نزوعٌ أطلسي.. الجزائر في مواجهة الفخ
هل ستفلت الجزائر من إزعاج الدوائر الحربية في الولايات المتحدة لها؟ يمكن أن يوحي بذلك تصريح وزير الخارجية في الثاني من آذار المنصرم، فقد أنكر وجود قواعد عسكرية أمريكية في الجزائر، وأكّد خاصةً على أنّ مثل هذه الفرضية لا تتوافق مع سيادة الجزائر ومصالحها.
ليس هنالك شكٌّ في أنّ التوضيح يستحق التدقيق، فهو يقتصر على مظهر واحد من مشكلة أكبر. إنّ مشكلة القواعد، في جميع أنحاء العالم، ليست سوى الشكل الأكثر بروزاً للتبعية، وهي أقل هذه الأشكال قبولاً لدى الرأي العام. ولكي نتحدّث بفظاظة، فليس هنالك جزائريٌّ واحدٌ يرغب في أن يكون يوماً في المقاعد الأولى لنزاع عالمي من أجل قواعد على أراضيه، ولا يرغب في أن تكون بلاده عراقاً إفريقياً. غير أنّ هذه المسألة لا تستطيع أن تخفي أشكالاً أخرى من التعاون والتبعية المفروضة والمرغوبة إلى هذا الحدّ أو ذاك. إنّ الإلحاح على جعل الجزائر تتبنى مختلف الفعاليات المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بقيادة أمريكية موحدة لإفريقيا أو بتركيبات اقتصادية أو سياسية عسكرية أو ثقافية هي جزءٌ من ترسانة متنوعة. لاسيما وأنّ قيادة أركان الإمبراطورية الأمريكية بعيدةٌ جداً عن أن تعتبر سكان العالم العربي وإفريقيا رعايا ينبغي احترامهم، وهذا أمرٌ لا يخفى على أحد. فهذه القيادة مقتنعةً تماماً بأنّ دور بلداننا يتمثّل في أن تكون أدوات لاستراتيجيتها الكوكبية، سواءٌ وافقنا على ذلك أم لم نوافق.
آن الأوان
وهكذا، فإنّ حجة المنطق السليم والمصلحة القومية التي قدّمها وزير الخارجية تذهب إلى مدىً أبعد من مسألة القواعد، فهي تتقابل مع توق كبير للسلم والأمن يكنّه شعبٌ أدمته المحن الاستعمارية وما بعد الاستعمارية.
وإذا ما تجاوزنا الخيارات السياسية والإيديولوجية الشرعية لهذا البعض أو ذاك، فإنّ رفض خطط حلف شمال الأطلسي ونزعة الهيمنة الأمريكية هو بدايةً حاجةٌ حيوية، يتشارك فيها العديد من الناس. كفانا حروباً وآلاماً، في حين أنّ هنالك دروباً أخرى ممكنة! لقد آن الأوان كي نقول بهدوء وحزم، وبفعالية أكبر من صرخة الأمل الخائب لشعب الجزائر في صيف عام 1962: قرن وسبعون سنة، بركات! مائة وسبعون عاماً من الحروب والعنف السياسي والمعنوي كافية تماماً. لقد آن الأوان كي نضيف إلى ما قاله بومدين: "المسلمون لا يريدون الذهاب إلى الجنة وبطونهم فارغة" القول بأنّهم يرغبون في الخلاص من جحيم حروب الهجرة على الأرض. إذا كان الأمريكيون المنادون بالحرب يتشبثون بالانغماس في حروبهم الاغتصابية الخاصة، فليفعلوا ذلك وحدهم. عليهم ألا يعتمدوا على أن نتخلى برضانا عن سيادتنا الوطنية، ولا على فك عرى تضامننا مع الشعوب الشقيقة أو الشعوب الأكثر بعداً التي يعتدون عليها بوحشية.
