ماذا تريد واشنطن من اجتماع الأضداد في بغداد؟
يشكل ما يسمى بـ«اجتماع بغداد» المرتقب في حال انعقاده محطة غربية تجمع من لا يمكن جمعه منطقياً بحكم ابتعاد الرؤى والمواقف والمصالح والأهداف الإستراتيجية، ولاسيما من ناحية القوى الإقليمية المشاركة فيه، وتحديداً سورية وإيران، وتركيا إلى حد ما، مقابل الولايات المتحدة والحكومة العراقية التي تمثل إلى حد كبير إرادة المحتل الأمريكي.
بناءً عليه، وبالفعل، فإن الكثير من نتائج هذا الاجتماع يتوقف على ما تريده واشنطن من وراء هذا الاجتماع وهي التي صرحت مباشرة- كما بات معروفاً- بأنه لن يشكل محطة للتفاوض مع السوريين والإيرانيين.
وفي الإجابة على سؤال: ماذا يريد البيت الأبيض من هذا الاجتماع؟ يمكن إيراد ما يلي من ضمن أهداف أخرى:
● إعطاء إشارة كاذبة بـ«الحوار» مع إيران و«التوقف عن محاولات عزل» سورية، والتعمية بالتالي عن مخططات ضرب إيران، وهي التي دخلت فيما يبدو مرحلة تنفيذية متقدمة (الحشود العسكرية ومشاريع قرارات جديدة في مجلس الأمن والوكالة الدولية لطاقة الذرية).
● من خلال «جزرة الحوار» السعي على حساب طهران لتهميش دمشق في أي عدوان مرتقب على إيران، تماماً مثلما تتوهم واشنطن تهميش حزب الله من خلال تعطيل حلول الأزمة اللبنانية المبالغ في افتعالها بعيد انتصار المقاومة في حرب تموز.
● إعطاء إيحاء للتسويق الداخلي الأمريكي بأن إدارة بوش تستجيب لتوصيات تقرير بيكر-هاملتون وضغوط «الديمقراطيين»، علماً بأن التقرير المذكور يشكل تحقيقاً لأهداف الهيمنة الأمريكية ذاتها ولكن بأشكال أكثر لطفاً دون أن يشكل تحولاً جوهرياً، لا من ناحية تحرير العراق كلياً بما في ذلك إزالة القواعد العسكرية، ولا من ناحية تلبية الحقوق العربية والفلسطينية في تطرقه لقضية الصراع العربي-الإسرائيلي. وبالمثل فإن الديمقراطيين في صراعهم الانتخابي الحزبي مع الجمهوريين يتحدثون عن «ضرورة جدولة انسحاب القوات الأمريكية من العراق»، ومعارضة ما يسمى بإستراتيجية بوش الجديدة وتعديل التفويض السابق له من الكونغرس بشن الحرب على العراق، ولكنهم يتوقفوا قبل حد المطالبة بوقف تمويل تلك القوات بما يعني فعلياً عدم وقف الحرب والاحتلال بل استمرارهما.
● تأكيد توجيه الاتهامات بـ«الإرهاب» في العراق لدول الجوار ووضعها في دائرة الاتهام وجهاً لوجه لتقع هي في دائرة الدفاع، بما يدفع الاجتماع نحو طريق مسدود.
● المضي في تهرب المحتل من مسؤولياته عما يشهده العراق من مجازر وترتيبه الأرضية للتقسيم والحرب والأهلية وتحميلها لهذه الدول، وبالتالي تسعير الحملة ضد السوريين والإيرانيين.
● من خلال الضغط لدعم «الحكومة العراقية المنتخبة» و«العملية السياسية الجارية في العراق»، انتزاع موافقة دول الجوار كافة على كل ما تتخذه حكومة مفرزات الاحتلال تلك من إجراءات، بما فيها، وفي مقدمتها حالياً، وفي توقيت لافت، «القانون الجديد للنفط والغاز» في العراق.
● بعيداً عن الإملاءات وبإتباع أسلوب «الإحراج الدبلوماسي» بغطاء من ممثلي «الشرعية الدولية» وممثلي إحدى أكبر دول «الاعتدال العربي» (مصر)، قد تلجأ واشنطن إلى طلب المساعدة العسكرية من دول الجوار من أجل «مكافحة الإرهاب واجتثاث جذوره في العراق بما يخدم تلك الدول ومصالحها حسب تصريحاتها المتكررة» وذلك تأكيداً «لحسن نواياها» تجاه العراق والشعب العراقي، وهو ما يعني فعلياً إدخال «قوات احتلال إقليمية» تعمل لصالح واشنطن ضد المقاومة العراقية لتدخل في صراع معها، وليس لتحرير العراق من الاحتلال. أي ربما إحياء فكرة أشيعت سابقاً حول «إرسال قوات إسلامية وعربية للعراق، بقيادة سورية». أي المساعدة عملياً في تنفيذ خطة قوات الاحتلال في خروجها من مراكز المدن حيث تتركز هجمات المقاومة العراقية التي تطالها، وتوجه تلك القوات نحو القواعد العسكرية التي يراد لها أن تكون ثابتة لتكون نقاط انطلاق في العدوان على إيران أو أي من دول المنطقة بما فيها سورية.
بالتالي، وعلى الرغم من إدراك واشنطن للفشل المتوقع لاجتماع الأضداد في بغداد، إلا أنها تريد منه إحراج الجميع من أجل ضرب الجميع، على أن يكون ذلك مقدمة، من ضمن أشياء أخرى، لإعادة انتشارها في العراق «نزولاً عند مطالب الحكومة العراقية» ولكن عندما تصل الحرب الأهلية لمواصيلها المطلوبة تقسيماً وتفتيتاً، تنفيذاً للشق العراقي في المشروع الشرق الأوسطي الفوضوي الخلاّق. وهو ما يرتب على القوى الإقليمية المعنية مهاماً أكثر ضخامة على كل الجبهات سياسياً وعسكرياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً. وإن كان البعض يرى على نحو صحيح بأن المشروع المذكور يترنح فمن الأصح القول إنه لم يفشل ولم يسقط بعد بل دخل في بدء مرحلة الفشل..!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.