سياسات الـ WBوIMF تزيد الأمية في النيجر
النيجر بلد كبير يقع غربي إفريقيا، وهو أحد الضحايا الإشكاليين لسياسات التكييف الهيكلي التي تنتهجها المؤسسات المالية الدولية. فقد سجّل الفقر والبؤس قفزةً هائلة في عشرين عاماً بتأثير هذه المؤسسات، ولم تعد الخدمات العامة، لا الصحية منها ولا التعليمية، تؤمّن بصورةٍ سليمة. منذ مطلع الثمانينات، تتناقص حصة النفقات العامة المكرسة لهذين القطاعين، في حين تبتلع خدمة الدين الخارجي جزءاً هاماً من ميزانية الدولة.
تحت جنح اتفاقات التكييف الهيكلي المعقودة مع السلطات النيجرية، أصبح البنك وصندوق النقد الدوليين السيد الأوحد في السياسة التعليمية للبلاد. وقد وضعت المدارس الحكومية تحت سيطرة خبراء هاتين المنظمتين وتوابعهما المحلية: إنقاص المنح الدراسية والمساعدات المقدمة للتلاميذ والطلاب، خصخصة الخدمات الجامعية (الطعام والإقامة والنقل)، الاستبدال التدريجي للمعلمين المتخصصين بمتعاقدين أقل أجراً، توقيف توظيف الخريجين الجدد في الوظائف الحكومية، زيادة نفقات تسجيل الطلاب، الخ.
اليوم، ثلثا الأطفال النيجريين لا يذهبون إلى المدرسة، في حين لا يعرف 80 بالمائة من السكان القراءة أو الكتابة. وفي المرحلة الابتدائية، ينجح 32 بالمائة بالكاد من التلاميذ في الامتحانات الفصلية النهائية، في حين أنّ 160 فقط من كل ألف طالب في المرحلة الثانوية يحصلون على شهادتهم من الدورة الأولى دون رسوب. يحصل 1 بالمائة فقط من الأطفال على التعليم قبل المدرسي، الذي يهيمن عليه القطاع الخاص هيمنةً كبيرة. وتتراوح الكلفة السنوية المطلوبة من الأهالي بين 15 دولار في القطاع العام إلى نحو 1000 دولار في القطاع الخاص.
وفق الإحصائيات الرسمية للحكومة النيجرية، فإنّ فرص الأطفال الريفيين الفقراء في الذهاب إلى المدرسة أقل من فرص أولئك الذين يعيشون في الأوساط المدينية. إنّ السياسة التعليمية التي يمليها البنك الدولي لا تعزز التفاوتات الاجتماعية بين المراكز المدينية والأرياف، بل كذلك بين الإناث والذكور. ففي العام 1999-2000، لم تعد البنات يشكّلن إلا 39 بالمائة من مجموع التلاميذ، وهذا يمثّل نسبة 27 بالمائة من التعليم. وإذا ما بقي الميل الحالي على حاله، فسوف تبقى أغلبية البنات النيجريات أميات لعقودٍ أخرى.
صحيحٌ أنّ مشكلة الانتساب للمدرسة كبيرة، لكن ينبغي الإشارة إلى أنّ البطالة المستوطنة لدى الخريجين الجدد أكثر إثارةً للقلق. ففي الوقت الراهن، في النيجر آلاف الخريجين الذين لا أفق لديهم للعمل، بعد قضائهم أكثر من عشرين سنةً من أعمارهم على مقاعد الدراسة. وحدهم الأكثر حظاً منهم لديهم الحق في الخدمة الاجتماعية الوطنية أو يمكنهم أن يصبحوا «متطوعين في التعليم»- وهم متعاقدون قليلو الأجر يحلون تدريجياً محل المعلمين-، وهي أشكالٌ مشينةٌ لاستغلال الشبيبة.
كانت المدرسة النيجرية في الستينات تعتبر كواليس الوظيفة، وأصبحت اليوم كواليس البطالة. لا تتوصل مخرجات هذه المدرسة إلى دخول النسيج الاجتماعي والاقتصادي لسببين أساسيين: الأول هو أنّ الدولة، ربّ العمل المحتمل الرئيسي، لم تعد تريد التوظيف بسبب معايير نظام الميزانية التي يفرضها صندوق النقد الدولي والاتحاد الاقتصادي والنقدي في غرب إفريقيا. والسبب الثاني هو أنّ التأهيل الذي تقدمه المدارس لا يتلاءم مع الوقائع الاجتماعية والاقتصادية، في حين يسيطر القطاع الخاص تماماً على الدروب التي يمكن أن توصل للوظائف.
في مواجهة هذا الوضع، قررت عدة منظمات في المجتمع المدني النيجري بدء نضالٍ حازمٍ دفاعاً عن التعليم العام. وهي تحتج بصورةٍ خاصة على السياسة التي يقال إنها سياسة توزيع كلف التعليم التي أملاها قانون توجيه النظام التعليمي، وهو قانونٌ آثمٌ يرمز لتخلي دولة النيجر عن واجبها في التعليم.
■ موسى تشانغاري
مدير اتحاد فضاءات
مواطنية بديلة/ النيجر