في الوضع الدولي الحرج الحالي، لم يكن بوسع وزير خارجيتنا أن يبقى في الخلف في الوقت الذي تغمر فيه الأفعال البربرية والفضائح سياسةَ المعتدين الذين يتزايد انتقاد مواطنيهم لهم في الولايات المتحدة نفسها. ليس بإمكانه أن يقول شيئاً مغايراً مع التهديدات الوشيكة الموجهة لإيران. نستطيع فهم الصدى العالمي لتحذير فلاديمير بوتين، حين أشار إلى وجود حدود لكلّ شيء. إنها طريقةٌ للقول إنّ العالم قد تطوّر منذ ركوعات يلتسين المزرية والنهب الشائن لشعب كبير سلبته مما يمتلكه دميةُ الولايات المتحدة الأمريكية والمافيا الموالية للإمبريالية.
في مواجهة الآليات نفسها
لقد آن الأوان بالفعل كي نُفهِم المتسببين بالمغامرة الكارثية التي يحاول صقور الولايات المتحدة جرنا إليها بأنّ الكلمة الأخيرة ينبغي أن تبقى لكلّ دولة معنية وشعب معني، وخاصةً حين تكشف الوقائع الستار مسبقاً عن طبيعة هذه المغامرة.
لقد توضّح تماماً أنّ الهدف الرئيسي للسياسة الأطلسية ليس وضع حدّ لظاهرة الإرهاب العالمي من جذوره. فكثيراً ما ألهمت الأجهزة السرية الأمريكية هذه الظاهرة وتلاعبت بها في مناسبات عديدة. كما أنها تصف بالإرهاب كلّ مقاومة شرعية للاحتلال والاستبداد، وتستخدم هذا الدمج لشرعنة اعتداءاتها. وفوق هذا كله، تكذّب الوقائع ادعاءها بالفاعلية. إنّ الطريقة التي تحارب فيها الولايات المتحدة التظاهرات الأكثر سلبيةً لإرهاب كريه ومدان ليست مثالاً يحتذى، ولم تفعل حملات حلف شمال الأطلسي، بطابعها غير المتماسك والنهاب، سوى نشر الأضرار الإرهابية عبر العالم انطلاقاً من المكامن الأساسية التي كان يتوجب بترها عبر الحلول السياسية المناسبة. الأفعال تتناقض بوضوح مع الادعاءات. فمن جانب، الخطابات "المسيحية" الكبيرة حول "القيم" الأطلسية، التي تتجنب المسائل المركزية المثيرة للغضب، ومن جانب آخر، مقتل مئات المدنيين وتدمير المساكن والخيرات المادية وانتهاكات حقوق الإنسان يومياً. لقد ظهر هدف الصقور الأطلسيين الحقيقي أمام أكثر الناس سذاجةً، وهو سدّ الطريق أمام الشعوب والأمم الباحثة عن الحرية والاستقلال. كان الهدف ومايزال تحطيم حركات التحرر والعدالة الاجتماعية، وإدامة وتوسيع أوضاع الهيمنة والاستغلال.
لقد خبرت شعوب إفريقيا والعالم العربي، بل وبعض حكامهما، المصير الذي كبده أو بشّر به حلف شمال الأطلسي لشعوب يوغوسلافيا وفلسطين والعراق ولبنان وإيران، وليس لديها أية رغبة في أن تكون بدورها ضحايا لعقيدة الحلف الجديدة التي أُعلنت في منتصف التسعينات، ثم طبّقت فوراً عبر توسيع ومفصلة أكبر للأجهزة العسكرية الأمريكية الأوروبية. في كل مكان تطبق فيه آلياتٌ تتشارك من قريب أو بعيد مع المشروع الأطلسي الشامل، يحدث بالتأكيد على المدى القصير أو المتوسط تصعيدٌ للمآسي والتبعية وتداع للعنف وللهلاك. إنّه الإعلان المبرمج لتفكيك الدول القومية لصالح استراتيجيات انقسامات إثنية أو لغوية أو دينية أو إيديولوجية، يجري تنصيبها كأدوات تدمير لكلّ من يطمح للعيش بحدّ أدنى من السلام والحرية والرفاه والتوافق والاحترام بين الإثنيات أو الطوائف.
