حياة بلدان بكاملها، تصبح مجرد أشياء متدنية في لعبة الاحتكارات الأمريكية الضربة على إيران قد تعني بدء حقبة الحروب النووية

1 - ليس هناك من دافع للهجوم على إيران سوى النفعية السياسية المحلية الأمريكية والشهية اللامحدودة للتركيبة الصناعية-العسكرية المعقدة للبلاد. فالرئيس بوش ليس لديه خيار- خياره الوحيد هو القيام باختراق.

أما المشكلة فليست ناشئة من الفشل الكامل لعقيدته «الحرب على الإرهاب». فلو أن النخبة السياسية الأمريكية، الممثلة ببوش، بنت قراراتها بمفردها، على التقديرات حول مدى الضرر الذي أصاب صورتها العامة، والتي قد يكون تسبب بها الإخفاق التام لحملة الحرب العالمية على الإرهاب، فسيكون لديها في جعبتها، احتياطات خطيرة للغاية لجهة البدء بحرب إقليمية جديدة. وعلى كل حال، فإن هذه النخبة مدفوعة بشيء آخر – فهي بحاجة لمتابعة سياسة بوش المدعومة بكتل شركات الأسلحة، التي أسست للتحكم بالإنفاق العسكري المبالغ به للبلاد. فإذا ما أقر بوش بهزيمته وسحب قواته العسكرية الأمريكية من الشرق الأوسط، فإن النخبة الديمقراطية قد تستولي على الرافعة المالية. وقد يتبع ذلك إعادة توزيع للتكليف العسكري. وعندما يصبح تمويلاً ضخماً كهذا موضع رهان، فإن حياة الناس، وكذلك حياة بلدان بكاملها، تصبح مجرد أشياء رمزية ومتدنية في اللعبة.

فبالنسبة لهذه العمليات، فإن مصير الشرق الأوسط ومصير دوله لا يعني شيئاً حتماً، تماماً كما كانت حياة الفيتناميين والكمبوديين الذي أمطروا بوابل من قنابل النابالم والمواد الكيماوية. فعلى المرء أن يكون ساذجاً ليفترض بأن آلة البنتاغون ستتوقف وتفوت على نفسها المكاسب الجديدة العالية المذهلة.

2 - إن الحرب المقبلة بين الولايات المتحدة وإيران عليها أن تتطابق شكلاً ومضموناً مع معايير معينة تحدد الأولوية. فالولايات المتحدة متعبة من العراق كما أن الرأي العام في البلاد يتحول أكثر فأكثر ليصبح مناهضاً للحرب. ولذلك فإن العمل الهجومي ضد إيران يجب أن يكون سريعاً ومعبراً عن النصر، فهذا الأمر سينقذ مجموعة بوش السياسية ويقدم لها نسبة أعلى من الشعبية في البلاد. إذ لا مجال للشك بأن هجوماً ناجحاً سيجعل من بوش شخصية شعبية للغاية في الولايات المتحدة – في هذا المجتمع المعادي للمسيحية لطالما احتل إله الانتصار الوثني مكان «المخلص». فالنصر سيجعل الشعب الأمريكي أعمى وأصم – فهو سيظل غير مدرك أو واع لثمن النصر الأمريكي بالنسبة لدول الشرق الأوسط.

أما الحدث الحاسم، فهو أن الأسلحة النووية، فقط، هي التي بإمكانها ضمان النصر الأمريكي في هذه الحرب. ومع علمنا بأن الولايات المتحدة فشلت بالفوز حتى الآن في العراق، البلد المبتلى بالنزاع الديني والعرقي، فلا يمكن للمرء أن يتوقع منها الانتصار في إيران- البلد الموحد القوي روحياً. فباستخدام الأسلحة النووية قد يجعل من الممكن التسبب بضرر بالغ لنظام السيطرة الإيراني المخفي في التحصينات، والأهم قطع رأس قيادته، ولا يهم مدى عمق المكان الذي يمكن لهذه القيادة أن تكون مختبئة فيه. فإيران من دون قادتها ومع نظام سيطرة مشلول، وجيش مدمر «برؤوس نووية صغيرة»، هو الخيار الوحيد الذي يناسب الولايات المتحدة – فهي توافق على الحديث عن السلام، فقط عند إخضاعها المنتهكين (للقوانين العامة) ووضعهم تحت السيطرة بالكامل. فمحادثات كهذه يمكن أن تجعل حلم القادة الأمريكيين القديم بـ«ديزني لاند» شرق أوسطي، بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، يتحقق.

أما السؤال، فهو: هل سيكون القيام باختراق كهذا مفيداً لبوش؟ إن فكرة مهاجمة إيران كانت قد تولدت في الأذهان البدائية لهؤلاء الذين، ولأجل منافعهم الخاصة، يمكن أن يبيعوا الحبل الذي سيشنقون به. هذه المرة لن يكونوا هم ولا أولادهم من سيهلك في «هولوكوست» نووية، ولذلك لن يكون عليهم أن يقلقوا من قيامهم بهذا الأمر الذي سيجعل الإنسانية بكاملها تأخذ خطوة تقربها أكثر من الكارثة التامة.

■ ديمتري سيدوف

مؤسسة الدراسات الإستراتيجية

الروسية

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:18