ منح الكونغرس الأمريكي الإذن بشن هذه الحرب أمرٌ غير مؤكد بعد. يمكن لحصول استفزاز أن يزيح هذه العقبة (هجومٌ على إسرائيل أو على أهداف أمريكية، ومن بينها القواعد العسكرية). وربما يكون مدى الاستفزاز من قياس اعتداءات 11 أيلول 2001 في نيويورك. حينذاك، سيقول الكونغرس بالتأكيد «نعم» للرئيس الأمريكي.
■ ترجمة قاسيون