الأسباب القومية والدولية لاتحاد يقظ
لماذا يأتي التصريح الذي أصدره مؤخراً وزير الخارجية في وقته؟ لأنّ القصف الإعلامي والدبلوماسي الذي تقوم به الولايات المتحدة لم يكن قد تلقَّى بعد أي ردّ قاطع، لا من الأوساط الرسمية ولا من جزء من الصحافة، مع أنّ المسألة حساسةٌ للغاية. في ما مضى، عاشت بلادنا فترة كرامة كانت التلميحات أو الشتائم التي يصدرها بلا حياء رسميون أمريكيون والشائعات التي يمكن تفسيرها صواباً بأنها تحزّبٌ مريب ستثير فيها على الفور عاصفةً من الاحتجاجات ومن المواقف الصارمة.
هل ستؤكّد الأزمنة القادمة هذا التكذيب المرحب به؟ علينا أن نتمنى ذلك، لأنّ قدرات المقاومة، الهائلة نظرياً، ماتزال هشة. لقد حصلنا على مثال منذ عام مع القرار الأحادي بالتخلي عن السيادة الوطنية على المشتقات النفطية الجزائرية. وبلغت معاكسة هذا القرار للمصالح الوطنية وعدم قابليته للتفسير من وجهة نظر اقتصادية محضة وحتى في أعين الأنظمة العربية المحافظة والمتحزبة للإمبريالية حداً دفع لحسن الحظ إلى تأجيله. لكن بقيت مسائل معلّقة، يربح السكان والنقابات والدوائر السياسية والمؤسسات الحكومية إذا ما حصلوا على معلومات أكبر عنها.
فسلوكيات الاحتكارات النفطية والمجمّع العسكري الصناعي الأمريكي متداخلة بقوة، ويستحيل فصل مسائل الأمن والسلام عن مسائل السيادة الوطنية على موارد الطاقة. وإذا ما تساءلتَ عن الأسباب التي تدفع إلى ذكر الاختلافات الحضارية لإشعال بؤر حرب جديدة، فلا تذهب بعيداً لتبحث. إذا أردت أن تعلم لماذا تقوم الدوائر الإمبريالية وأتباعها بتجريم عدد من الشعوب وحكامها إلى حدّ وصفها بغير المرغوب بها وببذور «الإرهابيين» في بلدانها نفسها، ما عليك سوى أن تسأل صموئيل هنتنغتون. سوف يشرح لك الأمر بنفسه، إذ سيكشف في كتابه الإلهَ الوحيد الذي يبجّله وأداته المقدّسة في آن معاً. وراء الخليط المتكلّف من الاعتبارات حول أولوية القيم اليهودية المسيحية، يؤكّد هنتنغتون بفظاظة أنّ الهدف الأسمى ينبغي أن يكون «مصالح الولايات المتحدة الأمريكية كما شكّلها التاريخ» (ص346). أما أداة هذه المسلّمة التي لا تقبل أيّ جدل، فهي تنظيم حلف شمال الأطلسي الذي لا بدّ من وجهة نظره من جعله يقوم بمهمته بأي ثمن وفي أقصر المهل (ص346 وما يليها). وقد تلقّى البنتاغون ودوائر المال المعولم هذه الرسالة جيداً، إن لم يكونا هما اللذان أوحيا بها.
في كافة أرجاء قوس الأزمة العالمية الذي رسمته إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، تتراكب ثلاث خرائط جغرافية وتتزامن تماماً: الأولى هي خريطة الموارد النفطية المؤكدة أو المحتملة (مع طرق تسييرها)؛ والثانية هي خريطة التواجد العسكري القائم (أو المخطط له) للوحدات الأوروبية الأمريكية المرتبطة بحلف شمال الأطلسي ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر؛ أما الثالثة، فهي خريطة الشعوب التي تصنفها نظرية صدمة الحضارات الحمقاء بين الأعداء المحتملين المباشرين أو المستقبليين لما يدعى بالحضارة الوحيدة الحاملة للقيم المحترمة. والشعوب المزعجة، لأنها تحمل مقاومةً شرعيةً قائمةً أو كامنة، هي أولاً الشعوب الإسلامية التي جعلتها الطبيعة تعيش على حقول هائلة من الغاز والنفط. لكن هنالك أيضاً شعوبٌ أخرى موبوءة استبعدها «خبراء» الحضارات، وهم صليبيون أكثر منهم باحثون، من الحضارة «المختارة»: إنها الشعوب الأرثوذكسية والآسيوية. لهذا، وعلاوةً على كراهية الإسلام المستوطنة، يجري السعي إلى زرع الخوف والريبة لدى الشعوب الغربية من الروس والصينيين ومواطني القوى القابلة لمقاومة نزعة الهيمنة الأطلسية.
