هل سيبدل المشروع الأمريكي جلده؟
أعلن الديمقراطيون في الكونغرس الأميركي بمجلسي النواب والشيوخ «تشبثهم بالعمل من أجل تغيير إستراتيجية الحرب في العراق، رغم الفيتو الذي أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش ضد تحديد جدول زمني للانسحاب خلال عام واحد مقابل الاستمرار بتمويل قوات الاحتلال الأمريكي هناك».
زعيم الأكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، ونظيرته في مجلس النواب نانسي بيلوسي ومرشحا الرئاسة الأمريكية باراك أوباما وهيلاري كلينتون جميعهم ذهبوا في الاتجاه المذكور أعلاه قبل أن يعلنوا عزمهم على تقديم نص جديد حول العراق خلال 15 يوماً، استجابة لطلب ملح من جانب بوش الذي لوح باللجوء إلى استخدام وسائل أخرى للتمويل في حال اعترض الديمقراطيون مجددا على المشروع، قائلاً إن «تحديد جدول زمني للانسحاب هو تحديد موعد لفشل»، وأن «ذلك سيكون تصرفا غير مسؤول». وأضاف في تكرار لمعزوفته الممجوجة أن العراق هو «الواجهة الأولى في الحرب على الإرهاب»، مؤكدا «لا يجب أن نسمح للقاعدة بملاجئ آمنة في العراق».
واختار خصوم بوش الذكرى الرابعة لما يعرف بـ«خطاب إنجاز المهمة» الذي ألقاه سنة 2003 معلنا انتهاء العمليات العسكرية في العراق ليرسلوا إليه مشروع القانون.
وأشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو إلى أن انتظار الديمقراطيين هذا الموعد لإرسال مشروع القانون يشكل «قمة الوقاحة»، وذكرت بأن إقرار مشروع القانون المالي يشهد «مماطلة» منذ 80 يوما.
وبناءً عليه، تنشغل الولايات المتحدة والعالم هذه الأيام بالمواجهة الحزبية القائمة بين الجمهوريين وخصومهم الديمقراطيين في واشنطن حول العراق ولكن ليس بما ينهي الوجود العسكري والاقتصادي والسياسي الأمريكي في ذلك البلد العربي ويعيد استقلاله ويعززه، بل بما يحقق غايات الهيمنة ذاتها ولكن بأشكال أخرى، أقلها التقليل من حجم الخسائر العسكرية الأمريكية المتصاعدة بفضل عمليات المقاومة العراقية التي تطال قوات الاحتلال هناك، نكاية بما يفقأ العيون من اعتراض ما يسمى بـ«الحكومة العراقية» على تضمين جدولة انسحاب القوات الأجنبية من العراق في مشروع بيان المؤتمر الخاص بالعراق الذي عقد في منتجع شرم الشيخ بمصر.
وإذا كان هذا هو الجوهر فإن البعض يفضل الضياع في التفاصيل بعيداً عن اللوحة العامة واستحقاقاتها بالنسبة لقيادات احتكارية مأزومة رأسمالياً ودولارياً في داخل الولايات المتحدة، وتقف متخبطة في القضايا الخارجية المتعلقة بالمنطقة فهي أمام مفترق طرق: إما السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي وإما منعها بمغامرة عسكرية، وإما الغرق مع حليفتها في تل أبيب بمستنقع الفضائح المختلفة أو محاولة التعمية عليها وتجاوزها بمغامرة مماثلة ضد لبنان وسورية (وتغليف ذلك بـ«التنازل» للحديث مع دمشق وطهران في اجتماع شرم الشيخ بعد وصفهما بأكبر رعاة للإرهاب في العراق والمنطقة)، وفي نهاية المطاف وبالأساس، إما المضي في مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير والبناء على ماأنجز من مقاطعه الدموية في العراق وفلسطين ولبنان أو التخلي عنه. والسؤال البسيط الذي يطرح نفسه مجدداً والموجه لمن يريد تناسي تاريخ الديمقراطيين في حكم البيت الأبيض (ثعلب الصحراء، عامرية العراق، قانا لبنان، تكسير عظام أبطال الانتفاضة الأولى) هو: هل الديمقراطيون والجمهوريون والمحافظون الجدد والمسيحية الصهيونية والليبراليون الجدد وإلخ سلسلة الأسماء والمسميات والمنابت على حد سواء هم بصدد التخلي عن ذلك المشروع؟ وكيف سينعكس ذلك عليهم؟
إن هؤلاء لن يتخلوا طواعية عن المشاريع التي خططوا لها سنين طوال، وما سيكسر تلك القاعدة هو هزيمة تلك المشاريع بالمقاومة الشاملة التي يعد النمط العسكري أبسط أشكالها، وعندها سيكون هناك وقع آخر لانعكاس الهزيمة على هؤلاء ولكن على المستوى العالمي.