أسس وإمكانيات مقاومة
تقليلاً لمسؤولية معظم الحكام العرب والسياسيين المحافظين الحاليين، صحيحٌ أنّ موقفهم ليس سهلاً في مواجهة الابتزازات والتهديدات القوية التي يتعرضون لها. إنّ القوة العظمى ما وراء الأطلسي تتحسس من أيّ ميل للاستقلال، وهي مصممةٌ على أن تزيل بالعنف أو تذيب بالإفساد العقبات التي تسدّ الطريق أمام سيطرتها المطلقة على الشعوب ومواردها.
يتشبّث بعض حكامنا وسياسيينا، حين يحتفظون بالحس الإنساني أو القومي، بالأمل الهش في أنّهم «بتقبيل اليد التي لا يستطيعون عضّها» يبقون على فرصة للبقاء في السلطة أو في الوصول إليها. لكنّهم ينسون بعض الأمور التي يمكن أن تكون، إذا ما أخذوها بعين الاعتبار، مخلّصةً للأمّة ولهم معاً. لقد أكّدت مقاومة شعوب الشرق الأدنى والأوسط للاعتداءات هذا الأمر، مثلما أكّدته تحركات شعوب أمريكا اللاتينية التي بدأت في فرض تطلعاتها بطرق سلمية.
تتلخّص الدروس في درس واحد: المقاومة الفعالة هي تلك التي تستند إلى تحشيد وطني فعال ومستمر، يعبّر عن أغلبية السكان ويصدر عنهم. إنها ليست مسألة تفاوت في الحجم في مواجهة عملاق، مثلما يعتقد خطأً أولئك الذين يبررون السلبية لأنهم يقيّمون أنفسهم بأنهم أصغر وأضعف مما ينبغي. لماذا إذن وكيف صمدت كوبا الصغيرة في مواجهة جارها المباشر، أي الولايات المتحدة التي لم تكن تحلم سوى بأن تجعل منها لقمةً سائغة، على الرغم من حرمانها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً من الدعم القوي للنظام الاشتراكي العالمي، وكيف تمكنت رغم فقرها من تزويد بلدان أخرى بالمدرسين والأطباء الأكفاء؟ كيف نفسر تمكّن الشعب الفلسطيني، رغم أنّ الدول المجاورة له قد تخلت عنه أو خانته أحياناً، من البقاء محافظاً على مطالبه القومية والشعبية التي بقيت حيةً ومتجذرةً في الأجيال الجديدة بعد ستين عاماً من المواجهات القاسية مع التحالف الدولي الإمبريالي الصهيوني «الذي لا يقهر»؟ لماذا وكيف أفشل شعب لبنان «الصغير» عدوان أحد أقوى جيوش العالم الصيف الماضي؟
هنالك سببٌ لذلك، حتى إذا بدا وكأنه مفارقة المفارقات في أعين العديد من قادة دول العالم العربي. إنّهم يعتقدون بأنّ الحلّ السحري والوحيد لإقامة دولة قوية والحفاظ عليها يكمن في فنّ الإبقاء إلى الأبد على «حالة الطوارئ» والتلاعب بالانتخابات و«ترويض» الأحزاب السياسية. كيف يمكن تفسير حدوث أكبر النجاحات في مواجهة المعتدين والمحتلين في البلدان التي جرت فيها انتخاباتٌ حرةٌ وديموقراطية لم يشكك في نزاهتها أحد، أو في البلدان التي تبعت فيها وعودَ المساواة إنجازاتٌ في مجال العدالة الاجتماعية الحقة لصالح العمال والفقراء رغم شروط الحصار الاقتصادي القاسية؟ كيف نفسّر خسارة الولايات المتحدة الأمريكية لقدرتها على التدخل العسكري والمباشر ضد بلدان أمريكا اللاتينية التي نجحت في إقامة مسارات ديموقراطية لا غبار عليها، في حين كانت منذ فترة قصيرة مزرعة صيد العم سام ودكتاتورياته العسكرية المقاولة؟
هل يمكن أن تبرز خطوةٌ إنقاذية؟
الحل المثالي هو أن يتقارب الحكام والقواعد الاجتماعية والسياسية في بلداننا سعياً للاستقلال والتنمية في مقاربات متكاملة ديموقراطية حقاً.
ينبغي أن يفهم الحكام، ولاسيما أولئك الذين يرغبون في «البقاء» مع كونهم مفيدين، عدة أمور مفيدة للأمة ولهم معاً. أحد هذه الأمور هو أنّهم ساهموا في خلق الهشاشة التي يشتكون منها؛ وأنّ هذه الهشاشة لا يمكن أن تستخدم كذريعة للانغماس في انزلاقات جديدة نحو التبعية التي تولّد أشد أشكال الفوضى وطأةً؛ وأخيراً أنّ طريق الخلاص الجماعي لا يوجد في التعددية الشكلية والانتخاب «المدعوم» عن طريق الحصص والتزوير، بل في التوجهات والممارسات الديموقراطية الحقيقية، تلك التي تعيد للناس حس وطعم الكلام والفعل المسؤولين.
أما أولئك الذين يمثلون القاعدة التي يستند إليها في المحصلة النجاح أو الفشل، فالمستقبل الذي يتمنونه هو بين أيديهم إلى حدّ كبير. إنهم الفاعلون الاجتماعيون والسياسيون اليوميون أينما تواجدوا، اتحادات، نقابات، أحزاب ومواطنون غير منظمين. عليهم ألا ينتظروا من السماء أو من قياداتهم الأصلية أن تفتح أمامهم دروب الفعل والمبادرات والديناميكية الاجتماعية وإعادة التشكيل والبنى المفيدة. عليهم ألا يخلطوا بين الفعل والمشاريع السياسية الأصيلة وذات النفس الطويل وبين الرهانات القصيرة الأمد، التنافسات البنيوية العقيمة لنيل السلطة والمقاعد الثانوية في السلطة. عليهم إبراز دور العمل الدؤوب القادر على إنضاج الإرادة السياسية البناءة في اتحاد المجتمع وسلامه، كما حصل في المنعطف الحاسم لحرب التحرير في كانون الأول 1960، حين بدا لعدد من القادة وكأنّ كل شيء يسير إلى المأزق. وحده اندفاع القاعدة وعمق البلد الذي لا يحلّ محلّه شيءٌ والمتعدد الأشكال قادرٌ على عزل أولئك الذين ربما يحاولون ربط بلدنا بالمركبة الأطلسية للحرب على الشعوب.
سوف تسير الأمور في الطريق الصحيح حين يبرز الواقع القادم من التجارب المأساوية الطويلة: لا تكمن قوة القامعين في قوتهم العسكرية أو غيرها بقدر ما تكمن في انقسام المقموعين والمستغَلين. إنّ القوة الأساسية للمقموعين تكمن في عملهم الموحد، عبر التنوع والتباينات.
الجزائر لا تفتقر للمؤهلات المادية والبشرية. وهي قادرةٌ في الوقت الذي تحمي فيه نفسها وبفضل زخم تاريخها وكذلك بقدراتها الإستراتيجية على المساهمة في مزيد من تقريب التيارات الإقليمية والعالمية الحريصة على السلام والتنمية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. وهي بذلك تواجه على نحو أفضل المخاطر الداخلية أو المحيطة، وتتصدى بصورة أفضل للتصاعد الإقليمي لمخاطر الانقسام والفوضى، ولعدم التسامح القومي والمذهبي وكافة أشكال الكراهية بين الشعوب المستخدمة كأدوات للهيمنة.
لدى الجزائر مؤهلاتٌ كبيرة، شرط أن تتغلب على افتقارها للديمقراطية وتصححه، فهذا الداء الخبيث لا يزال ينخرها. لقد أعاق على نحو خطير نهضتها في جميع المجالات دون استثناء، ما خلا ضخ النفط والغاز، ودوراتٌ مطلقة العنان للاستيراد وتضخم مشاريع وتصريحات كذّبتها الوقائع بعنف.
■ الصادق هجرس
كاتب جزائري/ ترجمة قاسيون